محمود أوفور – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

تُعدّ منطقة جيزرة التّابعة لولاية شرناك من أكثر المناطق عُرضةً لأعمال الشّغب والتحريضات التي يفتعلها بعض الأطراف ضدّ الدّولة التركية، وذلك منذ زمنٍ بعيد وخاصّة بعد إشتداد عود تنظيم (PKK) الإرهابي في تسعينبات القرن الماضي.

ولعلّ الكثيرون منّا سمع باسم هذه المنطقة عقب مقتل مراسل صحيفة الصّباح "عزّت كازار" الذي قُتل على يد قوّات حفظ النّظام عام 1992، وذلك أنثاء محاولة هذه القوّات إخماد أحداث الشّغب التي ظهرت هناك بُعيد الاحتفال بعيد النيروز. لكن وللأسف لم تعرف أحداث الشّغب والتّخريب طريق النّهاية بعد تلك الحادثة في هذه المنطقة.

وخلال الفترة الأخيرة تعمّدت بعض الأطراف إلى رفع وتيرة الأحداث في هذه المنطقة لجعلها تتصدّر أجندة السياسة في تركيا. ولذلك علينا أن لا ننظر إلى ما يحدث في جيزرة من إتّجاه واحد.

كما يحاول الأطراف المُغرضة إظهار هذه المنطقة على أنّها جزء أساسي وركيزة لا يمكن الإستغناء عنها في عمليّة إعادة تصفية الحسابات الإقليمية والعالمية. ولعلّ أفضل من قام بتلخيص هذا الوضع مؤّخراً هو الكاتب حسين يايمان من صحيفة وطن التركية. حيث قال في هذا الصّدد: " أعتقد أنّ منطقة جيزرة تمّ اختيارها بعناية وبعد طول دراسة من قِبل الأطراف المعادية لمسيرة المصالحة الوطنية، لإحداث أعمال الشّغب فيها. وإنّني أخشى استمرار هذه الأعمال التّخريبية والاستفزازية في هذه المنطقة ما لم يتم أخذ التّدابير اللازمة لإيقافها"

والسؤال المهم الذي لا بُدّ من الإجابة عليه، هو من هم الأطراف ولماذا قاموا بإختيار منطقة جيزرة لتنفيذ مُؤمراتهم ضدّ الدّولة التركية وعملية المصالحة الوطنية؟

وهناك العديد من الأطراف المشتبه بهم، حيث يتبادر على أذهان الجميع اوّلاً، وقوف العناصر المعادية لعملية المصالحة الوطنية داخل تنظيم (PKK) وراء هذه الأعمال. ويجب أن لا ننسى ارتباطات هؤلاء مع الدّول الإقليمية وخاصّةً ايران.

لكن من جهةٍ أخرى فإنّ تصريحات زعيم تنظيم الـ (PKK) عبد الله أوجلان الأخيرة  وزيارة رئيس مؤتمر المجتمعات الدّيمقراطية "خطيب دجلة" إلى المنطقة وإبلاغه لرسالة أوجلان إلى أهالي تلك المنطقة والتي يدعو فيها إلى إنهاء نزول الملثّمين إلى الشّوارع، ديلي واضح على أنّ الذين يقومون بمثل هذه الأعمال ليسوا فقط من مناصري تنظيم  (PKK)

وهناك عامل أخر يتسبّب في نشوء أعمال الشّغب في هذه المنطقة حسب ما تدّعيها المنظّمات المدنية في المنطقة، وهو وجود حزب القضية الحرة (حزب الله) الذي لا يمكن نكرانه الأن. هذا الحزب يلعب الأن دور المظلوم  والممثّل الوحيد للمُتديّنين في هذه المنطقة. وهؤلاء يقومون بتقليد ما كان يفعله تنظيم (PKK) فهم من جهةٍ يسعون إلى أن يكونوا الممثّلين الوحيدين للطّائفة المُتديّنة في هذه المنطقة، ومن جهةٍ أخرى يحاولون إحباط عملية المصالحة الوطنية في تركيا. وكلّ هذا بحسب ما تدّعيها المنظّمات المدنيّة في المنطقة.

إنّنا نتحدّث في هذه الأيام عن إشتباكاتٍ تقف وراءها الاتفاق السّري بين حزب القضية الحرّة (حزب الله) وإيران. وكأنّ الدّولة العميقة التي كانت تقود تركيا إنسحبت لتّحل مكانها أطراف أخرى من أجل أن تحارب بالوكالة عنها وتدفع بالطّائفة الكردية إلى أن يقتِّلوا بعضعهم البعض.

أليس هناك نوع من الغرابة في السياسات الإيرانية غريباً التي تقوم بدعم مجموعة معيّنة داخل تنظيم  (PKK) وبنفس الوقت تعقد الإتّفاقيات مع طائفة معيّنة داخل حزب القضية الحرّة. وإذا ما أضفنا إلى هذا، أهداف الكيان الموازي الذي يسعى إلى إستغلال أي حدث من أجل ضرب الحكومة التركية، فإنّنا سوف نستنتج بلا أدنى شك، استمرار عمليّات قتل الأطفال والابرياء في هذه المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك فإنّه وعلى الرّغم من نداءات الاعتدال التي تطلقها الحكومة التركية وعبد الله أوجلان ورئيس مؤتمر المجتمعات الديمقراطية "خطيب دجلة" وأعضاء حزب القضية الحرّة وقيادات حزب الشّعوب الدّيمقراطية، فإنّ أحداث الشّغب لا تهدأ ولا تنتهي في هذه المنطقة. برأيكم ألا يوجد نوع من الغرابة في هذا الوضع.

وأمام هذا الوضع الرّاهن فإنّ على القائمين بأعمال مسيرة المصالحة الوطنية بذل المزيد من الجهد للحيلولة دون تحقيق هؤلاء لأطماعم وأهدافهم في هذه المنطقة. 

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس