ترك برس

عندما أطلقت قوات النظام السوري هجوما بريا مفاجئا على مناطق في الشمال السوري في مطلع الشهر الحالي، تحدثت كثير من وسائل الإعلام عن دعم روسي لهجمات النظام دون اعتبار لتركيا، ولكن المحلل السياسي الروسي، أندريه كوريبكو، يرى أن روسيا لديها الكثير لتخسره إذا خانت تركيا في سوريا، ومن ثم فمن غير المرجح أن تفعل ذلك على الإطلاق.

وكتب كوريبكو أن وسائل الإعلام مهووسة بفكرة أن تحرير إدلب "وشيك" وتنتشر هذه الرواية دائمًا عندما تشن قوات النظام عمليات توغل ضد الإرهاب في "منطقة وقف التصعيد"، ولكن حقيقة الأمر أن هذا لن يحدث أبدًا، أو على الأقل ليس بالطريقة التي يتوقعها الكثيرون.

وأضاف أن بعض وسائل الإعلام تعمل على الأوهام السياسية لجمهورها، وفي بعض الحالات تلعب على وتر فوبيا تركيا (Turkosphobia) من أجل الحصول على مزيد من الاهتمام، وتحقيق عائد إضافي من الإعلانات، وفي بعض الأحيان تعزيز الروح المعنوية لقرائها.

وأشار كوريبكو إلى أن موقع المصدر نيوز (AMN) من بين المواقع التي تروج لفكرة استرداد إدلب والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال السوري منذ العام الماضي. ولكنه ربما أدرك خطأ هذه الاستراتيجية في الآونة الأخيرة.

وأوضح أن موقع المصدر نيوز على الرغم من أنه أحد المصادر الرئيسية لتلك الشائعات التي تسببت في الدراما المذكورة، عاد ونشر قبل أربعة أيام تقريرا بعنوان "هجوم الجيش السوري لن يفعل سوى القليل في إدلب، والشائعات تضخيم للدراما".

وأردف أن هذا التقرير يوحي بأن أحد مصادر الموقع العسكرية التي كان ينقل عنها والراعي المحتمل له، قد أمرهم بعكس مسارهم بعد إدراكه لمدى المخاطرة الاستراتيجية من العبث بالحقيقة وإساءة فهم تصرفات قوات النظام.

ويسرد التقرير المذكور بشكل مقتع الأسباب التي تجعل من شائعات شن هجوم شامل على إدلب غير صحيحة، لافتا إلى أن مثل هذه العملية يستحيل أن تقوم بها قوة محدودة على تلك الجبهة، وأن ذلك لا يمكن أن تحدث دون إذن موسكو، ما يعني أنه يتعين عليها أن تحصل في المقام الأول على موافقة أنقرة.

ووفقا للمحلل الروسي، فإن لدى موسكو كثيرا من الأسباب المنطقية للاحتفاظ بعلاقة ودية مع الشريك التركي في سوريا. ويوضح أن خط أنابيب السيل التركي سيدر مليارات الدولارات من العائدات السنوية التي تشتد حاجة روسيا إليها، كما أن صفقة بيع منظومة الدفاع الصاروخي الروسي إس 400، وربما الطائرات المقاتلة سوخوي يمكن أن تحقق الهدف الاستراتيجي الذي تنشده روسيا منذ فترة طويلة وهو ما دفع تركيا إلى الانسحاب الفعلي من حلف الناتو.

وفي المقابل، والكلام لكوريبكو، يتعين على روسيا أن تعترف ضمنيًا بمجال نفوذ تركيا في إدلب وفي أماكن أخرى في شمال سوريا، وهو ما تفعله بالفعل على الرغم من الخطاب العرضي الذي يتحدث عن "القانون الدولي"، والدعوة لاستعادة النظام السوري السيطرة على البلد بأسره، و ضرورة انسحاب جميع القوات العسكرية الأجنبية من سوريا.

ويلفت المحلل الروسي إلى أن كل ما يصدر من تصريحات قوية من موسكو حول ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية بما فيها القوات التركية، إنما ترفع من معنويات القارئ السوري العادي، وتجعل وسائل الإعلام تتصور أن هناك بالفعل "خطة ماكرة" لتحرير إدلب كلها عسكريًا من نفس المتشددين الراديكاليين.

ويلفت كوريبكو إلى أن النظام السوري كان يرغب في القضاء على من يعتبرهم إرهابيين قبل نقلهم إلى إدلب، ولكن موسكو أرادت بناء الثقة مع أنقرة وإظهار أنه يمكن الاعتماد عليها للتفاوض على صفقات أخرى أكثر أهمية مثل صفقة إس 400.

ويذكر أنه لا يبدو أن روسيا كانت لديها أي نية في أي وقت لدعم قوات النظام السوري في السيطرة على إدلب، بل توقعت أن يتم إعادة دمج المنطقة في بقية سوريا في نهاية المطاف من خلال الوسائل السياسية كجزء من "حل وسط" بوساطة موسكو بين جميع الأطراف، مثلما تأمل أن يحدث ذلك أيضا في الشمال الشرقي.

وختم كوريبكو مقاله بالقول، بأنه أيا كان السبب الذي دفع موقع المصدر للتراحع عن الشائعة التي نشرها على مدار العام الماضي حول التحرير المزعوم لإدلب، فإن ذلك سيساعد في مواجهة تسليح آمال جمهورهم المحلي والدولي بأمل كبير غير واقعي بمجرد إدراكهم أنهم قد خُدِعوا مرة أخرى.

ويضيف بأن هناك دائمًا فرصة ضعيفة للغاية لتغيير الحسابات الاستراتيجية الكبرى وأن توافق روسيا على نحو غير متوقع على طلب النظام ببدء هجوم العسكري شامل على المنطقة، لكن من المرجح أن تظل هذه العمليات محدودة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!