وداد بيلغين – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

هناك العديد من الأحداث التي تدل على اقتراب نهاية سيطرة وهيمنة الغرب على دول هذه المنطقة المستمر منذ مئة عام، فهذه الحدود التي تفصل بيننا هي تلك التي رسمها الغرب، وجعل دولنا تحت الاستعمار المباشر، أو الاستعمار غير المباشر، وربطنا به بعلاقات الهيمنة والسيطرة والخضوع ، لكن الأحداث التي تجري حاليا تشير إلى قُرب نهاية هذه المرحلة.

ما حدث ويحدث في الشرق الأوسط، وعلى رأس ذلك ثورات الربيع العربي التي أحدثتها الشعوب، يدل بما لا يدع مجالا للشك، أنّ شعوب المنطقة رفضت وترفض كل "الأمور التي يتم فرضها عليها من الخارج"، ولذلك يقوم الغرب بالتدخل المباشر في محاولة لتثبيت الأوضاع القديمة المستمرة منذ مئة عام، هذه التدخلات هدفها إيقاف حالة الحراك والسعي للتغيير في المنطقة، ومن أجل استمرار تبعية دول المنطقة للغرب، ومع استمرار الغرب في التدخل في شؤون دولنا، تنتشر الفوضى وأعمال التخريب والدمار، كما بدا ذلك واضحا من خلال ما تقوم به داعش.

وهنا علينا التذكير بأنّ الغرب يحاول مجددا تطبيق سياسته القديمة من أجل إعادة فرض سيطرته على المنطقة، هذه السياسية التي تتمثل بإشعال الحروب على مبادئ مذهبية وعرقية، واستخدام العنف، ومن المعروف أنّ هذه السياسات هي سياسات غربية قديمة ترتكز على عدم المساواة واللعب على وتر التفرقة، لفرض الهيمنة والتبعية على الشعوب.

الغرب لا يريد حدوث تغيير في المنطقة

الأحداث التي جرت في الشرق الأوسط ما هي إلا انعكاسات لعملية العولمة التي حدثت في العالم، والتي أدت إلى انتقال المعلومات ورأس المال وتقنيات الانتاج ...الخ، بين الدول، لتفرض شكلا جديدا من المنافسة في السوق العالمي، وهذا أيضا انعكس على علاقات شعوب المنطقة التبعية بالغرب، حيث بدأت الشعوب بالبحث عن الاستقلال التام من خلال رفض علاقة المهيمن المتحكّم بمصيرهم، لهذا علينا اعتبار طلبات الشعوب بالحرية والديمقراطية على أنها انعكاس لذلك، وبناء على ذلك علينا التعامل مع ما جرى من حراك سياسي في تونس وليبيا ومصر واليمن، وبكل تأكيد في سوريا من باب المطالبة بالانعتاق من عبودية الهيمنة.

وهنا يظهر التناقض التام، فالغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية يُصرّون على تطبيق سياستهم القديمة من أجل إعادة فرض هيمنتهم وسيطرتهم، وأساس هذه السياسة هي الحرب والتمييز العنصري والعرقي والمذهبي، وما جرى خلال الفترة الأخيرة من تقارب أمريكي إيراني، من شأنه إبقاء نظام البعث قائما في سوريا، وما هذا إلا دليل على العودة إلى استخدام السياسة الغربية القديمة من أجل إبقاء المنطقة تحت نفوذها، فتقارب أمريكا مع ما كانت تسميه "الثورة الإسلامية" في إيران، والتي كانت ألذّ أعدائها أو هكذا كانوا يصورون علاقتهم بإيران، ما هو إلا سياسة جديدة قديمة تعتمد على إعطاء القوة للشيعة من خلال اللعب على وتر الطائفية، وفي المحصلة تبقى المنطقة تخضع للسياسات والقرارات الغربية.

ماذا تفعل تركيا حيال ذلك؟

على كل مَن ينتقد سياسة تركيا في المنطقة أنْ يدرك أنّ تركيا تستخدم كل ما تملك من أجل التأثير على الديناميكية التي تحكم العالم، فهي تسعى إلى تكوين هيكل جديد في الشرق الأوسط يرتكز على التعاون في كل المجالات من الاقتصاد حتى السياسة، وبدأت تركيا بتفعيل ذلك من أجل رد الاعتبار لشعوب المنطقة، وهي الآن تتصرف تجاه الغرب بسياسة وقرارات مستقلة، وترفض أنْ يتعرض أي شعب من الشعوب إلى إرهاب النظام القائم في بلدهم مهما كان اسم أو شكل النظام، وتسعى تركيا إلى تعزيز الديمقراطية في كل بلدان المنطقة، كما تقف سدا منيعا ضد محاولات تقسيم الدول.

ظهور سياسة تركيا الإقليمية وبروزها أمام العالم بهذه السرعة، ونظرة شعوب المنطقة إلى تركيا على أنها نموذج مثالي للنهضة والنمو والتقدم، وحدوث ثورات الربيع العربي، كلها جعلت الغرب يشعر باهتزاز مكانته وسيطرته وهيمنته على خيرات ودول الشرق الأوسط التي تستمر منذ مئة عام، لهذا كان الغرب مضطرا للتدخل فورا لحماية مصالحه ولإعادة مكانته وهيمنته في المنطقة، لكن ما تقوم به تركيا من دعم للتغيير ولتعزيز الديمقراطية، وما تقوم به تركيا الآن من تعزيز وتحقيق لعملية السلام والمصالحة الوطنية مع الأكراد، يزعج الغرب جدا، وسنرى فيما إذا كانت عملية السلام هذه ستجلب المخاوف والقلق للإسرائيليين أيضا أم لا.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس