ترك برس

إصرار تركيا على شراء منظومة الصواريخ الروسية إس 400، ورفضها أي حل وسط ببيع الصواريخ إلى طرف ثالث، رغم معرفة أنقرة بالمخاطر التي قد تترتب على هذه الصفقة التي تشمل عقوبات أمريكية واستبعاد من برنامج إنتاج المقاتلة الشبح إف 35، يرجع إلى أسباب أيديولوجية وليس مجرد تكتيك، كما يرى الباحث البريطاني سيمون والدمان وهو زميل أبحاث زائر في كينج كوليج بلندن.

ويقول وايلدمان في مقاله بصحيفة ذا ناشونال إن منظومة إس 400 الروسية فعالة ضد الطائرات غير الشبح، وربما مقاتلات الجيل الخامس. كما أنها أقل تكلفة من بطاريات باتريوت الأمريكية التي عرضتها واشنطن على تركيا. ومع ذلك، فهي لا تشكل نظامًا دفاعيًا كاملًا وتكون أكثر فعالية إلا عندما تكون جزءًا من هيكل متكامل متعدد الطبقات يتضمن أجهزة روسية أخرى، مثل صواريخ SA-17 متوسطة المدى.

ويضيف أن منظومة إس 400 لا تتوافق مع أنظمة الناتو، كما أنها قد تكشف أسرار  تكنولوجيا المقاتلة إف 35، وهذا يعني أنه من أجل تجنب الصدام مع حلف الناتو، يتعين على أنقرة نشر S-400 بعيدًا عن القواعد التي تستخدمها دول الناتو، على بعد مئات الأميال من المكان الذي ستكون فيه أكثر فعالية. وعندئذ فإن الصواريخ الروسية لن تخدم احتياجات تركيا الاستراتيجية.

ويتساءل والدمان، فلماذا تصر أنقرة على أن الصواريخ الروسية هي صفقة منتهية؟ ولماذا تتجاهل العلاقات مع الولايات المتحدة؟

ويجيب بأنه صحيح أن أنقرة أغضبها دعم واشنطن لتنظيم "ي ب ك" التابع لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) الذي يدرجه كلا البلدين كمنظمة إرهابية. ونعم، وصحيح أيضا أن أنقرة غاضبة من أن الولايات المتحدة تمنح فتح الله غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب العسكري الساقط في تموز/ يوليو 2016 ملاذًا آمنًا، ولكن هذه هي الأعراض وليست أسباب المشكلة.

ويوضح أن "هناك ثلاثة أسباب أساسية وراء تراجع العلاقات الأمريكية التركية: أولاً، حقيقة أن التهديدات الرئيسية لأمن تركيا تأتي من الداخل وتعتبر أكثر أهمية من الأعداء الخارجيين، وثانيًا تصور تركيا الذاتي كقوة دولية كبيرة، وثالثا استخدام الرئيس رجب طيب أردوغان للإسلام لإضفاء الشرعية على طموحات تركيا الإقليمية."

وبين أن "بي كي كي" وحركة غولن هما ما تعتبره الحكومة التركية أكبر تهديدين وجوديين لها وأنهما جزء من مؤامرة دولية على تركيا.

ويشن "بي كي كي" صراعًا انفصاليًا مسلحًا منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهو صراع أودى بحياة عشرات الآلاف من الناس. وعلى الرغم من بعض المحاولات لإيجاد حل سياسي، فمن غير المرجح أن يحدث هذا في أي وقت قريب. وفي الوقت نفسه، تظل حركة غولن العدو الأول للحكومة التركية. منذ محاولة الانقلاب.

وأضاف وايلدمان أن تركيا تعتبر القوى الدولية صديقة أو عدوة استنادا إلى المدى الذي تدعم به قتالها ضد "بي كي كي" وحركة غولن. كانت روسيا سريعة لدعم أنقرة ضد حركة غولن في عام 2016، وتراعي المخاوف التركية بشأن "ي ب ك" في سوريا. وفي المقابل أخفق حلفاء تركيا التقليديون في الغرب في إقناع أنقرة بالقدر نفسه بأنهم يدعمونها في الحرب على إرهاب التنظيمات المرتبطة بـ"بي كي كي".

وفيما يتعلق بالسبب الثاني يذكر وايلدمان أن المراقبين يضعون تركيا في منطقة نفوذ محددة: التحالف الغربي، والمدار الروسي أو المحور الإيراني. لكن من وجهة نظر أنقرة تعد تركيا قوة عظمى إقليمية بحد ذاتها في الشؤون الدولية.

ويشير إلى أن الرئيس التركي دعا مرارا إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي من أجل أن يعكس أن "العالم أكبر من خمسة"، مما يعني بلا شك أنه يرغب في أن يكون لتركيا مقعد دائم على الطاولة.

وأخيرا يزعم الباحث البريطاني أن الرئيس التركي يرى نفسه زعيما للعالم الإسلامي. ولا يتضح ذلك من حقيقة أنه وقف ضد اعتراف الولايات المتحدة بالجولان السوري المحتل كأرض إسرائيلية والقدس كعاصمة لإسرائيل، ولكن في الطريقة التي اختارها لذلك. ففي حالة القدس، انتقدت تركيا القرار وعقدت قمة طارئة خاصة لمنظمة التعاون الإسلامي.

وخلص إلى أنه نظرا لهذه الأسباب فلا يمكن لأردوغان التراجع عن الصفقة لأن ذلك سيكون انتكاسة لطموحات تركيا بأن تكون قوة إقليمية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!