ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

بعد أن اندلعت الثورة السورية في درعا وانضمت إليها كافة المحافظات محمية بجيش حر انحاز للثوار بعد القمع الذي مارسه النظام تجاهه حقق جيش الثوار طفرات كبيرة في طرد النظام من مدن وبلدات وقرى سوريا مستفيدا من الدعم الشعبي الحاضن لتلك القوات وكاد الأسد أن يُهزم، لاسيما أنه قد اعترف بنفسه بأن أعداد المقاتلين في صفوف ميليشياته يتقلص سواء بالقتل أو بالهروب أو بالانضمام لصفوف الثورة، وهو ما دفع حليفه الإيراني إلى التدخل بمليشيات حزب الله اللبنانية في البداية والتي لم تحقق المطلوب، مما جعلها تتدخل بمزيد من شذاذ الأرض مكونة مليشيات من العراق واليمن وأفغانستان وباكستان ودول أسيا الوسطى وحتى نيجيريا، ولما لم يفلحوا اضطرت طهران للدخول بنفسها من خلال نخبة رجالها والمسمى بالحرس الثوري التابع للمرشد مباشرة، إلا أن هؤلاء لم يصمدوا أمام عزيمة الثوار، وهو ما جعل روسيا تدخل على الخط مستغلة الموقف لتحقيق حلمها القديم للوصول للمياه الدافئة وتشهد منافع أخرى في سوريا، لكن السؤال الذي طرح نفسه خلال كل تلك السنوات الممتدة إلى سبع والمشرفة على إتمامها: لماذا ترك العالم الثورة السورية وحيدة مع تدخل كل تلك الدول والمليشيات المصنفة مارقة بحسب التعريف الغربي؟

الإجابة:

1- رغبة الغرب في استنفاد قوى القوات المتناحرة حتى تكون سوريا محرقة للجميع لاسيما الإسلاميين الجهاديين.

2- الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، مخافة أن يقع السلاح الكيماوي في يد الثوار المعادين بالطبيعة للكيان المزروع. وهناك مآرب أخرى للغرب في ذلك، لا يتسع الحديث للغوص في تفاصيلها.

ولما كانت السعودية جزء من هذه الخطة الغربية بتجميد الأزمة وعدم ترجيح كفة الثورة على الرغم من خلافها مع النظام السوري، فإن ولي عهدها اليوم يشرب من نفس الكأس.

في مقال سابق بعنوان (تركيا اختارت الحل الاستراتيجي على التكتيكي في أزمة خاسقجي) قلنا إن تركيا قررت خوض معركة طويلة الأمد للتخلص من أزمة يسببها لها ولي العهد السعودي منذ قرر أن يصطف إلى جانب أمير أبوظبي في معركته التفكيكية للمنطقة، مرجحًا المكايدة على التعاون والتكامل.

وقد دار خلال الأيام الماضية تساؤل حول جدية تركيا في الكشف عن الفاعل الحقيقي أو خوض معركة جادة ضد من تحصل اليقين على خوضه في دم خاشقجي، لكن الواقع كما نرى أن الأمر متعلق بنظام دولي خاض في الأمر وأصبح له حساباته في الأزمة وخطط لها، فالغرب وأمريكا تحديدا، عهدنا من إداراتها في السنوات الأخيرة عدم الرؤية الكاملة للأحداث، ولكنها ومع حرفيتها العالية وخبراتها المتراكمة تستطيع أن تستفيد من المواقف والأحداث.

وقد يكون من السيناريوهات المطروحة في أزمة خاشقجي، هو ذلك السيناريو الذي نفذ في الأزمة السورية، وهو إطالة أمد الأزمة وتقوية طرف على طرف ثم إعادة التموضع لاتزان الكفة، وقد تكون التصريحات الأمريكية، التي تأتي غالبا بعد التحرك التركي، دليلا على ذلك، فمراوحة الموقف الأمريكي بين مساندة ابن سلمان والضغط عليه يظهر نيات غربية لتنفيذ السيناريو السوري، وقد يكون ظهور الأمير أحمد بن عبد العزيز في المشهد بقوة بعد اختياره منفاه في بريطانيا بعد سيطرة ابن سلمان على المشهد واستبعاد أعمامه، قد يكون جزءا من هذا السيناريو، مع عدم الجزم أنه البديل كما يحاول أن يروج البعض، وإن كانت قطر هي المستفيدة من عودة الرجل، إلا أنني لا أرجح أن أمريكا إعادته لغرض استقرار المنطقة ولا فرض السلم والأمن الإقليمي في بقعة مهمة للدول الصناعية لما تمثله من خزان للطاقة لتلك البلدان.

وإن كانت عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز للملكة تأتي على خلفية رغبة بريطانية لأن يكون الرجل خلفا للملك سلمان، فإن ذلك لن يكون في الحقيقة إلا بعد معركة طاحنة لأن محمد بن سلمان لن يقبل التنحي السلمي مهما كانت الضغوط، لاسيما وأن الكيان الصهيوني داعم للأمير الصغير بشكل كبير جدا بعد مواقفه الأخيرة من صفقة القرن ودعم سياسة التطبيع على مختلف الأصعدة، بين بلاده والكيان الصهيوني من جهة أو بين الكيان وباقي الدول العربية من جهة أخرى. 

ويزيد من حظوظ ابن سلمان في إطالة أمد بقائه هو الانتخابات الأمريكية التي يخوضها الحزب الجمهوري الذي يعول كثيرا على دعم ترامب من خلال المزيد من المدخول الاقتصادي حتى ولو من خلال تلك الطرق التي يستخدمها مع المملكة للابتزاز، والفرصة في ذلك مواتية.
وقد يكون من أحد أسباب إطالة أمد بقاء ابن سلمان هو مناكفة تركيا وإدخالها في معركة طويلة وإن كانت سياسية في هذه الأزمة، فرغبة تركيا في إزاحة نفوذ الإمارات في السعودية وعودة علاقاتها إلى ما سابق عهدها من أجل استفادة أكبر في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها منذ العقوبات الأمريكية عليها، قد تمثل دافعا للغرب ولاسيما أمريكا للإبقاء على ابن سلمان للضغط على تركيا.

في النهاية وفيما يبدو فإن أزمة خاشقجي بدأت تأخذ نفس الطريق الذي رسمه الغرب للأزمة السورية والتي لم تحل منذ سبع سنوات ويزيد، وهنا فلا أقصد أن أزمة خاشقجي ستطول نفس المدة لكنها لا أظن أن تحل في القريب العاجل كما يظن البعض.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس