إبراهيم كيراس – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

درجت العادة كما في كلّ عام، أننا مع اقتراب موعد الرّابع والعشرين من نيسان/ أبريل، ننتظر الخطاب الذي سيلقيه الرّئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث نترقّب ونتسائل ما إذا كان سيستخدم كلمة مجزرة حيال أحداث عام 1915 أم سيمتنع عن استخدام تلك الكلمة. البعض يظن أنّ الرّئيس الأمريكي سيستخدم هذه المفردة خلال خطابه المترقب لهذا العام. لأنّ العلاقات بين أنقرة وواشنطن تشهد فتوراً نوعاً ما في هذه الآونة لأسبابٍ مجهولة لا تعلمها الأوساط الإعلامية. أمّا بالنّسبة للعلاقات التركية الأوروبية، فحدّث ولا حرج. فالخلافات بيننا لا تنتهي.

العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي شهدت نوعاً من الانتعاش عندما تسلّم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في البلاد، لكنّ هذه العلاقات الجيدة لم تدم طولاً وسرعان ما بدأت الخلافات بين الاتحاد والقيادة التركية. وفي هذا الصّدد لا يمكننا أن نقول بأنّ العلاقات بيننا وبين الاتحاد تشهد أسوء مراحلها منذ تأسيس الجمهورية التركية، إلّا أنّنا نستطيع أن نقول بأنّ المرحلة الراهنة تشهد المستوى الأسوأ في العلاقات خلال فترة حكم العدالة والتنمية التي بدأت منذ ثلاثة عشر عام.

من خلال ملاحظاتي حول القضية الأرمنية، أستطيع أن أقول بأنّ تركيا لم تستطع أن تستعدّ بالشّكل المطلوب للذّكرى المئوية لأحداث عام 1915. وأقصد هنا الشّعب التركي والحكومة التركية. فلم نستطع أن نشرح وجهة نظرنا للعالم الخارجي حيال أحداث عام 1915 بشكل جيدٍ وصحيح.

أقولها وبصراحة متناهية، إنّ الأحزاب السياسية في تركيا انشغلت كثيراً بالأمور الدّاخلية للبلاد ونسيت أو تناست المسائل الدّولية التي تهمّ الشّأن التركي. فقد عملت كافّة الأحزاب على تلميع صورتها داخلياً. ورأت قيادات هذه الأحزاب أنّ الالتفاف حول المشاكل الدّاخلية التي تعاني منها البلاد، أهمّ من المشاكل الخارجية التي تجب معالجتها في المحافل الدّولية.

على الجيل النّاشئ أن يدرك أنّ أحداث عام 1915، بدأت عام 1914. عندما دخلت الدّولة العثمانية بحرب إقليمية واسعة، قامت الحركات السياسية الأرمنية الموجودة داخل تراب الأناضول، بالتّحرّك بناءً على وعد من الجيش الرّوسي بالاستيلاء على جزء من الأناضول ومن ثمّ منح هذا الجزء للأرمن كي يعلنوا فيها دولتهم الخاصّة.

فقد علّق الأرمن المقيمون داخل الأناضول آنذاك آمالهم على الجيش الرّوسي لتحقيق هذا الهدف. وبدأ الأرمن بعملية التّسلّح حينها. فالمواطنون الأرمن آنذاك رفضوا الانضمام إلى الجيش العثماني على الرّغم من أنّهم ينتمون إلى الدّولة العثمانية. وقام العديد من الأرمن ممّن كانوا بداخل صفوف الجيش العثماني، بالفرار والالتحاق بالكتائب الأرمنية داخل الجيش الرّوسي.

ولم يكتف الأرمن بذلك، بل تعمّدوا افتعال عصيانٍ مدني في المناطق التي كانوا يقطنون فيها. فقد نشروا الذعر بين المسلمين العزّل في ولايات عديدة مثل (فان وأرض روم وبتليس) ومن ثمّ سلّموا هذه الولايات على طبق من ذهب للجيش الرّوسي.

لقد شكّل الأرمن آنذاك كتيبةً أطلقوا عليها اسم (كتيبة الانتقام) وقامت هذه الكتيبة بإلحاق أضرارٍ جسيمة بالجيش العثماني وخاصّة أثناء معارك (ساري كاميش) في ولاية قارش الواقعة شرق البلاد. وعقب هذه الممارسات من الجانب الأرمني، قامت القيادة العثمانية أنذاك باتّخاد قرار ترحيل الأرمن الذين تورّطوا في عمليات دموية ضدّ الأتراك. وهناك حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أنّ العديد من الأرمن تعرّضوا للقتل أثناء عملية التّرحيل وذلك من قِبل جماعات متعصّبة ولدافع الانتقام لما قام به الأرمن من مؤامرات ضدّ الدّولة العثمانية.

وإنّ مقتل الأرمن أثناء عملية التّرحيل حدث نتيجة عدم توفّر العدد المطلوب من الجنود الذين كان من المفترض أن يقوموا بحمايتهم. لأنّ الجنود العثمانيين كانوا منشغلين بالحرب على أكثر من جبهة آنذاك. واتضح لاحقاً أنّ من قام بقتل الأرمن أثناء عملية الترحيل هم من أبناء القبائل التي كانت تخضع لحكم الأجندة الخارجية المعادية للدّولة العثمانية وخاصّة في ولايتي فان وبيتليس.

ولقد أثبتت الوثائق بأنّ العديد من المسؤولين والضّباط العثمانيّين المكلّفين بحماية القوافل الأرمنية، تعرّضوا للعقاب نتيجة إهمالهم للواجبات الموكلة إليهم من قِبل القيادة العثمانية. وهذه الوثائق تثبت بما لا يدع مجالاً للشّك أنّه لم تكن هناك نيّة من قِبل الدّولة العثمانية لافتعال تصفية عرقية ضدّ الأرمن. فلم يكن هناك مخطّط للدّولة لارتكاب مجازر ضدّ الأرمن أنذاك، إنّما يمكننا أن ننتقد الحكومة في تلك الفترة من ناحية عدم قدرتها على حماية القوافل الأرمنية التي تعرّضت لهجمات العصابات المسلحة التي كانت تُسيّر من الجهات الخارجية المعادية للدّولة العثمانية. لكن لا نستطيع أن نطلق على ما حدث في تلك الفترة بأنّه مجزرة جماعية بحقّ الأرمن. فهذا غير منصف وغير قانوني.

ربّما نعاني صعوبات في إيضاح هذه الحقائق للعالم الخارجي. لكن علينا أن ننقل هذه الحقائق إلى الجيل النّاشئ كي يعرف حقيقة ما جرى في تلك الفترة.

عن الكاتب

إبراهيم كيراس

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس