ترك برس - الأناضول 

كتب قديمة، صحف تحمل تواريخ القرن الماضي أو ما قبله، أدوات موسيقية كلاسيكية، أسقف من الأعمدة الخشبية، أرضية من الحجر الطبيعي، كراسي وطاولات خشبية عتيقة، كل هذا يجتمع في المقاهي الكلاسيكية بإسطنبول

ثقافة المقاهي في إسطنبول، تختلف عن نظيراتها في الشرق، فهي ليست وليدة اللحظة، بل يمتد عمرها إلى أكثر من 500 عام، منذ أن وطأت أقدام العثمانيين مدينة القسطنطينية. 

وفي بداية تأسيس الدولة العثمانية، ازدادت أعداد المقاهي، وباتت تشكل بؤرةً لتكوين الحياة والنسيج الاجتماعي لدى الشعب التركي، وأصبحت كساحة عامة، يلتقي فيها المثقفون والسياسيون والفنانون والرسامون والشعراء وغيرهم، بهدف تبادل الآراء والمعلومات، وقضاء وقت ممتع. 

وتذكر المصادر التاريخية، أن الدولة العثمانية ضمّت ما يقارب من 600 مقهى، أبرزها في إسطنبول بعهد السلطان سليم الثاني والسلطان مراد الثالث، لكن السلطان مراد الرابع أمر في فترة حكمه بتحديد وإغلاق كل المقاهي في إسطنبول بسبب ظهور أفكار وولادة حركات مناهضة للحكم فيها. 

وفي السنوات الأخيرة، بات من الملاحظ الإقبال الكبير على المقاهي الكلاسيكية في إسطنبول، لتميزها بالجمع بين القديم والحديث، والتاريخ الذي يمتد إلى أكثر من 5 قرون، بالإضافة إلى احتوائها على ثقافات وفنون العديد من الحضارات المختلفة. 

أن تجلس على مقهى، عمر كرسيه 80 عامًا، وتتكئُ بظهرك على سور القسطنطينية الذي يبلغ عمره أكثر من 1700 سنة، وعلى يمينك تلفاز مر على صناعته 60 سنة، وجدران مزخرفةٌ ومنقوشة بالرسومات العثمانية التقليدية بصورة احترافية، فلا شك أنك تدخل في كل نظرة لك داخل المقهى إلى عصر من الأزمان. 

وما أن تدخل بعض المناطق في إسطنبول، كمنطقة "بلاط"، الشهيرة بالمقاهي والمطاعم الكلاسيكية، حتى تشعر أنك في القرون الوسطى، نظراً لخلو المحال والمقاهي من أي مظهر يوحي بالحداثة والتطور، بل حتى العربات يحظر سيرها في بعض المناطق. 

وتقع منطقة بلاط، التي تحوي على مقاهٍ تشبه أجواء المتاحف، على الساحل المقابل لمنطقة تقسيم، في منطقة الفاتح، وهي محاذية لسور القسطنطينة، حيث تعتبر المنطقة من أكثر الأماكن تاريخيةً في إسطنبول. 

وحول الأدوات، التي تقدم بها المشروبات والمأكولات، فهي تخلو أيضاً من مظهر الحداثة، فتجد أكواب الشاي على الشكل العثماني التقليدي، مزخرفةً بالرسوم العثمانية، وتقدم القهوة مع قطعة من الحلوى وكوب صغير من الماء على غرار التقاليد العثمانية، بخلاف المقاهي التي تقدم القهوة لوحدها. 

كما تقدم المأكولات من خلال أطباق خشبية، وفي معظم المطاعم والمقاهي تكون الملعقة والشوكة فيها قد تمت صناعتها من الخشب. 

وفي فصل الشتاء، يتم تشغيل المواقد النارية الطبيعية "مواقد الحطب" داخل المقاهى، حيث تخلو من التدفئة المركزية، من خلال الحطب الطبيعي الذي يتم تزويده للموقدة "المدفئة" من وقت لآخر، ليعيش الزائر أجواء الدفء الطبيعية. 

أما عن المباني في منطقة بلاط، فغالبيتها يزيد عمرها عن 70 عاماً، ويصل عمر بعض الأبنية فيها إلى أكثر من 300 سنة، ويحيط المقهى أربعة جدران مغطاة بالأحجار الطبيعية. 

ولا يخلو حائط دون وجود فجوة فيه، تحتوي على العديد من الكتب والروايات والفوانيس (الشعلة التي تضيئ في مناطق العتمة كانت تستخدم قبل الكهرباء) ونحوها. 

وللأبواب حكاية أخرى في منطقة بلاط، فغالبيتها تصنع من الأخشاب الطبيعية، ويتم غلقها بالسلاسل الحديدية الكلاسيكية، كالجنازير ونحوها. 

زيارة منطقة بلاط، لا تقتصر على الأتراك فقط، بل يأتيها السياح من جميع أنحاء العالم لالتقاط الصور التذكارية، لاسيما هواة التصوير. 

ويشكل رواد تلك المقاهي مزيجاً كبيراً من الأعراق والجنسيات المختلفة، فيشكل الأتراك النسبة الأكبر منهم، يليهم الأوروبيين والعرب، نظراً لوقوع المكان في قلب الأماكن التاريخية، وبجانب العديد من الجامعات والمؤسسات التعليمية، كجامعة "قدير هاص" الدولية. 

كما تشتهر المنطقة بتصوير الأفلام والمسلسلات التاريخية التركية، نظراً لما تزخر به من معالم ومظاهر تاريخية وأثرية، بالإضافة إلى جمال المكان. 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!