ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

لا يمكن للقارئ للمشهد السوري أن يخطئ الدور الكبير لتركيا في الأزمة السورية منذ اليوم الأول للثورة السورية، ففي الوقت الذي ترددت فيه حكومات كثيرة في مواقفها تجاه الثورة السورية، فتحت تركيا أبوابها السياسية والإغاثية لوضع حد لتدهور المشهد السوري، وبعد أن دخل على خط الأزمة دول كثيرة إقليمية ودولية، بقيت تركيا فاعل رئيسي في أدوار مرسومة، لكنها فعالة، في الأزمة، فلعبت دورا إغاثيا مهم سواء من خلال استيعاب اللاجئين أو بمد المتضررين بالمواد الأساسية، لكن ذلك الدور نفذ بالتوازي مع دور استخباراتي مهم، وسياسي أهم في المشهد، جعل من تركيا عنصر مهم في معادلة الحل للأزمة التركية.

ومع دخول الروس على خط الأزمة، بعد أن فشلت إيران في إنقاذ الأسد من التقدم الكبير للمعارضة من جهة وتنظيم الدولة من جهة أخرى، وتفرغ التحالف الدولي لمحاربة الأخير، تخصص الروس في قتال المعارضة، ولما كانت المعارضة موزعة على نفوذ كل فاعل من الفواعل العابرة للمنطقة، والحاضرة لإثبات نفوذ أبعد ينتظر انتهاء الأزمة، فقد تقطعت أوصال تلك المعارضة وبقي منها هو وطني خالص لم يكن أمامه سوى أنقرة في زحمة الولاءات التي شهدتها الساحة السورية، فقد أصبح لتركيا دور خشن كذلك في الأزمة، وخلال كل تلك الفترة فإن تركيا اختارت أن تلعب دور لاعب الماشي على الحبل المدود في سيرك الأزمة التركية.

وكان الموقف التركي قاطعا بعد محاولة انقلاب 2016 في تركيا حيث تكشف للإدارة التركية الكثير من الأمور التي أخفيت عن عمد لتسير تركيا في طريق رسم بعناية من قبل من كان يحرك أذرع الانقلاب، ومع فشل محاولة الانقلاب فتحت تركيا صفحة جديدة من العلاقات الدولية والإقليمية، بعد أن طوت صفحة (صفر مشاكل) لتفتح صفحة الفاعل الإقليمي في محيطها الصغير، سوريا والعراق، ومحيطها الأكبر، الشرق الأوسط، من خلال احتكاكها المباشر في القضايا الإقليمية، فلسطين وليبيا واليونان، مع اشتباكها المسبق مع النظام المصري من منطلق مبدأي، وهو ما جعل لتركيا دور فعال ومزعج في بعض الأحيان لدى البعض، وانطلقت عمليات عسكرية في الداخل السوري، نبع السلام وغصن الزيتون ودرع الفرات، ولا يخفى على أحد أن تلك العمليات كانت بتفاهمات مع كل من الأمريكيين والروس، والتي كانت في الغالب تشهد شدا وجذبا، أو تقديم منح، كشراء صفقة سلاح، مقابل تأمين تحركات القوات التركية.

وهنا تبدو جليا السياسة التركية في الملف السوري، إذ اتخذت تركيا مبدأ اللعب على كل الحبال من أجل الحفاظ على أمنها القومي في المرتبة الأولى، وتحصيل مكاسب بقدر المستطاع للمعارضة السورية، التي خذلت تركيا في كثير من الأحيان، بعد أن تفرق ولاؤها على الفاعلين، وتعتبر المواجهة العسكرية الحالية بين جيش النظام السوري والقوات التركية في إدلب، لاسيما بعد سقوط سراقب، أسوأ أزمة تواجه العلاقات التركية الروسية، التي راهنت تركيا على علاقتها معها في الفترة الأخيرة، ولا يمكن التعويل بشكل أو بآخر على الصمت الروسي بعد استهداف القوات التركية لقوات الأسد، إذ أن السكوت ليس بالضرورة في كل الأوقات علامة على الرضا ومن ثم لا يمكن التعويل على سياسية تركيا الناعمة في التعامل مع المتنافسين، فروسيا وعلى الرغم من تقاربها اللحظي مع تركيا إلا أنها في النهاية ستبقى منافسا، لاسيما بعد أن دخلت على خط الصراع على غاز شرق المتوسط، وباتت على مرمى حجر من القوات التركية في ليبيا وفي المعسكر المقابل.

قد تفهم خطوة الروس بفتح الباب للنظام السوري بدخول سراقب بأنه محاولة لإرخاء الحبل على اللعب التركي، وهي الخطوة التي جاءت برضا الطرف الأمريكي غير الراضي عن التوغل التركي في سوريا وطرده الحليف الكردي الذي ارتضاه لحماية مصالحه في سوريا، وفي القلب منها آبار النفط السورية كنصيب لأمريكا في الكعكة السورية.
إرخاء الحبل على اللعب التركي يعني بحال أن تركيا قد تواجه جيش النظام السوري مباشرة، وهي الخطوة التي حاول الأتراك تجنبها خلال التسع سنوات السابقة، مع ذلك تتغير مربعات اللعب خلال الساعات القادمة في ظل الاتصالات والتفاهمات المستمرة بين الأتراك والروس، وإن باءت تلك الجهود بالفشل فاحتمال سقوط اللاعب التركي من على حبل سيرك المشهد السوري مطروح.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس