ياسر التركي- خاص ترك برس

تشهد العملات العالمية يوميا وبشكل مستمر تغيرات في أسعار صرفها مقابل العملات الأخرى تارة في الانخفاض وتارة أخرى في الصعود على مدار الساعة، ويمكن تقسيم أسباب هذه التذبذبات إلى عدة عوامل.
أولا: العوامل الاقتصادية

1-أسعار الفائدة وحركة رؤوس الأموال

أسعار الفائدة هي من المفاهيم المهمة في علم الاقتصاد وتعتبر أهم مقاييس تقييم قيمة العملة لبلد ما. فسعر الفائدة المرتفع يقدم للمقترضين عوائد أعلى مقارنة بالدول الأخرى، لهذا السبب، يجذب سعر الفائدة المرتفع رؤوس الأموال الأجنبية وتتسبب في رفع سعر الصرف. وتلجأ البنوك المركزية في العالم لرفع أسعار الفائدة في حالة التضخم والعكس في حالة الركود.

ورفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة أمس الخميس 7 حزيران/ يونيو، من 16.5 في المئة إلى 17.75 في المئة. وعقب ذلك انتعشت الليرة التركية ليصل سعرها أمام الدولار الأمريكي إلى ما دون مستويات 4.45، نزولاً من مستوى  4.90 مقابل الدولار الواحد.

2- مستويات الأسعار النسبية وتغير الصادرات والواردات

إن انخفاض الأسعار في دولة ما مع ثباتها في دولة أخرى يؤدي إلى زيادة الطلب على سلع وخدمات الأولى وبالتالي زيادة الصادرات ومن ثم زيادة الطلب على عملتها، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع سعرها مقابل العملات الأخرى، والعكس صحيح في حال ارتفاع الأسعار.

فإذا كانت صادرات دولة ما أكبر من وارداتها فإن ذلك يعني زيادة الطلب على عملتها وارتفاع سعر صرفها.

ثانيا: التحكم الحكومي في سوق الصرف

في الفترة ما بين 1944 إلى 1971، كان نظام "بريتون وودز" هو السائد في السياسات النقدية للدول في تحديد قيمة عملاتها الوطنية، حيث بادرت الحكومة الأميركية إلى دعوة 44 دولة للاجتماع في يوليو/ تموز 1944 بمدينة بريتون وودز في ولاية نيوهامبشير للاتفاق على نظام نقدي دولي جديد، بغية تأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي العالمي.

إذ يقوم هذا النظام النقدي الجديد على أساس "قاعدة الصرف بالدولار الذهبي" وعلى أساس "مقياس التبادل الذهبي"، وبذلك تحول الدولار الأميركي من عملة محلية إلى عملة احتياط دولية، حيث أن الدولار الواحد يساوي 0.88671 غرام من الذهب الصافي، أي أن كل  35 دولار يعادل الأونصة.

إلا أن الرئيس الأمريكي نيكسون قرر في 1971 منع تحويل الدولار إلى ذهب، ما أدى إلى انهيار نظام بريتون وودز.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت السياسات النقدية للدول تستند على نظامين أساسيين لتقييم العملة، الأول: هو نظام الصرف الثابت الذي يتم خلاله تثبيت سعر العملة، إما إلى عملة واحدة، وإما إلى سلة عملات.

والثاني: هو نظام الصرف المرن، يتم من خلال إما التعويم المدار، أي ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب، مع لجوء البنك المركزي، إلى التدخل كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات.
أو التعويم الحر أي أن السوق هو الذي يتحكم في سعر صرف العملات وفقا للعرض والطلب دون تدخل من البنك المركزي .

وتلجأ الدول إلى قرار تخفيض قيمة عملاتها الوطنية بشكل أساسي  حسب ما تراه مناسبًا لطبيعة اقتصادها، فبعض الدول تلجأ إليها  لإعادة التوازن إلى موازينها التجارية التي تعرف عجزا هاما وبنيويا، أو على الأقل للتخفيف من حجم هذا العجز.

فإن تخفيض قيمة العملة الوطنية يؤدي إلى جعل أسعار السلع المستوردة أغلى بالنسبة للمقيمين وبالتالي يؤدي إلى تراجع في الواردات، وبالمقابل تصبح أسعار السلع المحلية أرخص بالنسبة للخارج، مما يعزز قدرة المنتجات الوطنية وزيادة حجم الصادرات إلى الخارج. وبالتالي عودة الميزان التجاري في الدولة على حالة التوازن.

والبعض الآخر كالصين واليابان من أكثر الدول التي تسعى إلى خفض قيمة عملتها، وذلك لكون الدولتين تعتمدان بشكلٍ أساسي على التصدير، وكلما انخفضت قيمة العملة كان الطلب على الصادرات أعلى، لذلك دائمًا ما تصبح قيمة العملة المنخفضة، هي الخيار الأفضل للدول التي لديها إنتاج قوي وتبحث عن التصدير.

ثالثا: الاستقرار السياسي

يتأثر سعر صرف العملة بالعوامل السياسية في البلاد، فالاستقرار السياسي في دولة ما يؤدي إلى زيادة ثقة المستثمرين في اقتصاد تلك الدولة. إذ أن ثقة المستثمرين تؤثر على أسعار العملات. فإذا كانت ثقة المستثمرين عالية في اقتصاد دولة ما، فإن احتمال قيام المستثمرين بشراء أصول في تلك البلد سيكون مرتفعا، مما يدفع قيمة عملة البلد إلى الارتفاع. أما في الحالة المعاكسة فيؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة عملة هذا البلد.

الخلاصة

استقرار وحدة النقد هو شرط أساسي وضروري لاستقرار معاملات الناس في أنشطتهم الاقتصادية على مستوى البلد وفي التعامل الاقتصادي الخارجي بين الدول. وبطبيعة الحال فإن عدم استقرار قيمة العملة يشكل خللا في حقوق والتزامات الناس. كما أن عدم استقرار قيمة العملة يضعف الثقة بها، ويصيب العلاقات الاقتصادية باضطراب شديد، ويؤدي في نهاية الأمر، إلى تخلي الوحدات الاقتصادية عن هذه العملة الضعيفة، واللجوء إلى اقتناء العملات القوية والمعادن النفيسة. وهو الأمر الذي يزيد الأمور سوءاً واضطراباً داخل الدولة.

 

عن الكاتب

ياسر التركي

مهتم بالشؤون الاقتصادية والتاريخ التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس