ترك برس 

قال المحلل الاستراتيجي الأمريكي البارز، جورج فريدمان، إن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، يجعل من تركيا القوة المحركة في المنطقة على المدى البعيد، وأن على دول المتوسط أن تأخذ رغبات ونوايا الأتراك على محمل الجد. 

وتناول فريدمان في تحليل مطول نشرته مجلة "Geopolitical Futures" المتخصصة في خدمات التنبؤ الجيوسياسي، ما وصفه بالتحول الكبير الذي حدث خلال الأسابيع الأخيرة الذي يشير إلى ظهور حتمي للقوة التركية. 

وكتب فريدمان إن التحول جاء في خطوتين. أولاً، إعلان تركيا توسيع منطقتها الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط ​​بالتعاون مع حكومة الوفاق الوطني الليبية. ثانياً إعلان  تركيا أنها بصدد بناء ست غواصات جديدة. وهاتان الخطوتان معا تشيران إلى تغيير في الموقف التركي.

إشارة قوية 

ويوضح فريدمان أن الاتفاق مع ليبيا "يخلق من الناحية النظرية منطقة اقتصادية تقسم البحر المتوسط ​​إلى الشرق وتتحدى النفوذ القبرصي اليوناني. ويبدو للوهلة الأولى أن هذا مجرد لفتة، حتى لو كانت كبيرة. وهو يدل ببساطة على وجود مجال للهيمنة الاقتصادية".

ويذكر أن قرار إرسال القوات التركية إلى ليبيا يمثل  تحولا كبيرا في سياسة أنقرة، وأن أحد الدوافع وراء ذلك هو النفط. 

وبيّن أن تركيا تعتمد على النفط من مختلف المصادر الإقليمية، بما في ذلك روسيا. ولكن هذا موقف محفوف بالمخاطر بالنسبة لتركيا لأنها لا يمكن أن تكون قوة إقليمية دون الحصول على الطاقة. وقد كان سعي تركيا  للحصول على النفط والغاز في شرق البحر المتوسط صعباً ومكلفاً للغاية ولهذا فإن ليبيا يمكنها دعم الاحتياجات التركية وتقليل تعرضها لمصادر أخرى. 

وبالإضافة إلى الرغبة في تأمين مصادر الطاقة، تريد تركيا أن توضح أن شرق البحر المتوسط ​​هو منطقة يجب النظر فيها إلى المصالح التركية. وهذا يضعها على خلاف مع كل قوة تقريبًا في المنطقة. 

وأوضح أن موسكو ترى أن التدخل التركي في ليبيا يتعارض مع المصالح الروسية القديمة العهد، على الرغم أنه من الممكن أن تكون تركيا وروسيا قد توصلتا إلى اتفاق للإدارة المشتركة لليبيا.

وعلاوة على ذلك فإن المطالب التركية في شرق البحر المتوسط ​​تتعارض مع مشاريع التنقيب الإسرائيلية قبالة ساحل قبرص، وهو ما دفع إسرائيل إلى الاحتجاج بقوة والتنسيق مع اليونان. كما أن مصر التي تدعم قوات حفتر، معادية للتحرك التركي ولديها علاقات جيدة مع إسرائيل واليونان ولديها مصالح في حماية الجرف القاري الغني بالموارد.

موقف أوروبا

وفيما يتعلق بالموقف الأوروبي، يقول فريدمان أن لإيطاليا مصالح كبيرة في ليبيا تركز على النفط، كما أن روما جزء من مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط" إيست ميد"، إلى جانب إسرائيل وقبرص واليونان. 

أما اليونان، فعلى الرغم من ميل الحكومة المركزية إلى دعم تركيا ، فإنها عضو في الاتحاد الأوروبي المعادي للأتراك، ون ثم  فمن المحتمل أن ترغب في منعهم. ومن ناحية أخرى، لدى الدول الأوروبية الأخرى أيضًا مصالح في ليبيا ، ويمكن أن تكون الكتلة الليبية الفرنسية حاسمة، ولكن هذه المسألة لن تتقرر بسرعة. والخيار في الوقت الحالي هو بين التمرد المدعوم من روسيا، والحكومة الشرعية المدعومة الآن بقوة من تركيا.

مرحلة جديدة

ويرى فريدمان أن النقطة الأكثر إثارة بعيدا عن تحركات تركيا ،هي أن العلاقة غير المستقرة بين روسيا وتركيا تقترب من نهايتها. 

ويوضح أن العلاقة بين البلدين لم تكن علاقة مريحة قط، لأنهما كانتا خصمين تاريخيين تاريخيين، لكنهما عملا على احتواء الحرب السورية وبناء النفوذ التركي مع الولايات المتحدة. ويضيف أن العلاقة بينهما قد تبقى لفترة من الوقت  يختبر فيها كل طرف الطرف الآخر جانب الآخر. 

وأردف أن القوات التركية لم تصل بعد إلى ليبيا، وقد يحدث الكثير قبل وصولها ، لكن تركيا أعلنت أنها أصبحت قوة إقليمية، وأفعالها هي التي تقود ردود الفعل. 

وفيما يتعلق بالولايات المتحدة التي تعد، بحسب فريدمان، القوة البحرية الحاسمة في البحر المتوسط، فمن غير المحتمل أن تتحدي الخطوة التركية.

ويضيف أن تعاظم الاهتمام بالبحر المتوسط ​​يحد من القوة الروسية التي تجري مناورات بحرية مع السوريين في شرق المتوسط. وتريد الولايات المتحدة الإبقاء على علاقتها مع تركيا، خاصةً لأنها أصبحت قوة رئيسية. 

وختم فريدمان تحليله قائلا: "نحن ندخل الآن مرحلة جديدة. الأتراك لا يسيطرون على شرق البحر المتوسط​​، لكن على جميع دول المنطقة أن تأخذ رغباتهم ونواياهم على محمل الجد. إنهم لا يسيطرون على حوض البحر المتوسط ​​، لكنهم يسيطرون على الحدود البحرية. والأهم من ذلك، أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا جعلت تركيا القوة المحركة في المنطقة في الوقت الحالي وعلى المدى الطويل".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!