حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

يبدو أن الرئيس الأمريكي ترمب بدأ يبالغ في حدّة تعامله مع حلفائه في حلف الشمال الأطلسي "الناتو"، وينتهج سياسة مهينة تجاه قادة الدول الأوروبية وعلى رأسهم الألمانية ميركل، ويمكن القول إن ترمب يتعامل بلطف فقط مع الرئيس الفرنسي ماكرون والتركي أردوغان، والسبب الذي يجعل ماكرون مختلفاً عن غيره هو انتهاج الأخير سياسةً تبدو معارضةً لألمانيا في إطار التوازن الدولي، وأهمية هذه المسألة تكمُن في قوة السياسة الألمانية في مجال التجارة، والتي بدورها تؤثر سلباً على تجارة أمريكا، وتدفع ترمب لمحاولة ضبط ألمانيا من خلال فرض الضغط والعقوبات الاقتصادية على الأخيرة.

في الواقع ذلك ليس أمراً صعباً بالنسبة لترمب، وخصوصاً أن برلين لا تستطيع مواجهة ضغوطات واشنطن في ظل الظروف الراهنة، كما تأتي العقوبات المالية المفروضة على بعض الشركات الألمانية الكبيرة في الصدد ذاته أيضاً، وبرلين تدفع هذه العقوبات دون إثارة أي مشاكل لأنها لا تملك شيئاً آخر لفعله، وكذل لأنها لا تستطيع الاستمرار في التصدير الاقتصادي إلا في ظل حماية أمريكا، ولذلك تضطر لدفع الجزية لترمب بهدف تجنّب زوال الحماية الأمريكية، لأن توقّف واشنطن عن حماية فعاليات مجال التصدير سيؤدي لقلق جميع الدول وخصوصاً ألمانيا.

 أدركت ميركل أنها مضطرة لتدبير أمورها بنفسها وعدم الاعتماد على أمريكا في المسائل المتعلّقة ببلادها، لكنها لا تملك أدنى فكرة حول هذه المسألة، وقد رأينا أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع تطوير سياساته في ظل غياب أمريكا، وأنه ليس في وضع يسمح له بتأمين حمايته الذاتية، وفي هذا السياق يأتي التوسّع الروسي الأخير على رأس المشاكل التي تتسبّب بقلق ميركل، ويجدر الذكر أن ألمانيا توسّعت في أوروبا الشرقية والوسطى لسنوات عديدة بدعم من أمريكا، لكن الآن قد تضطر لمواجهة روسيا خلال المرحلة المقبلة، وفي حال توقّف واشنطن عن دعم ألمانيا ستكون خسارة الأخيرة كبيرة جداً أمام روسيا، وذلك بدوره سيدفع برلين للتعاون مع موسكو بدلاً من مواجهتها، بتعبير آخر عندما تعجز ألمانيا عن تحقيق التوازن مع روسيا ستضطر لانتهاج سياسة جديدة، وغالباً ستعتمد هذه السياسة على أن تكون ألمانيا تابعاً لروسيا خلال الفترات المقبلة.

لا يمكن لقوة سياسية كبيرة مثل ألمانيا تحمّل هذه الظروف لمدة طويلة، إذ تعتقد الأخيرة أن موقف أمريكا الراهن مؤقت، وأنها تستطيع مواجهة الضغط الروسي خلال هذه المدّة إلى أن تعود أمريكا للساحة وترجع الأمور لمجراها الطبيعي، لكن على أرض الواقع لا توجد دوافع كافية تسمح لبرلين بالتفاؤل كثيراً في هذا الخصوص،  ربما ستعود أمريكا لتلعب دوراً فاعلاً في محور التوازن الدولي، لكن من المؤكّد أن روسيا ستزيد الضغط تجاه ألمانيا إلى أن ذلك الحين.

في ظل هذه التطورات يستمر ترمب في انتهاج سياسته المجهولة والتي يصعب توقّعها مسبقاً، يبدو أن ترمب يرغب في معاقبة حلفائه وخصوصاً ألمانيا، لكن أعتقد أنه يستطيع تخفيف نسبة هذه العقوبات قليلاً، لكن ترمب يطالب الدول الأعضاء في حلف الناتو بتقديم اثنان بالمئة من مدخولها السنوي للحلف، وقد تم اتخاذ هذا القرار خلال قمة الناتو في غاليريا سنة 2014، ومن المتوقّع أن يبدأ ثلثي دول حلف الناتو بتطبيق هذا القرار في سنة 2024، أو على الأقل كانت الوعود على هذا النحو، وإن تمكّن ترمب من الوصول إلى اتفاق دبلوماسي في هذا الصدد سيكون سعيداً بذلك، في الواقع لم يهتم ترمب بحلف الناتو مطلقاً، بل يسعى لتحويل هذه المسألة إلى أداة فاعلة في السياسة الداخلية لبلاده، بتعبير آخر يسعى ترامب للحصول على مكاسب دبلوماسية بطرق سهلة دون بذل مجهود كبير.

نظراً إلى الواقع المذكور يمكن القول إن ترمب رفع مستوى التهديد إلى أقصى حد ممكن، وقد صرّح بوجود احتمال خروج أمريكا من حلف الناتو في السياق ذاته، هناك احتمالات عديدة تدور في الوسط الدولي، لكن خلال الظروف الراهنة يبدو تطبيق هذا الاحتمالات أمراً مستحيلاً، إذ لا يمكن لأمريكا اتّخاذ مثل هذه الخطوة الهامّة في الوقت الحالي، لأن الخروج من حلف الناتو لا يشبه الخروج من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا"، والفرق هو أن الخروج من الأخيرة يعني خسارة مبلغ مادي قابل للتعويض مع مرور الوقت، لكن الخروج من حلف الناتو سيؤدي إلى زعزعة النظام الدولي بأكمله، يبدو أن أمريكا ستتخّذ خطوات جنونية عديدة في ظل قيادة ترمب، لكن لحسن الحظ لم نصل إلى هذه المرحلة في الوقت الحالي.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس