دينا رمضان - خاص ترك برس

ظهر مؤخرا فيديو لشبيح من الأقلية الشركسية وهو يرقص مع إحدى الفتيات وحولهما بعض المشجعين، وقد انتشر هذا الفيديو انتشار النار في الهشيم، وكأنه الدليل الدامغ بأن شركس سورية هم من مؤيدي النظام المجرم، ومع أن النظام هو المستفيد الوحيد من هذا الادعاء، إلا أن الكثير ممن يزعمون أنهم مع الثورة قد أيدوا ذلك، مع تناسٍ تام لكل التضحيات التي بذلها الشركس منذ بداية الثورة حتى الآن، متماهين في ذلك مع ما قدمته باقي مكونات هذا الشعب العظيم، فقد كان فيديو واحد كافيا لنسف كل ما تم تقديمه من الشركس، وكأن عذابات ودماء العشرات من المعتقلين والشهداء منهم قد صارت هباءً منثورا. وأؤكد هنا أنك إن كنت من مصدقي روايات النظام الإعلامية عن الإرهاب والإرهابيين فلتصدق عندها أن أغلبية الشركس هم من مؤيدي النظام كما يسعى جاهدا أن يبرهن ذلك.

ورغم أن هذا النظام يحوي العلوي والدرزي والسني والشيعي... إلا أن هناك ماكينة إعلامية تجهد لإظهار شخصيات الإقليات المنتمية إليه وكأنها ممثل شرعي لكامل تلك الأقلية، وقد أجاد النظام منذ بداية الثورة في لعب ورقة الأقليات، وللأسف فقد ساعده الكثير ممن يدعون أنهم مع الثورة، عن جهل أو عن خبث، وذلك عن طريق تأكيد رواياته، ونشر أكاذيبه ودعاياته الإعلامية، ورغم أن سبعاً من السنين قد تبدو كافية للتعلم من الأخطاء التي وقعت، إلا أنها لم تفعل، فما زال التخوين والتعميم ديدن كثير ممن يدعون مساندتهم للثورة.

هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن أن تُذكر على تشكيلة النظام، وكيف أنه استفاد من كل الوصوليين من مختلف الطوائف والانتماءات لتعزيز سطوته وأخطبوطيته، فمثلا خليل مقداد نائب وزير الخارجية سني من حوران، وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد سني من طرطوس، محمد الشعار وزير الداخلية سني من الحفة، وليد المعلم وزير الخارجية سني من دمشق، المجرم المقتول عصام زهر الدين من الطائفة الدرزية في السويداء، رجال دين ورجال أعمال كثيرون مثل حسام فرفور محمد حمشو وسامر الفوز وغيرهم هل يمكن اعتبار كل هؤلاء ممثلين عن طوائفهم ومدنهم وبلداتهم؟ إذا ستُعتبر سورية كاملة مؤيدة للنظام عندها!

الشركس أيضا هم أقلية سورية، بلغ عددها قبل الثورة بأعوام قليلة ما يقارب 60000، تعود أصولها الى القوقاز، وهي الحد الفاصل بين أوروبا وآسيا، وقد تم تهجير الشركس من أرضهم في منتصف القرن الثامن عشر إلى مختلف دول العالم، ومنها سورية، بسبب الجرائم التي ارتكبها بحقهم القياصرة الروس، أي أن تلك الأقلية تتشارك مع السوريين في عدائها التاريخي  للروس، فالفظائع والمجازر المرتكبة بحقها لا يمكن أن تُنسى، وما زال الشركس حتى اليوم يحيون ذكرى شهدائهم وتهجيرهم من أرضهم على أيد الروس في يوم الحزن الشركسي في أيار/ مايو من كل عام في كل البلاد التي اضطروا للهجرة إليها.

وهم أحد مكونات الشعب السوري، لهم ماله وعليهم ما عليه، وأكثر الشركس هم من المعارضين للنظام، وهذا طبيعي، فهل يُعقل أن يتعاطف من ذاق الظلم والقتل والتهجير مع القاتل وحلفائه، وكيف يكون جلاد الامس حليف اليوم؟ ولكن هذا لا يمنع وجود عدد من الانتهازيين والوصوليين، الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح النظام، كما في باقي فئات السوريين جميعهم دون استثناء، وقد استفاد الأخير أيما استفادة من ذلك، عن طريق تركيز دائرة الضوء الإعلامية على هؤلاء، لتأكيد مقولته بأنه حامي الأقليات وأن الأقليات تثق به وتلجأ إليه وتسانده.

وليد أباظة أول مثال حاضر على ادعاء أن الشركس مع النظام، ورغم أن المذكور كان أحد المسؤولين عن مجزرة حماة، إلا أن شركاءه في الجرم كثر، ومع ذلك فإن تعميم التمثيل على أساس القومية او الطائفة لم ينل سواه، فقد أُخذ كل الشركس بجريرة ما فعل ذلك المجرم، ولكن لم يتهم أحد أهل الرستن -مثلا- بسبب مشاركة وزير الدفاع مصطفى طلاس في تلك الجريمة، علما أن ابنة الأخير تمارس الآن دور عرابة المصالحات في ريف حمص.

ومما يُذكر أن ابن وليد أباظة، آنزور أباظة قد أسس إحدى ميليشيات الدفاع الوطني بعد الثورة، وجيّش فيها عددا من أراذل الشركس، وأقام حاجزا في قدسيا أثناء الحصار على تلك المدينة منذ عدد من السنين، مما أوقع فتنة كبيرة بين حي الشركس وأهل قدسيا المتجاورين في تلك المنطقة، ولكن ما لا يذكره أحد، أن الكثير من السيدات الشركسيات، اللواتي كان ذلك الحاجز يتغاضى عن تفتيشهن بحكم الأصول المشتركة، كن يخبئن الطعام في ثيابهن لإيصاله للمحاصرين في قدسيا، على الرغم مما يشمله ذلك من مخاطرة كبيرة. ومما لا يعرفه الكثيرون أيضا، هو أن هذا المجرم المدعو آنزور قد تم قتله على يد تجار مخدرات بعد خلاف على إحدى الصفقات، كما أكد عدد من المقربين من عائلته، وليس على يد الثوار كما ادعى النظام لإظهاره كشهيد أمام أعين المؤيدين، وللأسف، وكما العادة، فقد فرح بعض معارضي النظام بتلك الرواية وأيدوها دون تحقق –فقط- لأنها تتماشى مع رغباتهم.

ويتناسى من يستشهد على عمالة الشركس بهذه الميليشيا أن يذكر كتيبة الشركس الثورية التي تم تأسيسها في القرى الشركسية في القنيطرة (البريقة وبئر عجم)، والتي ضمت العشرات من زهرات الشباب الشركس، والذين استشهد أكثرهم او أودعوا في معتقلات النظام.

ومن الأمثلة التي تُذكر أيضا المخرج الشركسي المؤيد للنظام نجدت انزور، ولكن في المقابل لماذا لا يتم ذكر الشخصيات الشركسية المعارضة؟ لماذا لا يتم ذكر المفكر الإسلامي العالمي جودت سعيد، الذي وقف ضد النظام وممارساته قبل سنين من بدء الثورة واعتُقل عدة مرات بسبب آرائه السياسية؟ ولماذا لا يتم ذكر الكاتب والمفكر الإسلامي د. وائل مرزا، وهو أحد مؤسسي المجلس الوطني؟ ولماذا لا يتم ذكر السيدة سلوى أكسوي، نائبة رئيس الائتلاف السابق؟ ولماذا لا يتم ذكر الفنان التشكيلي ورسام الكاريكتير موفق قات، الذي قدم المئات من الرسوم الفاضحة للنظام والتي نال عليها جوائز عالمية؟ وغيرهم الكثير من الشخصيات الشركسية الوطنية التي تعمل بكل إخلاص وهدوء بعيدا عن الضجيج الإعلامي.

أختتم هنا بذكر نقاش قد دار منذ قرابة العامين بين بعض نشطاء الشركس في إسطنبول وبعض قيادات الائتلاف بخصوص الحصول على مقعد أو تمثيل للشركس ضمن الائتلاف، ورغم كوني شركسية، إلا أنني كنت من المعارضين للفكرة، لأن هذا ليس وقت التأكيد على الهويات الفردية، وإنما هو وقت التأكيد على الهوية الوطنية السورية الجامعة، ووقت التأكيد على القواسم المشتركة وليس المفرِقة، ولكن يبدو أنني كنت مخطئة، فالظاهرأن على كل منا أن يحمل يافطة على صدره يكتب عليها دينه وطائفته وقوميته وإثنيته... علّها تكون شفيعا له أمام باقي السوريين، والأفضل أن يصور فيديو راقص له وهو يحمل علم الثورة حتى ينال شهادة "ثورجي" من "نشطاء" الثورة!

عن الكاتب

دينا رمضان

باحثة وناشطة مختصة بالشأن السوري، حاصلة على شهادة EMBA (ماجستير تنفيذي في ادارة الاعمال، PMP الشهادة الامريكية في ادارة المشاريع، دارسة للعلوم السياسية (معهد سياسي) و مدير تنفيذي سابق في احد المنظمات الانسانية المختصة بالشأن السوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس