باسل الحاج جاسم وبدر سليم - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

استقال المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد داعش، بريت ماكغورك، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، احتجاجا على قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سحب القوات الأمريكية من سوريا. خطط ماكغورك لمغادرة منصبه في شباط/ فبراير 2019، ولكن قرار ترامب عجل استقالته. وفي رسالة وداع نشرها على حسابه على موقع تويتر في 31 ديسمبر، قال ماكغورك إن زملاءه يعملون تحت "ظروف بالغة الصعوبة لحماية مصالح بلاده".

وتعليقًا على استقالة ماكغورك، قال الرئيس دونالد ترامب في تغريدة نارية إنه "لا يعرف بريت ماكغورك، وأن من عينه الرئيس أوباما في عام 2015"، واصفا استقالته بأنها "ضرب من التصنع"، واتّهم الإعلام بأنه "يضخم هذه المسألة التي لا قيمة لها".

اضطلع ماكغورك بدور حيوي في صياغة السياسات الأمريكية في شمال سوريا، وخاصة دعمه لوحدات حماية الشعب، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وقد قدمت بعض المنظمات غير الحكومية التماسًا إلى محكمة في إزمير في ديسمبر 2017، طلبت فيه إلقاء القبض على بريت مكغورك بتهمة التصرف نيابة عن منظمة إرهابية وتزويدها بالأسلحة.

تصريحات طلال سيلو

غادر طلال سيلو، وهو قائد رفيع المستوى والناطق السابق باسم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وهي مجموعة تهيمن عليها وحدات حماية الشعب، إلى تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. وقدم سيلو في حديث مع وكالة الأناضول تفاصيل حول كيفية تقديم الولايات المتحدة السلاح لحزب العمال الكردستاني وامتداده السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب. وذكر أيضًا أن شاهين سيلو، وهو قائد سابق في الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، طلب منه "صياغة بيان يزعم ​​فيه أنه لم يكن هناك ارتباط بين حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، وأن الأمريكيين أرادوا إعطاء الانطباع بأن المجموعتين غير مرتبطتين".

وردا عن سؤال حول تأثير بريت ماكغورك، أكد سيلو أنه "كان فعالا جدا منذ البداية". وأضاف أن "تحرير منبج نوقش مع ماكغورك في "قاعدة جلبية" وأنه هو من اقترح ذلك".

وأكد سيلو أن ماكغورك اقترح أيضًا إنشاء مجلس عسكري للمدينة، غالبيته من العرب لإقناع الجانب التركي. وبهذا الشكل يتم خلق انطباع لدى الأتراك بأن أبناء منبج هم من حرروا المدينة. وشدد سيلو أيضا على أنه كان يتم إظهار أن هناك "وحدة تركمان منبج" ضمن المجلس العسكري لمنبج، بينما في الواقع لم يكن يضم أحدا من هؤلاء.

وقال سيلو: "حتى أنا اختلقت أسماء المجموعة التي تبدو مرتبطة بي، بطلب من ماكغورك."

وفي مقابلة أخرى مع وكالة رويترز، ذكر سيلو روايته لسقوط مدينة الرقة السورية التي كانت تحت سيطرة داعش. وذكر أن آلاف المسلحين غادروا المدينة بعد التوصل إلى اتفاقية سرية وافقت عليها الولايات المتحدة. وأوضح سيلو أنه "تم التوصل لاتفاق على أن يرحل الإرهابيون قرابة 4000 شخص هم وأسرهم". مضيفا أنهم "كانوا جميعا من المقاتلين باستثناء 500 فرد انتقلوا إلى دير الزور، حيث يسيطر النظام السوري."

ما من شك في أن السياسات التي وضعها ماكغورك أغضبت تركيا إلى حد أن وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، دعا في أيار/ مايو 2017 إلى تغيير المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد داعش، بسبب تقديمه الدعم للجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني.

وذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها في عام 2015 أن "بعثة لتقصي الحقائق في شمال سوريا كشفت عن موجة من التهجير القسري وهدم المنازل تصل إلى درجة جرائم حرب نفذتها الإدارة المستقلة التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على المنطقة."

وزار باحثو منظمة العفو الدولية "14 مدينة وقرية في محافظتي الحسكة والرقة في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس 2015، للتحقيق في التهجير القسري للسكان وهدم المنازل في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة المستقلة". وأوضحت صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها المنظمة "حجم عمليات الهدم في قرية الحسينية، في ريف تل حميس"... وتُظهر صور ملتقطة في حزيران/ يونيو 2014 لإحدى المناطق وبها 225 منزلاً، دماراً لحق بـ94% من المنازل، بعد مقارنتها بصور التقطت في يونيو 2015.

نسب السكان

تغفل المنظمات الدولية ووسائل الإعلام نسبة السكان العرب إلى الأكراد الذين يعيشون في سوريا، وخاصة في شرق الفرات، ذلك أن غالبية السكان في معظم المناطق الواقعة شرق الفرات، وبالتحديد من تل أبيض وسلوك نحو رأس العين، هم من العرب. أما المناطق الواقعة شرق تل تامر والتي تمتد إلى جبل عبد العزيز جنوب غربي محافظة الحسكة، والقرى الواقعة جنوب محافظة القامشلي، فهي كلها مأهولة بالعرب أيضًا.

يمثل الأكراد أقلية في محافظة الحسكة. وتظهر التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية أن النزوح القسري للسكان وهدم المنازل يحدث في مناطق جغرافية لا يوجد فيها أكراد. وخلصت دراسة أجراها معهد العالم ونشرت في يوليو 2016 إلى أن الأكراد في سوريا لا يمثلون سوى نحو 5.31 في المئة من السكان. وتؤكد هذه النتيجة النسبة التي ذكرها مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، عقب اجتماع مجلس الأمن الدولي في 29 يونيو 2016. فعندما سئل دي مستورا عن دور الأكراد في محادثات جنيف للسلام، أجاب أنهم "يمثلون ما لا يقل عن 5 في المئة من السكان السوريين"، وأن "لديهم صوتاً ينبغي الاستماع إليه". وقد أثارت إشارة دي ميستورا إلى النسبة المئوية للسكان الأكراد في سوريا ضده وسائل التواصل الاجتماعي وحرضت السياسيين الأكراد عليه في ذلك الوقت.

وفي الوقت الذي كان فيه المعارضة والنظام السوري يركزان على تقدم محادثات السلام في جنيف، أعلن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في عام 2018 عزمه إنشاء قوات حدودية جديدة قوامها 30 ألف فرد على طول الحدود التركية السورية مع حلفائه من الميليشيات السورية، وعلى الحدود السورية العراقية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. وقد أثارت هذه الخطوة غضب تركيا التي اعتبرت أن تشكيل هذه القوات يهدف إلى "إضفاء الشرعية على منظمة إرهابية".

شركاء واشنطن في سوريا

لطالما اعتبرت واشنطن الأكراد ورقة رابحة وقوة يمكن أن تعتمد عليها من أجل احتلال المنطقة العربية ومنع إيران من الوصول إلى الأراضي السورية عبر العراق. من الناحية العملية، فإن إيران ومليشياتها تغطي بالفعل الأراضي السورية من درعا إلى حلب إلى دير الزور، ولم تهاجمها الولايات المتحدة قط. وكانت إسرائيل فقط هي التي ضربت بعض الأهداف الإيرانية في سوريا، وآخرها الهجمة التي وقعت في 25 أيلول/ ديسمبر 2018.

تقدم بعض وسائل الإعلام الأكراد بوصفهم ثاني أكبر مجموعة عرقية تعيش في سوريا، وتقارن وضعهم بوضع الأكراد في شمالي العراق. على أن هناك اختلافات كبيرة بين الحالتين، إذ لا يشكل الأكراد في سوريا أكثر من 5٪ من السكان، كما ذكرنا آنفا، ولا توجد روابط ديموغرافية أو جغرافية بين أماكن وجودهم الرئيسية: القامشلي، وعين العرب، وكوباني، وعفرين، ناهيك عن أنهم لا يشكلون أغلبية حتى في تلك المناطق.

ويبقى السؤال الرئيسي الذي يجب طرحه في هذه المرحلة حول العلاقة بين الولايات المتحدة والأكراد، أو بالأحرى علاقة الولايات المتحدة، لا مع المدنيين من الأكراد ولكن مع مجموعة من الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي: هل تغلق إدارة ترامب صفحة التشريد القسري للعرب شرق الفرات بعد استقالة بريت ماكغورك؟ وهل ستضع حداً لدعمها للانفصاليين الذين رعاهم الرئيس السابق باراك أوباما واتخذهم حلفاء، وهم من ثم يهددون وحدة أراضي سوريا والدول المجاورة لها؟ إن غدا لناظره لقريب.