بورا بايراقتار - حرييت ديلي نيوز - ترجمة وتحرير ترك برس

تحظى معركة جناق قلعة بمكانة خاصة في قلوب الشعب التركي الذي قاتل للدفاع عن وطنه. في الأيام الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، تمكن الشباب التركي بعزيمته من صد القوى العظمى في ذلك الوقت، الجيوش البريطانية والفرنسية.

تمرست الأمة التركية على حرب التحرير الوطنية في جناق قلعة، ووجدت قائدها الذي سينقل الأمة إلى الحرية في السنوات التالية.

أصبحت أستراليا ونيوزلندا أمما مستقلة اكتسبت هوياتها الوطنية في الحرب. وفي كل عام، يأتي الآلاف من الأستراليين والنيوزيلنديين لحضور احتفال خليج أنزاك في 25 نيسان/ أبريل، لإحياء ذكرى هزيمتهم في جناق قلعة.

بعد تخرجي من مدرسة "غاليبولي" (جناق قلعة) الثانوية، حضرت الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لبدء الحرب البرية في عام 1990. وما زلت أتذكر المشاعر التي اكتنفتني خلال الاحتفال. حضرت رئيسة الحكومة البريطانية مارغريت تاتشر والرئيس التركي تورغوت أوزال وكثيرمن القادة هذا الحفل الكبير. لكن الصورة الأقوى التي بقيت عالقة في ذهني كانت عناق قدامى المحاربين الأتراك والأستراليين على هامش الاحتفالات الرسمية. كانوا قد جاوزا التسعينيات من عمرهم، وتبادلوا الحديث عن ذكرياتهم في الحرب، كجنود أطلقوا النار على بعضهم بعضا قبل 75 عامًا. كانوا يبدون مثل أخوين التأم شملهما بعد عقود. ربما كانت هذه آخر مرة يلتقي فيها المحاربون القدامى في مثل هذا الحفل الكبير. رأيت وشعرت بروح جناق قلعة هناك ولم أنسها قط.

ربما  توفي جميع المحاربين الذين شاركوا في معركة جناق قلعة، لكن روح صداقتهم، رغم المعركة الشرسة، ما تزال قائمة.

عادت إلى الواجهة في الآونة الأخيرة الكلمات التي قالها مصطفى كمال أتاتورك في عام 1934، الذي كان قائدًا في الجيش العثماني أثناء حرب جناق قلعة. هذه الكلمات حفرت على لوحة حجرية تم تجديدها أخيرا في الحديقة الوطنية في المنطقة كانت ذات يوم ساحة معركة: "هؤلاء الأبطال الذين سُفكت دماءهم وفقدوا أرواحهم... أنتم ترقدون الآن في أرض بلد صديق، لذلك ارقدوا في سلام. لا فرق بين محمد وجوني ما داموا دُفنوا جميعًا في بلدنا هذا. أيتها الأمهات اللائي أرسلن أبناءهن من البلدان البعيدة، امسحن دموعكن، فأبناؤكن يرقدون الآن في أرضنا بسلام، وأصبحوا أبناءنا أيضا".

كان أتاتورك قد أظهر نضجًا استثنائيًا ومد يد الصداقة إلى أعدائه السابقين.

بعد ذلك، تبنى مواطنو ولاية جناق قلعة، حيث تقع "غاليبولي"، والحكومات المتعاقبة في تركيا كلمات أتاتورك، وعقد الاحتفال السنوي في جو من الصداقة.

وهذه هي روح جناق قلعة. إن المذبحة التي ارتكبها قاتل عنصري بدم بارد في نيوزيلندا لا يمكن ولا ينبغي أن تحجب هذه الروح.

قتل الإرهابي الأسبوع الماضي 50 شخصًا في مسجدين. ولم يبد أسفه على الجريمة التي ارتكبها.. كانت التواريخ والعبارات التي كتبها على بندقيته والبيان الذي نشره بمثابة بيانات العار والعداء للمسلمين، واستهدفت على نحو خاص الأتراك وتركيا.

أثارت فظاعة جريمة القتل غضب تركيا، وإن كان هذا الغضب ما يزال تحت السيطرة. وساعد موقف رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، على احتواء هذا الغضب، وكانت مراسم تأبين ضحايا الهجوم العنصري الإرهابي تحيا بروح جناق قلعة.

على الرغم من أن حديث الرئيس رجب طيب أردوغان الذي استهدفه الإرهابي بشكل واضح، كان رد فعل على القاتل، فإنه تسبب في مشكلة بين تركيا ونيوزيلندا. وأوضح رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة، فخر الدين ألتون، أن حديث الرئيس كان تماشيًا مع روح جناق قلعة: "كان الرئيس يرد على ما يسمى بـ’مانيفيستو‘ الإرهابي الذي قتل 50 مسلما بريئا في كرايست تشيرش بنيوزيلندا. لطالما رحب الأتراك وضيفوا زائري أنزاك".

لم يكن الإرهابي في جريمة كرايس تشيرش يريد قتل مسلمي المدينة فحسب، بل قتل روح جناق قلعة أيضا. وأعتقد أن أفضل رد على تصاعد الإرهاب العنصري والراديكالي في العالم هو تقوية روح جناق قلعة والحفاظ عليها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس