ترك برس

اكتسب الفضاء الخارجي أهمية استراتيجية كبيرة في صراع الزعامة العالمية، الذي دخلته الدول الكبرى عقب انتهاء "الحرب الباردة" (1947 ـ 1991).

وأصبح من عناصر الأمن القومي، امتلاك الدول أقمارا صناعية في مدارات منخفضة ومتوسطة وعالية الارتفاع حول الأرض، ومحاولاتها زيادة عددها وأنواعها ووظائفها، وحمايتها من تدخلات الدول الأخرى.

بعد أن تمكن الإنسان من عبور حدود الغلاف الجوي للأرض، بدأت الأقمار الصناعية تلعب دورا حساسا ومحوريا يؤثر في الحياة على الأرض، وبات التحول الرقمي من العناصر المؤثرة في تشكيل الحياة.

ومن أجل تكنولوجيا المعلومات، التي حققت هذا التحول الرقمي، يجب أن يتوافر تواصل دائم وقدرة على الوصول إلى كل نقطة على سطح الأرض.

والأقمار الصناعية هي المصدر الذي يتيح تدفق البيانات بصورة صحيحة ولحظية.

وفي المجال العسكري، ثمة خطط لتزويد الأقمار الصناعية بأنظمة تدميرية، بفضل الأسلحة التي تعتمد على أشعة الجسيمات وموجات الميكروويف.

** تسابق في إطلاق الأقمار

حققت الأقمار الصناعية ثورة جديدة في مجالات عديدة، مثل جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات بشكل آني، والاتصالات العالمية وأنظمة تحديد المواقع.

ومع تحول البيانات التي تلتقطها أقمار الاستشعار عن بعد إلى سلع تجارية تبيعها دول إلى أخرى، أصبحت الأقمار مصدر دخل لمن يمتلكها.

وأصبح امتلاك الدول نفوذا على المدارات، من خلال زيادة عدد أقمارها الصناعية فيها، أمرا مهما من الناحية الدفاعية ومن جهة التأثير في النظام العالمي.

ومع زيادة عدد الأقمار الصناعية وتناقص النقاط المتاحة للأقمار في المدارات، ظهر تنافس بين الدول للحفاظ على أماكنها في المدارات، عبر إرسال أقمار جديدة.

كما أدى ذلك إلى اهتمام هذه الدول بإنعاش صناعة الأقمار، والحرص على مواكبتها لأحدث أنواع التكنولوجيا، وهو ما ساهم في توفير فرص عمل كثيرة في تلك الدول.

مع بداية الألفية الحالية، بدأ استخدام جيل جديد من الأقمار المصغرة (مكعبة)، وهي ذات أبعاد صغيرة وكاميرا ضئيلة.

وإضافة إلى صغر حجمها وانخفاض تكلفتها، تمتاز هذه الأقمار بقدرتها على تحمل الظروف الجوية للفضاء الخارجي، وبأنظمتها المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

ومن المستجدات أيضا في مجال تكنولوجيا الأقمار الصناعية الجديدة، تزويدها بأنظمة قيادة ذاتية، وأنظمة دفع تمكنها من التحرك بسهولة في المدار.

وبعض أنظمة الدفع لا يتطلب وقودا، إذ يستخدم مبدأ "الشراع الشمسي"، أي استثمار ضغط الإشعاع الشمسي لتحريك القمر.

** الفضاء.. أهمية استراتيجية

تدرك تركيا أهمية الأقمار باعتبارها إحدى عناصر القوة للدول في النظام العالمي، وتسعى إلى توسيع شبكة أقمارها الخاصة بالمراقبة والاستطلاع، لتلبية احتياجاتها في المجالات الاقتصادية والدفاعية والإنسانية.

كما تهدف أنقرة إلى زيادة قدرتها التنافسية بمجال إنتاج مركبات الفضاء، وتحقيق دخل مادي بفضل تكنولوجيات معالجة البيانات الواردة من الأقمار المتطورة، وزيادة قدراتها الاستراتيجية، عبر تمكنها من رصد أي شيء وأي نقطة على سطح الأرض.

رغم أن نقل ومشاركة التكنولوجيا في مجال الفضاء محدود جدا، ورغم اعتماد الدول في هذا المجال على رأس المال البشري الخاص بها فقط، إلا أن تركيا نجحت في تحقيق الاستفادة القصوى من فرص التعاون القليلة المتاحة، وتمكنت من تأسيس صناعة أقمار خاصة بها، وهو ما ساهمت في تحقيقه الرؤية الاستراتيجية والإصرار لدى الإدارة السياسية.

في 24 يناير/ كانون الثاني 1994، أجرت تركيا تجربة إطلاق أول قمر للاتصالات "تورك سات 1A"، لكنه سقط في المحيط بعد 12 دقيقة و12 ثانية بسبب عطل بالصاروخ الذي يحمله.

ورغم ذلك، أطلقت تركيا في أغسطس/ آب من العام نفسه، القمر "توركسات 1B"، ليبدأ تواجد الأقمار التركية في الفضاء.

** المرتبة 26 عالميا

تحتل تركيا المرتبة الـ26 بين دول العالم، من حيث عدد الأقمار الموجودة في المدارات الخارجية للأرض.

وتمتلك أنقرة ثلاثة أقمار فعالة للاتصالات، هي "توركسات 3A"، و"توركسات 4A"، و"توركسات 4B"، إضافة إلى ثلاثة أقمار للرصد والاستطلاع، هي "غوكتورك 1"، و"غوكتورك 2"، و"راسات".

كما أطلقت قمرها الصناعي من الجيل الخامس "توركسات 5A"، في 8 يناير/ كانون الثاني الجاري. وانتهى العمر الافتراضي لأربعة أقمار أخرى.

وتسعى تركيا للارتقاء إلى مراتب أعلى في التصنيف بإطلاقها قمري الاتصالات "توركسات 5B"، و"توركسات 6B"، وقمر المراقبة عالي الدقة "İMECE"، خلال العام الجاري.

وتعد شركة "توركسات" المساهمة لتشغيل الأقمار الصناعية (مملوكة للدولة)، رائدة بهذا المجال في المنطقة، ومن أبرز الشركات المشغلة للأقمار في العالم.

وتشارك شركات كبرى مهمة في تركيا، مثل "أسيلسان" و"روكتسان" و"توساش"، في أعمال الفضاء ودعم تطوير تكنولوجيا الأقمار.

وتركيا واحدة من بين 30 دولة تمتلك أقمارا صناعية في الفضاء.

وضمنت أنقرة حقوقا سيادية لها في المدارات، عبر ضمان حقوق التردد لفترات طويلة تصل في بعض أقمارها إلى عام 2050، كما هو الحال مع "توركسات 5A" الموجود في مدار 31 درجة شرقًا.

وبقمري الاتصالات "توركسات 5A" و"توركسات 6A"، ستُدخل أنقرة مناطق تهم الأمن القومي التركي ضمن نطاق التغطية، مثل الشرق الأوسط كاملا، وخليج البصرة، والبحرين الأحمر والمتوسط، وشمال وشرقي إفريقيا، ونيجيريا وجنوب إفريقيا.

كما سيتيح القمران لتركيا ضمان حقوق تردد جديدة في المدار 42 درجة شرقًا.

ويعد النجاح الذي حققته تركيا في إنتاج الأقمار الصناعية المكعبة من أهم خطواتها في هذا المجال.

فقد أنتجت تركيا الأقمار الصناعية المصغرة، التي باتت تفضلها الدول الكبرى في مجال تكنولوجيا الأقمار، وبالمستوى التكنولوجي نفسه.

وتستعد الآن تركيا للوصول إلى مرحلة تمكنها من إطلاق أقمارها الصناعية التي تنتجها بنفسها من أراضيها.

وفي 14 يناير الجاري، أرسلت تركيا القمر الصناعي المكعب "أسيلسات 3U"، الذي صممته شركة "أسيلسان"، إلى قاعدة "كيب كانافيرال" الفضائية في ولاية فلوريدا الأمريكية، لإطلاقه إلى مداره مع صاروخ "فالكون 9".

وتبشر الخبرات التي اكتسبها المهندسون الأتراك والكفاءات والنجاحات التي يظهرها المواطنون الشباب في مسابقات تصنيع الأقمار، بإمكانية إضافة الأقمار الصناعية المصغرة إلى قائمة المنتجات التي تصدرها تركيا.

** محطة إطلاق تركية

في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2013، أصدر الرئيس التركي مرسوما بتأسيس وكالة الفضاء التركية، لإضفاء رؤية على جهود تركيا بخصوص الفضاء.

ومن بين مهام الوكالة، تطوير الصناعات التنافسية في هذا المجال، وتعميم استخدام التكنولوجيا الفضائية بما يتماشى مع المصالح الوطنية ورفاه المجتمع.

وكذلك تطوير البنى التحتية والموارد البشرية، وزيادة القدرات والمهارات، واكتساب تقنيات ومنشآت تضمن الوصول المستقل إلى الفضاء، واتخاذ الخطوات اللازمة لإتاحة استفادة القطاعات الأخرى من الخبرات المكتسبة والتراكم المعرفي في مجال علوم الفضاء والطيران.

والهدف الأساسي في هذا الإطار هو النجاح في الوصول إلى الفضاء في أقصر وقت وبأقل تكلفة وبالإمكانات المحلية.

ولذلك توجد أولوية لتأسيس محطة إطلاق أقمار صناعية تركية بالإمكانات والقدرات المحلية، لإنهاء الاعتماد على الخارج في إطلاق الأقمار.

وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نجح صاروخ أبحاث أطلقته شركة "روكتسان"، في تجاوز المنطقة المعروفة بحدود الفضاء ثلاث مرات.

وسيساعد دمج تكنولوجيا صناعة الأقمار مع تكنولوجيا صناعة الصواريخ المحلية، في الوصول إلى الفضاء بشكل أسهل.

كما يُعتقد أن المقاتلات الحربية من دون طيار من الجيل السادس، المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، ستكون أيضا مركبات فضائية، وستساعد تلك المقاتلات، التي تخطط

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!