ترك برس

على مدار 44 سنة، حُرم نحو 60 ألفًا من أتراك تراقيا الغربية وبعض أتراك الدوديكانيز من جنسيتهم اليونانية، بموجب المادة 19 من قانون المواطنة اليونانية الذي سن عام 1955.

تلك المادة استهدفت كل مواطن ليس من عرق يوناني، وهكذا أصبح نحو 60 ألف مواطن يوناني من أصل تركي ممن سافروا أو هاجروا إلى الخارج عديمي الجنسية، لأن اليونان ترى أنهم يفتقرون إلى أي نية للعودة إلى الوطن.

تعد منطقة تراقيا الغربية، الواقعة شمال شرقي اليونان، قرب الحدود مع تركيا، موطنًا لأقلية مسلمة تركية عريقة يبلغ تعداد سكانها نحو 150 ألف شخص. حسب بيانات نشرتها وكالة الأناضول الرسمية بتركيا.

ورغم أن حقوق الأتراك في تراقيا الغربية محمية بموجب معاهدة لوزان، الموقعة عام 1923، في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، إلا أنه ومنذ ذلك الحين وأوضاعهم تتدهور بشكل مطرد.

فبعد وصول الطغمة العسكرية اليونانية إلى السلطة في 1967، بدأ أتراك تراقيا الغربية يواجهون اضطهادًا أشد وانتهاكات لحقوقهم من جانب الدولة اليونانية.

وفي أعقاب "عملية السلام" العسكرية التي قامت بها تركيا عام 1974 في قبرص، سقط المجلس العسكري اليوناني في نهاية المطاف، لكن القيود المشددة على الأقلية التركية استمرت، بل حتى زادت إلى يومنا هذا.

تؤكد وكالة الأناضول، استنادًا إلى آراء عدد من الخبراء، أن ما تقوم به اليونان من انتهاك لحقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية يجب أن يُعرض على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (AİHM) على وجه السرعة.

ويرى الخبراء أن الأتراك الذين انتُزعت منهم جنسياتهم، يمكنهم استعادتها والحصول على تعويضات من اليونان، وأن الاتفاقات والمعاهدات الدولية تتيح للأقلية التركية تقديم شكوى ضد اليونان في المحاكم الدولية، كما يمكن الحكم بإلزام اليونان بدفع تعويضات لهم.

في هذا الصدد، يرى البروفيسور الدكتور محمد شكري غوزل رئيس مركز دراسات السلام والمصالحة بجنيف أن الأتراك الموجودين في تراقيا الغربية وبحر إيجه "يتعرضون لسياسة الانصهار المجتمعية والثقافية التي تنتهجها اليونان".

ويوضح، أن إحدى المشكلات الرئيسة للأتراك في تراقيا الغربية هي المادة التاسعة عشرة من قانون الجنسية اليونانية".

ويضيف غوزل، أن هذه المادة "تنص على أن المواطنين اليونانيين من أصل غير يوناني تُسقط عنهم الجنسية في حالة مغادرتهم البلاد أو استقرارهم في الخارج".

ويلفت إلى أن هذا القانون "وُضع بهدف السيطرة على الأقليات، وتطهير الأقليات الدينية والعرقية، وأنه قد تم إلغاؤه بعد أن أدرج المجلس الأوروبي اليونان ضمن فئة (الدول العنصرية)".

ويردف غوزل، أنه "على الرغم من إلغاء هذا القانون، فإن المجلس الأوروبي لم يطبق أي ضغوط على اليونان، فيما يتعلق بالأقليات التي راحت ضحية تنفيذ هذا القانون والتي فقدت جنسياتها.

ويشدد على أنه "يجب ممارسة الضغط الفعلي على اليونان حتى تستعيد الأقلية التركية ما فقدته من حقوق وكي تعمل على حل مشكلاتها".

كما ينبغي، بحسب غوزل، "على أتراك تراقيا الغربية تكوين رأي عام دولي، والتوجه بشكواهم إلى المحكمة حتى أنه يجب رفع هذه المشكلة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أقرب وقت".

ويضيف أنه "من خلال القرار الذي ستقرره المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن 60 ألف تركي ممن انتزعت اليونان جنسيتهم يمكنهم استعادتها والحصول على تعويضات من اليونان".

ويشير غوزل، إلى أن اليونان "قامت بتبادل السكان في المناطق التي احتلتها أثناء حروب البلقان والحرب العالمية الأولى، وسعت لفرض الثقافة الهيلينية على الصرب والبلغار".

ويضيف "عندما اضطرت اليونان لمغادرة الأناضول بعد حرب الاستقلال، ادعوا أنهم أسسوا دولة اليونان الكبرى بالأراضي التي ظلت تحت أيديهم، وقالوا إنهم لم يتمكنوا فقط من تأسيس دولة يونانية أكبر من ذلك".

ووقف غوزل، فإن "سياسة الدولة في اليونان تهدف سواء الآن أو بعد 50عاماً أو بعد 100عام إلى أن تصبح دولة هيلينية ذات عرق آري هيليني".

ويردف، "كما أن سياسة اليونان منذ القدم تتمثل بإخراج تراقيا الغربية وجزر الأثني عشر من تبعيتها للجنس التركي، ودخولهم ضمن سياسة الاندماج التي تنتهجها، وأن تصبح أقلية رمزية في البلاد".

والهيلينية هي فرض الثقافة واللغة اليونانية ونشرها في كافة الأراضي التي ملكها العنصر الإغريقي المتمثل في الحكام اليونانيين أو المقدونيين أو الهلنستيين.

من جهته يقول الدكتور نوري قورقماز عضو هيئة التدريس بقسم العلاقات الدولية بجامعة بورصة التقنية، والخبير في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والبلقان بمركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات(ANKASAM) إن اليونان "اتبعت سياسة متناقضة فيما يتعلق بالأقلية المسلمة التركية في تراقيا الغربية".

ويضيف، أن اليونان "تطلق على الأقلية التركية في تراقيا الغربية اسم (اليونانيون المسلمون)، وأنها رفضت وأنكرت هويتهم التركية".

ويردف قورقماز، أن اليونان "تمنع تمركز الأقلية التركية في تراقيا الغربية في منطقة واحدة، وتقوم بتقييد حيازتهم للملكيات، كما تضع العقبات والعراقيل المختلفة أمام عملهم كموظفين في الدولة".

ويتابع "لذلك اتجه العديد من الأتراك إلى المدن الكبرى مثل سالونيك، وأثينا للعمل، والعيش هناك".

وبحسب قورقماز، فإن "الجانب المثير في هذه القضية، هو أن حقوق الأقليات التي مُنحت للأقلية التركية في تراقيا الغربية بموجب معاهدة لوزان ليست سارية خارجها، وهو ما أدى إلى وجود حالة من الضعف والذوبان داخل المجتمع اليوناني".

ويلفت قورقماز، إلى أن "قيام اليونان بإغلاق مدارس الأقليات التركية بحجة قلة عدد الطلاب يُعد من التحركات الممنهجة لليونان ضد الأقلية التركية في تراقيا الغربية".

ويضيف أن "أعداد الأقلية التركية في تراقيا الغربية تتضاءل يومًا بعد يوم بسبب الهجرة الداخلية والخارجية.

ولكن آخر الممارسات التي تنتهجها اليونان تجاه الأقلية التركية في تراقيا الغربية هي إغلاق ثماني مدارس لها".

كما قامت اليونان، وفق قورقماز، "في عام 1990م بتعيين أفراد في منصب المفتي على الرغم من أن معاهدة لوزان تمنحهم الحق في اختيار مفتيهم".

ويوضح أن هذا الأمر " أدى إلى الانقسام داخل الأقلية التركية في تراقيا الغربية، بسبب وجود مفتين اختارتهم الأقلية، وآخرون قامت الدولة بتعيينهم".

ويلفت قورقماز، إلى أن "الغرض الرئيس من ممارسات اليونان تجاه الأقلية التركية في تراقيا الغربية هو منعهم من تنظيم صفوفهم في مواجهة المشكلات التي تعترضهم، وكذلك منعهم من الاجتماع على رأي واحد".

ويضيف أن اليونان "تدعي بأنها تقوم بجميع ما تفعله انطلاقًا من مبدأ المعاملة بالمثل الذي أقرته معاهدة لوزان، بغض النظر عن التزاماتها ومسؤولياتها تجاه الأقليات والتي يفرضها عليها القانون الأوروبي والدولي".

ويشدد قورقماز، أنه "على أنه لا يمكن مقارنة سياسة حقوق الأقليات في اليونان، بمعايير أي دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي، فهي تسلك سلوكًا ممنهجًا في انتهاكها لحقوق الأقليات".

ويخلص قورقماز، إلى أنه "ينبغي على أتراك تراقيا الغربية إحالة هذه الانتهاكات التي تنتهجها اليونان ضدهم في أمور التعليم، والشؤون الإدارية، والمواطنة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أقرب وقت، واستعادة حقوقهم التي كفلتها لهم المعاهدات والاتفاقيات".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!