عماد أبو الروس - عربي21

يرى مراقبون أن تركيا تسعى لعودة العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن ذلك لن يكون على حساب مصالحها الوطنية لا سيما في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومواصلة الدعم للقضية الفلسطينية.

وفي أيار/ مايو 2018، استدعت أنقرة سفيرها على خلفية المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، ما أسفر عن استشهاد العشرات وجرح المئات، فيما قامت بطرد السفير الإسرائيلي ونائبه.

وتزايدت التكهنات بشأن عودة العلاقات بين الجانبين، وسط أنباء من هنا وهناك حول ذلك، فقبل أسابيع تحدثت مواقع تركية معارضة عن أن أنقرة قامت بتسمية سفير لها في تل أبيب، مشيرة إلى حوارات ثنائية من أجل عودة التطبيع بينهما.

وأشارت تلك المواقع، إلى أن السفير الجديد لدى  تل أبيب، أفق أولوتاش، تولى منصب رئيس معهد الأبحاث للشؤون الاستراتيجية "سيتا"، إلا أن ذلك لم يقابل بنفي أو تأكيد من أنقرة التي قامت بحملة تغييرات واسعة طالت عددا كبيرا من السفراء في دول عدة منها الولايات المتحدة وفرنسا.

في حين قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن الرئيس الأذري إلهام علييف، سعى للتوسط بين الاحتلال وتركيا لتحسين العلاقة بينهما، وإن مستشارين له أبلغوا المسؤولين الإسرائيليين بأن علييف تحدث إلى أردوغان بشأن تحسين العلاقة مع الاحتلال، وأنه أبدى موقفا إيجابيا.

وأمام هذا كله رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نافيا أي تقدم في علاقات بلاده مع دولة الاحتلال، لافتا إلى أن الموقف الإسرائيلي تجاه القضية الفلسطينية أحد محاور الخلاف، موضحا أن العلاقات تسير على المستوى الاستخباراتي.

تركيا تسعى للاتفاق مع الاحتلال بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة

لكنّ محللين أتراكا، رأوا أن من أبرز الخلافات بين تركيا والاحتلال الإسرائيلي، هو الموقف الإسرائيلي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وعدم توصل الطرفين إلى اتفاقية بينهما بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة.

وقال الكاتب التركي، أوزاي شندير، في تقرير له في صحيفة "ملييت" وترجمته "عربي21"، إن أي اتفاق محتمل بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة بين تركيا والاحتلال قد ينهي إلى حد كبير التوترات في شرق المتوسط.

وتابع بأن هذا الاتفاق قد يمنح الاحتلال الإسرائيلي مساحة بحرية، فيما ستكون اليونان وقبرص اليونانية الخاسرين الأكبرين في مثل هذه الصفقة.

وأشار إلى أن التقارب بين أنقرة وتل أبيب، قد يخفف الضغط على تركيا من اللوبي اليهودي في واشنطن، وقد يتوقف عن عملية التحريض التي يمارسها ضدها هناك.
  

مباحثات قبل أربعة أشهر.. توقفت بسبب كورونا

من جهته كشف الكاتب التركي، تشيتينار اتشيتين، أن مباحثات مكثفة أجريت بين أنقرة وتل أبيب من أجل التوصل لاتفاق بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة، لكنها توقفت.

وأضاف في تقرير في صحيفة "خبر ترك"، أن تركيا عرضت على الاحتلال قبل نحو أربعة أشهر، مقترحا بشأن ترسيم الحدود بينهما، لافتا إلى أن المقترح يسهم في حصول الجانب الإسرائيلي على بعض المناطق البحرية من قبرص، ويطالبه بالانسحاب من مشروع خط أنابيب شرق المتوسط.

ونقل الكاتب عن مصادر إسرائيلية، أن المفاوضات توقفت بعض الوقت بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد.

وأشار إلى أن العرض التركي للاحتلال نص وفقا لمذكرة التفاهم بين أنقرة وطرابس، على منح "إسرائيل" القطاعات البحرية 12 وجزءا من القطاعات 11 و10 و9 و8 و7.

وأضاف أنه في الوقت الذي لم يتم فيه حل النزاع بين قبرص والاحتلال بشأن منطقة خزان إيشاي أفروديتفي القطاع البحري 12، تسعى تركيا لتقديم هذا العرض الذي يقلق اليونان وقبرص اليونانية.

وذكر أنه في عام 2016، كانت هناك مفاوضات بين تركيا والاحتلال على إنشاء خط أنابيب مشترك للغاز الطبيعي، ولكن العلاقات بين الجانبين توترت في السنوات الأخيرة.

وتابع بأن وفدا رفيع المستوى من تركيا عقد مؤخرا سلسلة لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين لتخفيف حدة المشاكل الناجمة والتي ساهمت بفتور العلاقات، وسط ترحيب إسرائيلي.

حسابات إسرائيلية تحول دون التوصل لاتفاق

واستدرك الكاتب، بأن الإشكالية تكمن في أن مؤيدي نتنياهو يشككون بشأن التقارب مع تركيا، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يراهن على مشروع الغاز الطبيعي شرق المتوسط، وهو ما تعترض عليه أوساط إسرائيلية لأن المشروع غير مقبول ماليا ولوجستيا.

أما المعضلة الأخرى لدى الاحتلال الإسرائيلي، فهي أنه وفقا لوجهة النظر السياسية والدبلوماسية، فإن الاتفاق مع تركيا يعني قبول سياسات تركيا في جزيرتي رودس وميس، ما يعني تدهور العلاقات مع قبرص والشريك الجديد الإمارات التي دعمت مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي في شرق المتوسط بهدف تحييد تركيا.
 

الملف الفلسطيني معضلة أخرى بشأن عودة العلاقات

وبشأن الملف الفلسطيني، رأى الكاتب التركي إسماعيل كاراتاش، في تقرير بصحيفة "عقد"، أن تركيا هي الدولة الأكثر دفاعا عن القضية الفلسطينية وقد تجاوزت الدول العربية بذلك.

وأشار إلى أن تركيا تنظر إلى هذه المسألة من ناحية أخلاقية وقانونية، فلا يمكن الصمت على ممارسات الاحتلال تجاه فلسطين.

واستدرك في الوقت ذاته، بأن قرار السلطات التركية رغم سوء العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، بسحب السفير كان خاطئا، لأنه إذا لم تكن في حالة حرب مع بلد ما، فإن وجود سفير أمر مهم من أجل الحوار.

واستبعد الكاتب التركي، أي تطبيع كامل في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، مضيفا، أن السفراء قد يعودون في أي وقت، ولكن لن يتقبل الشعب التركي والحكومة اضطهاد الاحتلال للفلسطينيين، كما أن الاحتلال لن يتخلى عن ذلك لا سيما في ظل دولة احتلال يقودها نتنياهو.

وذكر أن الاحتلال الإسرائيلي وعبر جماعات الضغط في شتى أنحاء العالم وظف ضغوطه على تركيا التي تعد الدولة التي تحدت كيان الاحتلال.

وأشار إلى أن القرارات المتخذة في الكونغرس الأمريكي ضد تركيا، جاءت بدعم من اللوبي اليهودي، مضيفا أن كل من يدافع عن فلسطين يتعرض لغضب مجموعات رأس المال العالمي، لذلك فإن أنقرة واجهت صعوبات في السنوات العشر الماضية.

وتابع، بأنه مع تطبيع عدد من الدول العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، فقد بقيت تركيا وحدها تسعى لعودة العلاقات مع الاحتلال، لكن بما يتلاءم مع مصالحها ومع مواصلة الدعم للقضية الفلسطينية، وذلك بخلاف تلك الدول. 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس