برهان الدين دوران – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

تعرض الرئيس ترمب لانتقادات شديدة في الداخل الأمريكي نتيجة اجتماعه بنظيره الروسي بوتين خلال قمّة هيلسينكي، وتشير هذه الانتقادات إلى خضوع ترمب لتأثير روسيا وخيانته لمصالح بلاده، فيما جاءت أشد ردود الفعل تجاه تصريح ترمب بأن روسيا لم تتدخّل في مجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولم تنحصر الانتقادات الموجّهة للتصريح المذكور ضمن إطار وكالات الاستخبارات الأمريكية فقط، إنما شارك القطاع الديمقراطي والجمهوري في هذه الانتقادات أيضاً، كما عبّر السيناتور الجمهوري "جون ماكين" عن رأيه تجاه المسألة بهذا التصريح: "لم يسبق لأي رئيس أمريكي أن ذلّ نفسه أمام شخصية استبدادية مثل بوتين لهذه الدرجة"، ولهذه الأسباب اضطر ترامب للاعتراف بتدخّل روسيا في مجرى الانتخابات الرئاسية، ومن خلال ذلك نرى أن ردود فعل الرأي العام الأمريكي تعيق رغبة ترمب في المبادرة إلى بداية جديدة مع روسيا.

يشعر القادة الأوروبيون بالانزعاج نتيجة وصف ترمب للاتحاد الأوروبي بـ "الخصم" ولروسيا بـ "المنافس"، ولذلك يمكن القول إن قمّة هيلسينكي أدّت إلى زيادة التشققات في صفوف دول حلف الشمال الأطلسي، وفي هذا السياق يبدو أن ترمب يحاول الاتفاق مع روسيا وضمّها إلى صفوفه خلال الحرب التجارية التي يخضوها ضد الاتحاد الأوروبي والصين، لكن أدت محاولات ترمب إلى زيادة القلق في خصوص سياسة واشنطن التقليدية تجاه روسيا بعد أن أصبح المشهد الأخير يشير إلى تعقيد وتوقّف السياسة المذكورة، ووفقاً للسفير الأمريكي "مايكل ماكفول" في روسيا خلال سنوات 2012-2014 فإن قمّة هيلسينكي زادت من وضوح حقيقة أن أمريكا لا تنتهج سياسة متماسكة وموحّدة تجاه روسيا، لكن لا يمكن القول إن ترامب خضع لتأثير روسيا بشكل كامل، إذ يستمر ترمب في تطبيق العقوبات الاقتصادية على روسيا، وكذلك لم يعترف بضم جزر القرم لروسيا إلى الآن.

في الواقع إن محور التساؤلات في الوقت الراهن يدور حول تأثير القمّة المذكورة على تركيا خاصةً والمنطقة عامةً، وفي هذا السياق يبدو أن أبرز مسألتين اتفق عليهما ترمب وبوتين هما الحفاظ على أمان إسرائيل ورغبة الدولتين الأمريكية-الروسية بالتعاون في الساحة السورية.

اتفق ترمب وبوتين على التعاون في الجنوب السوري وخصوصاً في الجولان من أجل حماية الحدود الإسرائيلية، وتنسيق الخطوات التي ستُتّخذ في المراحل القادمة بناء على هذا الأساس. لكن هذا الاتفاق سيؤدي إلى زيادة جرأة دولة الاحتلال وشدّتها تجاه شعوب المنطقة وخاصةً الشعب الفلسطيني، وكان للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي "ناتنياهو" بترامب وبوتين قبيل قمّة هيلسنكي دور فاعل في هذا اتخاذ هذا القرار.

من المعروف أن ترمب يتّخذ موقفاً منحازاً لدولة الاحتلال فيما يتعلّق بالقدس الفلسطيني، ولذلك يمكن توقّع ظهور ترمب بخطّة جديدة تهدف إلى زيادة الضغوطات على الشعب الفلسطيني في المستقبل، كما أن التطوّرات الأخيرة ستزيد من جرأة دولة الاحتلال في تل عفيف أيضاً، إذ تستمر القوات الإسرائيلية في هدم الثكنات الفلسطينية الموجودة في منطقة "خان الأحمر" التي تقع في الضفة الغربية من الجدار العازل الذي أنشأته دولة الاحتلال في القدس الشرقية، وهدف إسرائيل من هذه السياسة هو تهجير الفلسطينيين من المناطق التي تمتد من القدس الشرقية إلى البحر الميت، وتوحيد الثكنات اليهودية في المنطقة المذكورة.

وكذلك وافق البرلمان الإسرائيلي مؤخراً على تطبيق نظام الدولة اليهودية، وفي هذا السياق أعلنت عن اعتبار القدس على أنها عاصمة إسرائيل، وجعل اللغة العبرانية اللغة الرسمية للبلاد، وبذلك أصبحت اللغة العربية الرسمية أقل شأناً من اليهودية بناء على قرار البرلمان الإسرائيلي، وكذلك أصبحت قوانين الدين اليهودي أساساً لدستور البلاد، والأهم من ذلك هو وصف إنشاء الثكنات اليهودية بالمصالح القومية، وبالتالي يمكن القول إن إسرائيل تتخّذ خطوات ستؤدي إلى فشل مشروع "دولتين في الأراضي الفلسطينية".

أكّد لقاء ترمب وبوتين الأخير على دور روسيا الفاعل في الساحة السورية، لكن يبدو أن المفاوضات التي أُجريت بين الطرفين لم تكن كبيرة بالدرجة التي يصفها الرأي العام، لأن تعهّد روسيا بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود إسرائيل لا يعني إخراج إيران من سوريا بشكل نهائي، إضافةً إلى أن إنهاء وجود هذه الميليشيات في الساحة السورية بشكل نهائي سيصعّب الأمور على موسكو أيضاً، في حين أن إيران لا تتردّد في إجراء المباحثات الدبلوماسية مع روسيا من أجل البقاء داخل اللعبة، وفي السياق ذاته إن لقاء مستشار المرشد الأعلى الإيراني "علي أكبر ولايتي" مع بوتين قبيل قمّة هيلسينكي يكتسب أهميّة كبيرة في هذا الصدد.

إذا أرادت أمريكا وروسيا تطوير علاقاتها في الساحة السورية فلا بد من إدخال تركيا أيضاً في المعادلة نظراً إلى أنها تستطيع العمل مع الدولتين في الوقت نفسه، ويجدر بالذكر أن مصير وحدات الحماية الشعبية في إدلب وشرق الفرات سيكتسب وضوحاً خلال الأشهر القادمة.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس