ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

العلاقات الفرنسية - التركية

حالة التوتر التي تشهدها العلاقات التركية – الفرنسية تزايدت بعد وصول ماكرون إلى سدة السلطة في ظرف دفع الناخب الفرنسي إلى التصويت العقابي حتى لا يصل اليمين المتطرف إلى سدة الحكم، فالبديل المتاح أمام الناخب الفرنسي كان في المقابل مارين لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، على طريقة (ماكرون أو الفوضى) فاختار الناخب لاستقرار ولو على حساب جودة السياسات، ليفاجأ فيما بعد بأن الأمور تتعدى الجودة إلى عدم وجود سياسة بالكلية، ما انعكس على الداخل في تظاهرات اندلعت وقمع في المقابل.
غير أن العلاقات الدولية لم تنجُ هي الأخرى من التخبط، فالقرارات المتخذة والمدفوعة بالتاريخ والمنقطعة عن الواقع دفعت إلى تعكير العلاقات مع دول حليفة مثل إيطاليا وأمريكا، كما شهدت أسوء فترات العلاقات بين فرنسا وتركيا.

تقاطعات مصالح أم أحلام يقظة؟

توتر العلاقات بين تركيا وفرنسا بسبب الأزمة الليبية، ليس سببا وحيدا أو حقيقيا، فاتهامات فرنسا لتركيا بخرق الحظر المفروض على أطراف الصراع لم يصاحبه أدلة قاطعة، ومن ثم فإن ماكرون وضع فرنسا في حرج أكبر بدعمه الصريح للجنرال المنقلب بتوريد سلاح من خلال الإمارات والنظام في مصر لكسب حفنة من الدولارات، وقد يعزو البعض هذه الخلافات إلى تقاطع المصالح بين البلدين العضوين في حلف ناتو في ليبيا الغنية بالبترول والمعبر المفضل لفرنسا لكنوز غرب إفريقيا التي اغترف منها أجداد ماكرون ويحلم الحفيد بإعادة تدوير حرفة أجداده في استنزاف مقدرات الشعوب.

ملفات الخلاف تكشف حقيقية ماكرون

إيمانويل ماكرون الهارب من أزماته الداخلية افتعل ملفات خلاف مع عضو ناتو، غير مكترث بالمصالح الاستراتيجية للحلف مع تركيا، وبالرجوع لتلك الملفات تجد أن جلها لا يرقى إلى حد الخلاف الذي يستوجب شن حملة شعواء على حليف مهم مثل تركيا والمطالبة بإخراجه من الحلف أو أخيرا فرض عقوبات عليه.

فملف ليبيا الذي دخل ماكرون فيه بالأساس من أجل صفقات سلاح تنقذ اقتصاده المتردي بعد فشل السياسات التي طرحها والخطط التي عمل بها لتحسين الوضع المالي والاقتصادي وتوفير فرص عمل لملايين العاطلين عن العمل في بلاده، فبحسب بيانات وزارة العمل، فإن نسب البطالة في فرنسا وصلت في إبريل الماضي 22.6% وهي نسب لم تشهدها فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، والملف الثاني فهو ملف اليونان، الذي تقف فيه فرنسا ماكرون بشكل مستغرب، فالبلدين المختلفين عضوين في ناتو ولا يجب أبدا الانحياز لطرف على حساب طرف، لكن فرنسا ماكرون لها حسابات أخرى مدفوعة بأمجاد حروب العصور الوسطى الدينية، وهو ما يقرأه البعض محاولة من ماكرون الذي لم يقنع ناخبيه أن يغازل معارضيه ممن أعطوا أصواتهم لمارين لوبن، وبالتقاطع مع أزمة اليونان، تنخرط فرنسا ماكرون في أزمة شرق المتوسط وهي البعيدة جغرافيا عنه، لكن الشعبوية والحلم في محاربة طواحين الهواء تدفع للانخراط واعطاء الاستشارات والمد بخرائط (إشبيلية) خابت مع تصريحات المجتمع الدولي حولها.   

رهان ماكرون على الاتحاد الأوروبي

في خطوة ليست بالأخيرة ذهب ماكرون محملا بمزيد من الاحقاد على تركيا أردوغان المرعبة، فلم تعد تركيا هي تلك التي صنعت على عين دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ولم تعد تركيا هي تلك الدولة التي تنتظر إشارة أوروبا كي تأذن لها بالكلام، كما انها لم تعد تلك البلد المنغلقة على نفسها بنظرية صفر مشاكل في محيط يموج بالصراعات ما أنتج حلقة النار التي باتت تحيط بها لهدف استراتيجي ألا وهو إنهاء الحكومة المنتخبة بشتى الطرق، ذهب ماكرون إلى القمة الاستثنائية للاتحاد الأوروبي يحمل حزمة عقوبات على تركيا مدفوعة بمواقف الأخيرة الصلبة في حقها المشروع في غاز المتوسط، ومبادئها المحمولة على سياسات حكومة العدالة والتنمية في نصرة الشرعية في ليبيا والمظلومين في ناجورني كاراباخ، وفيما يبدو أن ماكرون كعادته راهن على الحصان الخاسر، فلم تخرج القرارت بما تشتهي سفن ماكرون في المتوسط.

ماكرون وخفي حنين

فيما يبدو أن ماكرون لم يجد حتى خفي حنين حتى يقفل عائدا إلى الإليزية بعد أن خسر رهان القمة الأوروبية الاستثنائية، ووقف وحيدا بين كل من اليونان التي تعتاش على معونات الاتحاد الاوروبي وقبرص الصغيرة في الحجم والفاعلية، وليس أمام ماكرون الآن إلا أن يخضع لخطط أبوظبي ليرضي طموحه، ليمرمغ سمعة فرنسا العظمى التي كانت يوما من الأيام تحكم نصف العالم، لكن لعبه مع الكبار، وهو لا يتقن أدوات اللعبة، كان كفيلا بأن يصنع منه أضحوكة، فلا غطرسته في لبنان ولا تكبره في بوركينا فاسو ولا عنصريته تجاه المرأة الإفريقية في قمة العشرين، يمكن أن تجعل منه زعيما حتى ولو حكم فرنسا.        

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس