د. عادل دشيله - خاص ترك برس

أصبح واضحاً أن النظام الدولي الجديد قادم على تغييرات جوهرية وأن النظام العالمي الجديد سيتشكل من لاعبين دوليين جدد، وسيكون لتركيا يد في النظام الدولي الجديد. بدأت موازين القوى الدولية تتغير بطريقة دراماتيكية عجيبة! لم يكن الخبراء والمحللون يتوقعون أن تتسارع الأمور بهذه الطريقة خصوصا منذ وصول العنصري ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض الأمريكي وصعود تيار اليمين المتطرف في القارة الأوروبية العجوز. أصبح من الواضح أن الرئيس الأمريكي الحالي والذي ينتمي لليمين المتطرف في أمريكا مصمم على تنفيذ سياساته العنصرية في الداخل الأمريكي، ويتبع سياسة يمينية متشددة مع المهاجرين الأفارقة والعرب وبعض الجنسيات الأخرى من دول أمريكا اللاتينية، ويتعامل بخبث وعنصرية مقيتة مع المسلمين، ويصدر قرارات تمنع دخول أبناء سوريا واليمن والصومال وإيران وبعض الدول الأخرى من دخول الأراضي الأمريكية. كما أنه يحاول بناء جدار فصل عنصري بين بلاده وجيرانها. علاوة على ذلك، هناك العديد من القضايا الأمريكية الداخلية العالقة التي فشل ترامب في إيجاد حلول لها.

أما عن أوروبا، فقد بدأت سياسة الانطواء والانعزال تظهر على السطح في الاتحاد الأوروبي، فبريطانيا ستكون خارج الاتحاد قريبا. كما أن هناك مشاكل عديدة بين دول الاتحاد الأوروبي نفسها. ستجعل هذه المشاكل الداخلية الاتحاد يركز على قضاياه الداخلية، مما يعني أنه لا بد من ظهور لاعبين دوليين جدد للحفاظ على النظام الدولي.

كما أن أمريكا التي تمسك بالنظام الدولي وتتحكم بصنع القرار العالمي في طريقها للانطواء على نفسها ومعالجة قضاياها الداخلية مما يعني أنها لن تستطيع في السنين القادمة الإمساك بزمام المبادرة والتحكم في النظام الدولي. بطريقة أدق وأوضح، لن تستمر أمريكا في قيادة العالم، وذلك لعدة أسباب، نورد البعض منها في هذا المقال.

أولاً: فشلت أمريكا في تحقيق سلام عادل وشامل في منطقة الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل.

ثانياً: تورطت الإدارة الأمريكية في أكثر من ملف بطرق سلبية وغير أخلاقية كما حصل في الانقلاب العسكري ضد حكم الدكتور مرسي في مصر. كما أنها دعمت الانقلاب العسكري التركي الفاشل ضد حكومة حزب العدالة والتنمية التركي في يوليو/تموز 2016، مما جعل الأتراك غير راضين عن تصرفات الإدارة الأمريكية غير الموفقة نحو تركيا. كما أن تاريخ أمريكا مليء بالجرائم ضد الأبرياء سواء في العراق، وسوريا، واليمن، وأفغانستان، وليبيا والصومال. هناك تقارير دولية تتحدث بوضوح عن انتهاك أمريكا للقانون الدولي وسيادة الدول وتعذيب وسجن الأبرياء وقتل العُزّل بطائراتها المسيرة.

ثالثاً: فشلت أمريكا في حل النزاع في سوريا واليمن والعراق والسودان وبعض المناطق الأخرى التي توجد فيها صراعات مما يعني أنها أصبحت غير قادرة في الاستمرار كراعٍ دوليٍ أساسيٍ لحفظ الأمن والسلم الدوليين.

رابعاً: لم تنجح في حل الملف النووي الإيراني وتصرفات الإدارة الأمريكية المهزوزة نحو هذا الملف مما يشير إلى ضعف الإدارة الأمريكية في التعامل مع الملفات الدولية الحساسة.

خامساً: تورطت أمريكا في أكثر من ملف في الوطن العربي وبطرق سلبية مما جعل العرب يكرهون أمريكا ولو أُجري استفتاء شعبي لوجدنا أن الغالبية العظمى وبنسبة 99% لا يثقون في أمريكا مطلقا بل يعتبرونها العدو الحقيقي للعرب.

سادساً: تعيش أمريكا مرحلة حرجة مع شركائها في الاتحاد الأوروبي وهناك أزمة في المجال الضريبي بين أمريكا والأوروبيين. كما أن هناك أزمة بين الصين وأمريكا.

سابعاً: هناك أزمة قانونية في دوائر صنع القرار الأمريكي وشكوك حول شرعية ترامب والذي يُمكن أن نطلق عليه "مفكك أمريكا الحديثة ومخرب النظام الدولي الجديد."

بناءً على ما سبق ذكره، يتضح وبما لا يدع مجالا للشك أن أمريكا لم تعد قادرة أن تمسك بزمام المبادرة وأن بوادر تشكيل نظام دولي جديد قد بدأت والمسألة مسألة وقت.

يزحف العملاق الصيني بهدوء لقيادة العالم، والاتحاد الأوروبي غير راضٍ بالسياسة الأمريكية، وروسيا فرضت هيبتها في شرق أوروبا والبحر المتوسط، واليابان غير مرتاحة لسياسة ترامب وقادة القارة الأفريقية بدؤوا يتوافدون على أبواب القصر الرئاسي في أنقرة، مما يعني أن تركيا المسلمة فرضت نفسها في القارة السمراء من خلال مساعدة هذه الشعوب، والحال أيضا في بلاد الشام والخليج. لذلك، أصبحت تركيا جاهزة للعب دور مهم في النظام الدولي الجديد.

أصبح واضحاً وبما لا يدع مجالا للشك أن تركيا المسلمة أصبحت عنصر توازن في المنطقة ورقما صعبا ولا يمكن للسياسة الأمريكية العنصرية أن تمرر في المنطقة. ستقف تركيا ضد السياسة الأمريكية في المنطقة وستواجه المخططات الغربية الرامية لتفكيك المنطقة على أسس عرقية وطائفية وستنجح في ذلك بإذن الله.

كما أننا نعرف أن المنطقة العربية تمر بمرحلة حرجة وحساسة ولا يمكن أن نُنكر ذلك، فمجلس الخليج مفكك، والدول العربية الجمهورية غارقة في الحروب والانقلابات، والدول العربية الملكية غارقة في الفساد وتعيش مرحلة رعب وتخاف من المستقبل المجهول. لذلك، على العرب أن يسارعوا بحل مشاكلهم الداخلية وتحسين علاقاتهم بتركيا المسلمة فهي الصديق والشقيق الحقيقي وليس أبو إيفانكا ولا قاتل الأطفال بنيامين نتنياهو. ما لم يتم ذلك فالقادم سيكون مجهولا بالنسبة للأنظمة العربية.

إذا أراد العرب أن يتحرروا من الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية وكذلك من التدخلات الإيرانية السافرة في الشأن الداخلي للشعوب العربية، فما على الأنظمة العربية سِوى الإعلان الصريح والفوري عن حلف (عربي تركي) لحماية المنطقة من جشع إيران وأمريكا وإسرائيل وقد عبر الفيلسوف العربي الدكتور أبو يعرب المرزوقي بقوله: "الحل الوحيد لحفظ سيادة الأمة وكرامة الإسلام هو بإقامة الحلف الصريح بين العرب السنة والأتراك لأنهما عمودا الإسلام وداره."

كما لا ننسى أن تركيا المسلمة ليس لها طموحات في أرض العرب والتاريخ خير دليل على ذلك. كانت تركيا المسلمة تقف إلى جانب الشعوب العربية، وتناصر العرب، ولم تفرط في فلسطين، بل وقفت بكل ما أوتيت من قوة من أجل القدس وفلسطين وما موقف الخليفة عبد الحميد الثاني منا ببعيد.

لا زالت تركيا المسلمة تقف إلى جانب الشعوب العربية وأعمالها في الصومال والسودان وفلسطين خير دليل على ذلك. وقفت تركيا ضد تهويد القدس وأدانت بل ورفضت رفضاً قاطعاً تحويل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة. لن تتخلى تركيا عن فلسطين بل ستقف مع الشعب الفلسطيني حتى يسترد دولته وعاصمته القدس المحتلة.

تركيا حليف صادق ومخلص ووفي للعرب وتربطها بالعرب علاقات تاريخية واجتماعية وثقافية وجغرافية، وفوق هذا وذاك يجمع العرب بإخوانهم الأتراك الدين الإسلامي الذي هو الأساس.

لم تقف تركيا ضد الشعوب العربية ولم ترسل مليشيات للتخريب في الوطن العربي كما تفعل إيران. فتحت تركيا أبوابها لكل الهاربين من بطش الأنظمة المستبدة. تقف تركيا مع المظلومين وتنتصر للقضايا الإنسانية وللقيم النبيلة وكانت تركيا ولا زالت وستكون عامل بناء لا معول هدم كما تفعل إيران.

مستقبل تركيا واعد بخير خاصة في المجال الصناعي والاقتصادي والعلمي والتجاري والثقافي والصحي وباقي المجالات الأخرى وستنقل خبراتها للوطن العربي كما تفعل اليوم في قطر والصومال. باختصار، تركيا هي الحليف الذي يمكن الوثوق به. نأمل أن يتشكل الحلف العربي التركي اليوم قبل الغد من أجل وحدة ورفعة الإسلام والمسلمين.

عن الكاتب

عادل دشيله

كاتب وباحث يمني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس