د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا

في مقابلة له مع قناة روسيا ٢٤ الأسبوع الماضي، مهّد بشّار الأسد لحديثه الذي امتد حوالي ساعة من الزمن بالقول إنّ الولايات المتّحدة كانت تريد استبدال الأنظمة العلمانية في العالم العربي بأنظمة إخوانية تستخدم الدين من أجل قيادة عامة الناس من خلال ما يسمى الربيعَ العربي على حدّ قوله، مشيراً إلى أنّ الدولة الإخوانية الوحيدة التي كانت موجودة آنذاك هي الدولة التركيّة ممثّلة بأردوغان نفسه.

ثم أضاف "لم تكن هناك أي مشاكل بيننا وبين تركيا، لم نقم بأي عمل ضدهم (…) كنا نعتقد بأنهم جيران وإخوة، لكن الانتماء الإخواني لأردوغان أقوى من كل هذا الكلام، فهو عاد إلى انتمائه الأصلي، وبنى سياسته مع سوريا بناءً على هذه الحالة". وتحدّث الأسد عن "الشعب التركي الشقيق"، مشيراً إلى أنّ أردوغان غير قادر على أن يقول لشعبه لماذا يموت الجنود الأتراك في سوريا، ما هي القضية وما هو الخلاف ولماذا يُقتل جنوده في سوريا؟

وبالرغم من ذلك، فقد ردَّ رأس النظام السوري على سؤال الصحفي الروسي، حول إمكانية حصول تواصل بينه وبين أردوغان، بقوله “طبعاً ممكن، لكن لا يمكن أن نصل إلى هذه النتيجة وأردوغان يدعم الإرهابيين”. وأضاف "هناك مصالح مشتركة حيوية. التداخل الثقافي المُتبادل حدثَ تاريخياً، وبالتالي من غير المنطقي أن يوجد بيننا وبينهم خلافات جدّية"

هذه المقابلة مع الأسد غاية في الأهمّية باعتقادي، ليس لأجل ما تضمّنته من هراء بيّن وموصوف، وإنما من أجل الرسائل السياسيّة التي حملتها والجهات التي تخاطبها، ولأنها تساعد كذلك على فك الطلاسم المتعلّقة بتقارب العديد من الأنظمة العربية مؤخراً لاسيما الخليجية منها من نظام الأسد، وكيف يقوم النظام بتوظيف هذه الاستراتيجية لإضفاء الشرعية على وجوده من خلال تسويق دور وظيفي لا يخدم مصالح دول إقليمية فحسب، بل ربما قوى كبرى أيضاً يحاول التقرّب منها.

جزء من كلام الأسد كان موجّهاً بالتأكيد إلى الداخل التركي في محاولة لاستثمار الخلافات السياسيّة الناشئة عن السياسة الخارجية التركية تجاه نظامه والقضية السورية بشكل عام، علاوةً على دور أنقرة المتنامي داخل سوريا وقتلى القوات المسلّحة التركية. مع ازدياد الضغوط الداخلية المتأتّية عن المخاوف من ازدياد أعداد اللاجئين، والانقسامات السياسية التي أدّت إلى ولادة أحزاب سياسية جديدة، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي، يرى الأسد ربما أنّ هناك بيئة خصبة ومهيِّئة لتعزيز الانقسامات الداخلية في تركيا والتحريض ضد السياسات الحكومية.

جزء آخر من الخطاب يهدف إلى استمالة من يرى أنّ الحل يكمن في ضرورة الانفتاح على الأسد مجدداً والاعتراف به كأمر واقع. مثل هذا الطرح من الممكن ألا يؤثّر في المعارضة التركية فقط، وإنّما في أولئك المتردّدين الذين قد يقنعهم مثل هذا الخطاب بأن لا حل لتركيا للتخلّص من المأزق في الأزمة السورية سوى من خلال الاعتراف بهذا النظام والتوصّل إلى اتفاق معه.

على المستوى الإقليمي، فإن استخدام ورقة الإخوان تفتح آفاقاً أوسع للأسد مع أنظمة لعبت هذه الورقة أيضاً خوفاً على عروشها أو لتبرير الانقلابات العسكرية الداخلية أو حتى لدعم انقلابات خارجية ومحاصرة دول ومواجهة ثورات. هذه الفئة من الأنظمة الرجعيّة في العالم العربي تضم على الأقل أنظمة مثل الإمارات والسعودية ومصر ومن يدور في فلكها.

هناك بُعد آخر يتعلق بهذه المسألة أيضاً، الأسد لا يحاول من خلال هذا الخطاب الاستفادة من الانفتاح على هذه الدول فقط، وإنما يحاول التسويق لنفسه كذلك كأداة ضد تركيا إذا ما حصل على الدعم اللازم للقيام بمثل هذا الدور. التحالف الذي أعلن عنه مؤخراً بين الأسد والديكتاتور حفتر في ليبيا هو نموذج عن الكيفية التي يمكن من خلالها توظيف مثل هذا الخطاب في البحث عن تحالفات وشراكات تقوي من موقف الأسد عربياً وتتيح له أن يستخدم ذلك لفرض نفسه كأمر واقع.

المفارقة أنّه بتكتيكه هذا يستطيع الأسد جسر الهوّة بين كونه أداة إيرانية وأداة للمحور الآخر الذي يدّعي العداء لإيران! وبذلك يكون النظام السوري قد حافظ على علاقاته التاريخية مع النظام الإيراني، ووظّف الدعم السياسي والمالي وربما العسكري أيضاً الذي يأمل الحصول عليه من الإمارات والسعودية ومصر في نفس الوقت.

على المستوى الدولي، يخاطب الأسد الأوروبيين مجدداً من خلال ثنائية "العلماني" في مواجهة "الإسلامي"، علماً أنّ النظام الطائفي في سوريا لم يكن يوماً من الأيام علمانياً، لكن في الانطباع الغربي، يبقى مثل هذا الخطاب محبَّذاً حتى لو كان صاحبه مسؤولاً عن مقتل وجرح وتهجير ملايين البشر. ومع صعود اليمين الأوروبي المتطرّف والحركات النازية والفاشيّة الجديدة، فإنّ نظرية الأسد عن محاربته الإسلاميين ستلقى رواجاً كبيراً هناك. علينا ألا نستغرب من ذلك فهناك شريحة في العالم العربي على سبيل المثال (في المغرب العربي تحديداً) لا تزال تؤمن بأنّ نظام الأسد يدافع عن فلسطين ويحارب إسرائيل والإرهابيين!

مكافحة الدعاية الأسديّة تحتاج إلى جهد لا يقل عن المواجهات التي تحصل على الصعيد الميداني أو السياسي. التقليل من أهميّة مثل هذه الرسائل أو فعاليتها سيؤدي إلى نتائج كارثيّة باعتقادي. هناك حاجة إلى كشف زيف هذا الخطاب لدى الآخر، وتطوير خطاب مضاد يحرم الأسد ونظامه من إمكانية توظيف تكتيكات من هذا النوع للحصول على مكاسب سياسية، وإلاّ فإنّ مثل هذه الرسائل ستزداد خلال المرحلة المقبلة لا سيما عندما يتعلّق الأمر بالأوضاع الداخلية في تركيا.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس