ترك برس

كتب أحد الباحثين الأتراك مقالًا يتناول حياة الزعيم الصهيوني ديفيد بن غوريون، أحد المؤسسين الأوائل لـ"الدولة اليهودية"، يوحي فيه بأنَّ الدولة العثمانية لم تكن معادية للمشروع الصهيوني في فلسطين، اعتمادا على شواهد ضعيفة، وهو ما أثار تساؤلات وجدلًا لدى مراقبين.

الباحث "محمد زاهد غول"، زعم في مقاله بموقع "رصيف 22"، أن طموحات بن غوريون، وصديقه الصهيوني إسحاق بن زيفي، "كانت حمل التبعية العثمانية، والانتماء للمجتمع العثماني ومحبته والدفاع عنه، مثل أي مواطن عثماني بغض النظر عن انتمائه الديني أو القومي أو الاثني أو غيره".

حقائق عن "بن غوريون"

ولد حاييم أفجدور جرين (ديفيد بن غوريون) في بولنسك (بولندا الآن) التابعة لروسيا عام 1886، وكان يعمل في المحاماة، وقد أثرت عليه أفكار "حزب العمال الاشتراكي" الذي عرف بـ (عمال صهيون) في بولنسك.

حصل بن غوريون على شهادة الثانوية في بولنسك ثم أكمل دراساته الجامعية بجامعة Constantinople في تركيا عام 1912 وحصل بعد عامين على درجة جامعية في القانون.

اقتنع في وقت مبكر بضرورة الهجرة إلى فلسطين، فقرر القيام بذلك عام 1906، وعمل في ذلك الوقت بفلاحة الأرض في يافا. وبعد أربعة أعوام (1910) انتقل إلى القدس للعمل محرراً في صحيفة الوحدة (أهودوت) (Ahdut) الناطقة باللغة العبرية، وكان ينشر مقالاته باسم (بن غوريون) الذي يعني في اللغة العبرية ابن الأسد.

أجبرته الدولة العثمانية على الرحيل إلى موسكو مع بعض رفاقه الذين يؤمنون بالصهيونية والذين قدموا من الاتحاد السوفياتي عام 1915. واستطاع بن غوريون العودة مرة أخرى إلى فلسطين بعد خمس سنوات.

الكاتب والباحث الفلسطيني عوني فارس، رأى في مقال بموقع "عربي21"، أن الباحث التركي "غول" أعاد تعريف المشروع الصهيوني بما ينفي عنه ارتباطه بالاستعمار الغربي ويخلِّصه من صفاته "الجينية" العدائية للمنطقة ولشعوبها والمتعالية على تاريخها وحضارتها العريقة.

وبحسب فارس، بدا في مقال "غول" أن أقصى ما يرغب فيه أتباع هذا المشروع الاستعماري، هو العيش في دولة توفر لهم الأمن وتسمح لهم بممارسة حياتهم الطبيعية، في مرحلة شكَّلت استمرارا لحالة النزوح اليهودي نحو الدولة العثمانية هربا من الاضطهاد.

جاء استحضار غول لسيرة بن غوريون اليهودي الروسي تلميذ الحقوق في إسطنبول، تأكيدًا لهذه الخلاصة المركزية، إذ بدا الزعيم الصهيوني الشهير، في سرد غول، شابا عبقريا ونشيطا.

وكان المشروع الصهيوني، بعكس ما تصور غول، يتجه بتسارع نحو اكتمال أركانه باعتباره مشروعا سياسيا استئصاليا يهدف إلى سلخ فلسطين من عمقها العربي والإسلامي وجعلها خالصة للصهاينة قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى وقبل أن يصبح بن غوريون شخصية صهيونية محورية.

ويضيف فارس: لقد فهم العثمانيون أطماع الحركة الصهيونية في مرحلة مبكرة من تاريخها، الأمر الذي دفع برأس الهرم في الدولة العثمانية لرفض مطالب ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية.

خصوصًا أن المشروع الصهيوني أظهر منذ بداياته أنَّه لن يوفر الضمانات الكافية لجعله مسار تحول طبيعي في المنطقة، ولن يكون بمقدوره عدم التعرض لأصحاب الأرض بالقتل أو الطرد، بل على العكس من ذلك فقد كانت شواهد الواقع تؤكد عدوانيته وعنصريته تجاه السكان الأصليين.

وكان لبن غوريون تجربة عملية في الاستيطان قبل انتقاله للدراسة في إسطنبول، وأفكاره التي تمحورت حول ضرورة الاستقلال السياسي لليهود في فلسطين والتي أعلن عنها في مرحلة مبكرة من حياته، وضمَّنها في مبادئ حزب عمال صهيون منذ العام 1907.

الدولة العثمانية ضد "الإستيطان اليهودي"

يقول الأكاديمي بجامعة "عين شمس" بالقاهرة أحمد عبد الله نجم، إن "فلسطين لم تسقط في أيدي اليهود إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية (عام 1924)".

ولفت الباحث، خلال حديث مع وكالة الأناضول التركية مؤخرًا، إلى جهود السلطان العثماني عبد المجيد الأول (1839 - 1861)، ضد محاولات الاستيطان اليهودي في فلسطين.

وقال: "السلطان عبد المجيد الأول، أرسل لمتصرفية القدس (إدارة مستقلة تتبع السلطان مباشرة) يأمرها، بضرورة استعادة قطعة أرض بالقدس، اشتراها طبيب يهودي بريطاني، وبيعها لأي مواطن من الدولة العثمانية".

لكن وعلى الرغم من ذلك، لفت الأكاديمي المصري، إلى أن فترة السلطان عبد المجيد الأول "شهدت تحايلا من اليهود للاستيطان".

وتمثل ذلك التحايل في قيام عدد من رجال الأعمال الكبار من يهود أوروبا، ببناء عدد من المستشفيات ودور الأيتام، يتم لاحقا إسكان اليهود فيها، قبل أن تتحول إلى نواة لمستوطنة.

السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909)، بحسب "نجم"، أصدر قانون في مارس/ آذار 1883، يحرم بيع الأشياء غير المنقولة في الدولة العثمانية لليهود الأجانب.

كما اقتصر حق شراء الأملاك على اليهود العثمانيين، واشترط أن يحصل الأجانب الذين غيروا جنسياتهم على إذن من الحكومة العثمانية قبل شراء الأراضي.

وخلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، استشعرت الدولة العثمانية الخطر من وجود اليهود، فأصدرت قرارا بعدم قبول اليهود من رعايا الدول الأجنبية التي تحارب الدولة العثمانية والمقيمين في فلسطين.

المؤرخ التركي أكرم بوغرا أقنجي، يرى بدوره في مقال بصحيفة "ديلي صباح"، أنه على الرغم من أن غير المسلمين في الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر كانوا يلقون دعماً من الدول الأوروبية ويتم استخدامهم كورقة ضغط ضد الحكومة، إلا أن الوضع لم يكن كذلك بالنسبة إلى اليهود. ولكن أدى ظهور تيار الصهيونية الذي بدأ في أوروبا في القرن التاسع عشر إلى كارثة كبيرة في الدولة العثمانية.

وبحسب أقنجي، كان هناك بين اليهود مجموعة يُطلق عليها "الصهاينة" تريد تأسيس دولة في فلسطين. وقد استطاعت تلك المجموعة الحصول على دعم مادي ومعنوي قوي.

كانت تلك الجماعة ترى السلطان عبد الحميد الثاني العائق الذي يحول بينها وبين تحقيق آمالها لذا قاموا بمساعدة جماعة "تركيا الفتاة" (الأتراك الشباب) التي كانت تعمل على عزل السلطان عبد الحميد. ومع عزل السلطان عبد الحميد سُمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.

اعتبارا من عام 1908 كان حزب الاتحاد والترقي هو المسيطر على الحكومة في الدولة العثمانية. وكان أهم ممول ومرشد مصرفي إيطالي الأصل من يهود سلانيك يدعى إيمانويل كاراسو، وكان له دور حتى في تشكيل حكومة أنقرة. بعد ذلك عاد إلى بلده الأصلي إيطاليا وتوفي هناك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!