د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا

في 13 من الشهر الجاري الحالي، التقى كل من رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان مع رئيس مكتب الأمن الوطني التابع لنظام الأسد علي مملوك في موسكو وذلك على هامش اللقاء الذي جمع وفداً تركياً رفيع المستوى بنظيره الروسي لمناقشة الملف الليبي. سرت شائعات كثيرة حول اللقاء التركي-السوري الذي يعدّ الأول من نوعه على هذا المستوى، وذهبت العديد من التقارير لتشير إلى أنّه بمثابة تطبيع علني مع نظام الأسد.

وفقاً لتقرير نشرته رويترز، فقد ناقش اللقاء وقف إطلاق النار في إدلب والتنسيق المحتمل ضد عناصر الفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني شرق الفرات، فيما ذكرت وكالة أنباء نظام الأسد (سانا) أنّ مملوك طالب تركيا بإحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها وبانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية "فورا".

بخلاف ما ذهب إليه البعض، لا يوجد ما يبرر الاعتقاد السائد لدى البعض بأنّ هذا الاجتماع مفصلي أو بمثابة مؤشر على وجود تحوّل في الموقف التركي من نظام الأسد أو حتى نقطة بداية لعملية تطبيع للعلاقات بين الجانبين. طريقة ترتيب الاجتماع وتوقيته بالإضافة الى المواضيع التي قيل إنّه ناقشها تؤكّد على أنّه جاء فقط استجابة لإلحاح موسكو. فالاجتماع بين هاكان فيدان وعلي مملوك جرى على هامش الاجتماع الأساسي المتعلّق بالملف الليبي، وهذا يعني أنّه ثانوي بالنسبة إلى الأول.

في السنوات القليلة الماضية، لاسيما في العامين الماضيين، ازداد الضغط الروسي باتجاه ضرورة إقامة تواصل تركي مباشر مع النظام. أهداف موسكو من هذا الأمر معروفة وهي إعطاء النظام الشرعية السياسية في وقت تزداد فيه الضغوط الأمريكيّة على الأسد وعلى الدول التي تحاول تطبيع العلاقات معه بشكل مجاني مؤخراً دون الحصول على تنازلات تتعلّق بالملف السوري.

تحاول روسيا إيجاد الأرضية المناسبة لكي تدفع الجانب التركي لهذا التواصل تارةً من خلال الحديث عن ضرورة إعادة تطبيق اتفاق أضنة، وطوراً من خلال الإشارة إلى ضرورة بذل الجهود المشتركة لمحاربة الإرهاب. المسؤولون الأتراك على دراية بما تريده روسيا، وقد عطّلوا مثل هذا الطلب مراتٍ عديدة ما كُنّا لنعرف عنها لو لم يتم في سبتمبر من العام ٢٠١٨ بث فعاليات مؤتمر أستانا في طهران على الهواء مباشرة بشكل عرضي دون علم الحاضرين.

لقد سمح لنا هذا الأمر آنذاك بالاطلاع على الخلافات الرئيسية بين الأفرقاء ولعل أهمّها معارضة تركيا طلب موسكو التواصل المباشر مع نظام الأسد. ما يقدّمه الجانب التركي من خلال اللقاءات على المستوى الاستخباراتي هو بمثابة الاستجابة لطلب روسيا دون إعطاء نظام الأسد الشرعية اللازمة. لقد قالت أنقرة مرّات عديدة بأنّها قد تضطر في مكان ما إلى فتح قنوات على المستوى الاستخباراتي تتعلّق بالوضع الميداني، لكنّ شيئاً حتى الآن لم يرشح بشأن تواصلٍ سياسي يمنح نظام الأسد الشرعية السياسية التي يبحث عنها، وهو ما كان الجانب الروسي يريده بالأصل، ومن غير المتوقع أن يحصل مثل هذا الأمر في أي وقت قريب.

أمّا بخصوص المواضيع التي قيل أنّها نوقشت، فهي دليل إضافي لدعم الاستنتاج الذي تمّ التوصّل إليه أعلاه. من السذاجة بمكان افتراض أن يوافق المسؤولون الأتراك على تطبيق اتفاق أضنة القديم في الظروف الحالية دون ضمانات، إذ لا شيء يمنع نظام الأسد من تكرار ما فعله في بداية الثورة السورية عندما ضرب بهذا الاتفاق عرض الحائط ودعم ميليشيات (pyd) للسيطرة على مناطق واسعة من الشمال السوري في مواجهة تركيا.

من الواضح أنّ روسيا ونظام الأسد يعلمان تماماً الحساسية التي تبديها أنقرة تجاه ميليشيات (واي بي جي) الكردية على حدودها، ولذلك هما يحاولان استخدامها كورقة للتقريب بين الجانبين التركي والسوري، لكن لو كانت تركيا تعتقد أنّه يمكن الاعتماد على مثل هذا الطرح، لما كانت كلّفت نفسها بإطلاق ثلاث عمليات عسكرية واسعة في الشمال السوري، ولما كان هناك حاجة أصلاً لمثل هذا الأمر. الجانب التركي يرى أنّ تأمين نفسه ضد المخاطر القادمة من شمال سوريا لا يمكن أن يتم في هذه المرحلة إلاّ بإشراف مباشر منه.

بالرغم من ذلك، هناك من يشير إلى أنّ هذه اللقاءات قد تخدم السيناريو المستقبلي وليس الآني، وهو السيناريو المرتبط بانسحاب القوات التركية من سوريا. هذه النقطة هي مثار خلاف كبير بين تركيا ومُمثّل النظام السوري. أعتقد شخصياً أنّ أنقرة لن تسحب قواتها من سوريا على الأقل حتى الانتهاء من المسار السياسي ووضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات نزيهة وشفّافة، ولا أرى بأنّ ذلك سيحصل في أي وقت قريب. بمعنى آخر، لا أرى أنّ هناك حاجة لتحميل الاجتماع المذكور أكثر من وزنه الحقيقي في ظل الظروف الراهنة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس