علي بولاج - صحيفة زمان* - ترجمة وتحرير ترك برس

لم يتبنّى حزب العدالة والتنمية في فلسفة تأسيسه وسياسته الإسلام ولا الهوية الإسلامية، ولهذا لا الإسلام ولا الإسلاميون مسؤولون عن سياسته. ولكن لا يمكن القول بأن كلّ الإسلاميين غير مسؤولين، فقد التحق جزء منهم بقطار الحكومة وسيطر عليها مستغلاً تعطّش الذين يسيرون باسم الإسلاميين للسيطرة على الحكومة، وظنّ صنفٌ آخر أنّه سيتمكن من اتباع النظام العلماني لحين تقوية نفوذه. الصنف الأول طموحٌ وبدون شك والصنف الثاني ذو نيات حسنة لم ينجح في تأويلاته وخططه.

ويمكِنُنا ترتيب أسباب وصول تركيا مع حزب العدالة والتنمية إلى هذه النقطة كالاتي:

1- قدّم حزب العدالة والتنمية في العام 2002، عند سيطرته على الحكومة في المرحلة الأولية، وعوداً لإسرائيل وأميريكا يصعب عليه الوفاء بها فيما بعد. وفي عام 2011، كشف الحزب عن خططه، بأنّه لن يعترف بأحد في الشرق الأوسط بالنّسبة للقضية السورية. وأنّه سيخرج من الحدود المرسومة عليه والواجب عليه اتّباعُها بالنسبة للقضية الكردية. وعندها قام النظام الدولي برفع راية "قِف" في وجههم.

كان خطأُ الحزب هو إعطاء وعود وتوقيعُ معاهدات يصعب الوفاء بها في الفترة الأولية لحكمه. وكان بإمكانهم أن ينجزوا ذلك العمل النبيل دون أن يكشفوا عن تبّنيهم للمنهج العثماني في فرض السيطرة على المنطقة والحصول على منصب الزعامة فيها، ولكن لم تسمح لهم الأيديولوجية التي اتبعوها بتحقيق ذلك.

2- في عام 2011 أيضاً، قام قيادات الحزب بإنهاء الصفقات التي عقدوها مع القوى السياسية والفكرية والاجتماعية في الداخل، ظنّاً منهم أنّ حزب العدالة والتنمية يتشكل من كتلت) الخاصّة به ولم يُدرِكوا أنه على هيئة ائتلاف، وظنّوا أيضاً أنّ هذه الكتلة سيطرت على الحكومة عن طريق كسب أصوات الجماهير في الانتخابات. وفصلوا طريقهم عن الديمقراطيين والليبيراليين.

3- كانت كل الأحزاب السياسية والمجموعات مضطرةً لدعم حزب العدالة والتنمية لعدم تبنّيها وجهة نظر الطرف المقابل في المعارضة حزب الشعب الجمهوري التقليدي، فيما اعتُبر "عُرفاً مدنياً جديدًا". وكانت استفتاءات 12 أيلول/سبتمبر 2010 وانتخاب رئيس الجمهورية عبدالله غل وانتخابات 2011 دليلاً على هذا. ثمّ ألقى مؤسسو الحزب نظرة على الدستور وكأنّهم رأوا أنّ "هذا الدستور لا بأس فيه وقد استخدمه الكل بشكل جيد فلنستخدمه نحن أيضاً"، وبهذا علّقوا قرار تعديل الدستور. طبعاُ لا يمكن التجاوز عن ذنب الأحزاب الثلاثة الأخرى بشأن هذه المسألة، لكن هذا كان بالنسبة لحزب العدالة على مبدأ "عين كان يريدها الأعمى، فأعطاه الله اثنتان".

وبعد تعليق قرار تعديل الدستور، لم تُحلّ مسألة الأكراد، واستمر العلويون بالتخبّط من طرف إلى آخر، والغير مسلمين حالهم معلوم.

4- لا داعي لإطالة الحديث عن السياسة الاقتصادية والاجتماعية. إن انعدام العدالة والمساواة في المدخول المادي للناس يزداد يوماً بعد يوم. ليس هناك من ينصت للمتقاعدين. يتمّ الاستيلاء على بيوت الفقراء بأسعار رمزية تحت اسم إعادة بناء المدن، ويتم الغدر بهم وإعطاء المناقصات لأشخاص ينتقونهم من أطرافهم. والانحلال الاجتماعي يزداد بسرعة وسقط مفهوم الزواج في المجتمع إلى أدنى المستويات. وظهرت فئات جديدة في المجتمع، مغرورة ومستهلكة غير منتجة، وأيضاً مظاهر السرقة والنصب والرشاوي، وفي كل مكان مركز تجاري وناطحات سحاب والأسوأ من هذا أنّه يقال إن هذه هي حضارتنا نحن.

5- عندما ظنّ قيادات العدالة والتنمية أنهم استقروا في المركز تماماً، قاموا بحركة التفاف على الجماعة التي كانت هي أكبر شريك لها، وهي جماعة غولن، وأصبح الوضع "جماعة ضد جماعة". حاولوا أولاً إغلاق مدارس جماعة غولن، فلما صعب عليهم هذا وواجهوا ردّة فعل لم يكونوا ينتظرونها، وعندما بدأت اعتقالات السرقة والرشاوي، قامت فئة كانت تريد تلقين حزب العدالة درساً بالتعاون مع فئات أخرى من أنصار العلمانية بالعمل ضدهم. عندها انتقلوا إلى مبدأ التحذير من انقلاب يدبّر ضد الحكومة وبدأوا بالعمل به.

6- كثير من الشخصيات المهمة في حزب العدالة والتنمية، ومن بينهم بعض الوزراء لا يؤمنون بوجود التنظيم الموازي. إنّ جماعة غولن هي آلة تستخدم في عملية خطيرة جداً سيتألم منها الجميع فيما بعد، حتى أن الجماعة هي الضحِيّة الأولى لهذه العملية المرتّبة من قبل القوى الإقليمية. وللأسف ينظر رئيس الوزراء على ذلك بنظرة "استراتيجية الانتخابات" ويستخدمها على هذا الأساس. إنّ هذا لعب بالنار.!!

لقد ارتكب حزب العدالة والتنمية أخطاء كبيرة. وصلت بتركيا إلى نقطة خطرة وحرجة جداً. ومهما كان الأمر، لم يكن هذا هو طريق النجاة، كان يمكننا سوية إيجاد حل معقول للوصول إلى طريق النجاة.

 

* صحيفة زمان تتبع حركة غولن المعارِضة حالياً لحكومة حزب العدالة والتنمية

عن الكاتب

علي بولاج

كاتب في صحيفة زمان


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس