ترك برس

مع قرب إحيائها الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية، تسابق تركيا الزمن في تعزيز قدراتها في مجال السكك الحديدية والقطارات، منتهجة في ذلك ما سارت عليه الحقبة العثمانية من تشييد شبكة قطارات كانت فريدة وذات أهمية كبيرة حينذاك.

وشكّل الاستثمار في البنية التحتية أحد أهم المجالات التي ارتكزت عليها إدارة حزب العدالة والتنمية في خططها التنموية للنهوض بالبلاد، حيث استفادت مشاريع النقل الحديدي من هذه الاستثمارات التي شهدت في السنوات الأخيرة تطوراً في النوع والكم. 

ومع بدء رحلات قطار البضائع المتبادلة بين تركيا والصين، توجهت الأنظار إلى تاريخ السكك الحديدية في تركيا والذي تعود جذورها إلى الحقبة العثمانية، وبالتحديد عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

وقبل قرابة أسبوع، وصل القطار الثاني المحمّل بالصادرات التركية، إلى مدينة شيان الصينية، بعد أيام من انطلاقها من إسطنبول، قاطعاً مسافة نحو 8 آلاف و700 كم، ومروراً بقارتين وبحرين و5 دول، في غضون أسبوعين.

ومن شأن إحياء خط التجارة القادم من الصين مرورا بتركيا أن ينعش اقتصادات غربية كبريطانيا وإسبانيا وهولندا التي بنت مجدها عبر التجارة مع الشرق في طريق الحرير واعتادت على ارتياد القطارات نحو الشرق منذ عهد الدولة العثمانية.

وتقول المراجع إن "قطار الشرق" كان أول سكة حديد تركية عابرة للحدود، وإن الأوروبيين استخدموها للتنقل من باريس إلى إسطنبول مرورا بالبر الأوروبي منذ العام 1883.

وغربا أيضا، أسس العثمانيون في عهد السلطان عبد الحميد الثاني خط بغداد – برلين، قبل إطلاق خط الحجاز عام 1908 الذي اختصر السفر من الشام إلى الحجاز من 40 يوما إلى 5 أيام.

أولى السلطان عبد الحميد الثاني أهمية خاصة للسكك الحديدية حيث بدأ في عهده العمل على خط سكة حديد بغداد-برلين التي كان من المقرر ربطها بالخط الأوروبي لتصل الى مدينة برلين عاصمة الإمبراطورية الألمانية.

واجه المشروع عدداً من الصعوبات والمعوقات، على رأسها الاعتراض الإنجليزي والروسي، إذ رأت الإمبراطورية البريطانية تهديداً استراتيجياً لهيمنتها على خطوط المواصلات البحرية.

أما المشروع الآخر الذي اكتسب أهمية سياسية واستراتيجية فكان مشروع سكة الحجاز، الذي عد مشروعاً حميدياً بالدرجة الأساسية، إذ شكل التجسيد العملي والأهم لفكرة الجامعة الاسلامية التي طرحها السلطان عبد الحميد.

 بدأ العمل على المشروع في العام 1900 بمساعدة مجموعة من الفنيين والمهندسين الألمان. شكل المشروع في كل مرحلة من مراحله تحدياً حقيقياً أمام الإدارة العثمانية التي استعانت بقوات الجيش لإنجاز مراحل المشروع، أما تمويل المشروع فقد اعتمدت الدولة العثمانية فيه على مواردها المحلية حيث تم جمع ثلثي مالية المشروع من حملة التبرعات التي أطلقها السلطان عبد الحميد الثاني. وبعد 8 سنوات كانت حافلة بالصعوبات والتحديات افتتح الخط في الأول من سبتمبر من عام 1908 في ذكرى اعتلاء السلطان عبد الحميد للعرش. 

اختصر القطار مدة السفر ما بين دمشق والحجاز الى 5 أيام بعد أن كانت تصل إلى ما يقرب الـ 40 يومًا، حيث ساهم القطار في إحداث نقلة نوعية في عدد الحجيج، الأمر الذي ترك أثره على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمناطق التي مرت منها خطوط القطار. 

ولعل أهم الأسباب التي دفعت السلطان عبد الحميد الثاني إلى تبني ذلك المشروع وتنفيذه رغم تكاليفه الباهظة، هي الأهمية الكبيرة التي سيمثلها في حماية الحجاج والأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

إتمام خط حديد الحجاز وعمله بشكل مستقر، مهد الطريق إلى ظهور نتائج عسكرية، وسياسية، واقتصادية، واجتماعية هامة.

ولعب المشروع دورا هاما في النقل العسكري، وإجلاء المدنيين من الحجاز إلى الشام، فضلا عن نقل الأمانات المقدسة إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918).

كما ساهم افتتاح خط حديد الحجاز، في إحياء القطاع التجاري والسياحي في عديد من المدن التي مر المشروع منها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!