ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

في نوفمبر 2016 وبقرار فرضي قرر رأس النظام المصري خفض سعر صرف الجنية المصري مقابل الدولار الأمريكي ليصبح الدولار يعادل 17.75 جنيه مصري بعد أن كان قبل أيام من القرار 7.84 للدولار الواحد، وهو ما أفقد العملة المصرية قيمتها بنسبة 45%،  ليزيد أزمة الاقتصاد المصري الذي - وبحسب التقارير الرسمية - يعاني من تضخم بنسبة 35% ، والتي يراها المتخصصون أقل بكثير من النسبة الحقيقية، والتي تقدر بما يزيد عن 40% على أقل تقدير، في حين كانت قبل قرار التعويم 13% فقط وهو ما يظهر أثر القرار بشكل قطعي.

الحديث عن الجنيه المصري وفقده لقيمته الشرائية استدعته المكلمة المفتوحة في الإعلام المصري بشأن ما تمر به الليرة التركية من أزمة لا دخل للاقتصاد فيها، على عكس أزمة الجنيه المستمرة منذ عامين والتي تزداد سوءاً على الرغم من بيانات النظام التي تحاول تزيف الحقيقة من خلال تجميل الوضع الاقتصادي لمصر، للحصول على الثقة الدولية في الاقتصاد المصري متكئين على قبول البنك الدولي للقرض الذي طلبه النظام وصولا لهذا الهدف، معتقدا أن الاستثمارات ستتدفق بمجرد قبول البنك القرض، وهو ما لم يحدث، لكن ما حدث أن مزيدا من شرائح المجتمع المصري دخلت تحت خط الفقر الذي حددته المنظمات الدولية بــ (34 جنيه يومياً للفرد) وترتفع الأسعار في بلد يستورد كل شيء بداية من السلع الرأسمالية انتهاء بالسلع الترفيهية.

الغريب في الأمر أن وسائل إعلام النظام في مصر التي تديرها المخابرات الحربية ظلت تدق على نغمة أن الليرة التركية تنهار وأن الحكومة التركية الفاشلة تذهب بالشعب التركي واقتصاده إلى الهاوية، في حين أن الفرق كبير بين ما حدث لليرة التركية وما حدث للجنيه المصري، فعلى مستوى إدارة السياسة النقدية للعملتين فلا شك أن الليرة عانت بشكل ما من رغبة القيادة التركية في تخفيض سعر الفائدة مستهدفة الاستثمارات طويلة الأجل للخروج من تحت رحمة الأموال الساخنة والاستثمارات قصيرة الأجل، وهو ما يعني أن القيادة التركية راغبة في التأسيس لاقتصاد قوي وتوطين الأموال الهاربة من الغرب وأمريكا بعد الأزمة الاقتصاد العالمي في 2008، على عكس الجنيه المصري الذي سعى من خلال خنق عملته إلى جلب استثمارات سريعة وساخنة الهدف منها الاستعراض الإعلامي وحشو البيانات بأرقام تبعد كثيرا عن حقيقة اقتصاد منهار يرغب في استعادة مقوماته.

قرار خفض سعر الجنيه جاء بإرادة النظام ضاربا بنتائجه عرض الحائط، على عكس الليرة التي لم تسعى لذلك ولكن دفعت إليه دفعا في معركة سياسية أكثر منها اقتصادية، تتجلى فيها السيادة والاستقلال وهروب من وصاية المتجبر الأمريكي الذي يريد أن يفرض طبيعة علاقته بالعالم المحيط تحت عنوان التبعية لا الندية والشراكة والتكامل، وهو ما لم تقبله القيادة التركية بعد، وتريد في المقابل أن تطبق قواعد عادلة للعلاقة تحكمها الشراكة لا الوصاية، وهو ما لا يعرف سبيله النظام المصري، الذي قال رأسه في لقائه بترامب ستجدني (عونا لك في كل ما تخطط وتهدف).

انخفاض سعر الجنيه المصري وعلى الرغم من محاولات الكفيل الخليجي إنعاشه بضخ المزيد من الدعم والقروض والهبات وشراء الأصول السيادية، وهو ما يفقد النظام سيادته ومصداقيته، لم يفلح في إخراج الجنيه من أزمته حتى الآن، حتى محاولات النظام التسويق الشعبي وحث الناس على التبرع والادخار وتحول العملات الأجنبية لم يفلح في دفع الشعب إلى المشاركة في إنعاش الجنيه وفك أزمته، على عكس الليرة التركية التي وجدت زخما شعبيا وتضامنا منقطع النظير سواء في الداخل التركي العفوي  بتسابق الأتراك إلى البنوك ومكاتب الصرافة لتحويل مدخراتهم الدولارية إلى الليرة التركية أو في الخارج حيث تسابقت الشعوب المسلمة لفعل هذا الشيء، حتى أن أحد الزملاء في دولة عربية، وهو مسئول اقتصادي، قال لي إن الليرة التركية نفذت من البنوك في دولته، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فالرغبة الشعبية في مساندة الليرة التركية تجلت في إقبال الشعوب الإسلامية على شراء المنتج التركي دعما لاقتصادها، لكن الإدارة التركية لم تقف عند حد الدعم الشعبي، فالقرارات الاقتصادية الداخلية وكذا التعاون الإقليمي والدولي الذي تحركت على أصعدته الإدارة التركية قد أنقذ الليرة من حافة الهاوية، وهو ما دفع ترامب إلى مزيد من القرارات للزج بها إلى تلك الحافة مرة أخرى.

لكن الحقيقة التي يعيشها العالم، والتي بدأت تتجلى من خلال سياسات ترامب ويشعر بها العالم حتى حلفاؤه في الغرب هي أن ترامب يدمر العالم بسياساته.

كتبت أيام الانتخابات الأمريكية: الأمريكيون يختارون بين فيل يجثم على صدر العالم أو حمار يسير شؤونه.

والآن ها هو الفيل قد دخل معرض خزف العالم.

‏الاختلاف بين القيادتين هو أن القيادة المصرية هي من خفض قيمة الجنيه، ولا جدوى من دعمه إذ هو أمر منته. أما القيادة التركية فهي تكافح اليوم لترفع من قيمة الليرة، والأمر قابل للدعم الخارجي، وهذا اختلاف شاسع بين القيادتين، على الرغم من "ضعف" كليهما في إدارة السياسة المالية.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس