كورتولوش تاييز - جريدة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

أذكر زيارة حزب السلام والديمقراطية الأولى إلى جزيرة "إمراله" قبل عامين. فقد هزّت حينها زيارة "أحمد ترك" و"آيلا أقات" من الحزب المذكور الإعلام التركي، ولم يصرح كلاهما عمّا جرى في هذه الزيارة واختبئا في جبال قنديل وسط صمت غير مفهوم. وظلّ ما دار في هذا اللقاء سراً لأيام وشهور ثم انكشف أمره: لقد كانت الكلمات التي وجّهها "أوجلان" إلى الحزب: "انتهى وقت السلاح، وحان وقت السياسة"، هذه هي الكلمات التي تركت هيئة وأعضاء "بي كا كا PKK" في صمت مطبق.

لم ترق الفكرة بادئ الأمر لحزب السلام والديمقراطية وجبهة البي كا كا، لكنّ فكرة صائبة خيرٌ من ألف سلاح. لم تستطع الحجج الكثيرة التي قدمها الحزب والبي كا كا أن تصمد أمام فترة المصالحة الوطنية، وأعلن أوجلان في ديار بكر في عيد نيروز نهاية فترة حمل السلاح. وأعلنت المنظمة الانسحاب.

وكانت الخطوة التالية لـ"أوجلان" هي إنشاء حزب سياسي. فجاءت فكرة حزب الشعوب الديمقراطي. والذي لاقى رفضاً كبيراً من داخل الحركة الكردية، فزعم المعارضون له أنّ في تأسيسه "تسليم للحركة الكردية إلى اليسار" وتحدّوا الفكرة من أساسها وقاموا بتشويش أفكار الشعب. لكنّهم لم يصمُدوا طويلاً أمام إصرار "أوجلان" فأحنوا هاماتهم وبدؤوا صاغرين بتطبيق ما أمروا به.

وأثار كثيرٌ من الليبرالين والكُتّاب أصدقاء الأكراد فكرة "أن أوجلان مخدوع" في الأحياء الكردية. وذهب بعضهم بعيداً فقال إنّ "أوجلان" يعمل كمسؤول في المؤسسات المدنية لحزب العدالة والتنمية. وحاولوا إرغام الأكراد على حمل السلاح من جديد وخرق فترة السلام، وعندما لم تفلح مُحاولاتهم تِلك بدؤوا بإثبات أنّ أوجلان كان محقاً وأنّ الطريق الذي رسمه للمنظمة هو طريقٌ صحيح.

المنتصر الأكبر في انتخابات العاشر من آب/أغسطس هو بدون شك أردوغان. فقد خطّ نصره على صفحات التاريخ: نجاح في ثلاث انتخابات محلية واستفتائين وانتخابات رئاسة الجمهورية. ولكن هناك نجاحاً كبيراً آخر حقّقه أوجلان القابع في سجن في جزيرة "إمراله" المعزولة عن العالم، وهو إقناع الحركة الكردية بإسكات الأسلحة، وتوجيهها لتأخذ دورها في السياسة، فهو الذي حضر مشروع حزب الشعوب الديمقراطية للانتخابات.

نداءُ أردوغان في عيد نيروز "فلتصمت الأسلحة، وليتكلم الفكر والسياسة" آتى اليوم أُكُلَه. وحصل الحزب على قرابة 10% من الأصوات في الانتخابات، مسجلاً بذلك نجاحاً تاريخياً. وأصبح اليوم حزب الشعوب الديمقراطي حزباً ذا طابع خاص له وزن في السياسة التركية.

كان الهدف الذي وضعه أوجلان في السياسة الكردية هو جمع الأكراد تحت غطاء تركيا، وقد حقّقت الانتخابات الرئاسية الماضية هذا الهدف، وشكّلت ضوء أمل كبير من أجل الانتخابات العامة التي ستجري في العام المقبل 2015.

لاشكّ أنّ كل هذا تحقق في ضوء التغيرات التي حدثت في تركيا في العامين الأخيرين. لقد دعمت فترة المصالحة الوطنية الأرضية الديمقراطية، ووسعت الحركة السياسية، وفتحت الطريق أمام الحركة الكردية، معيدةً بذلك الأمور إلى مجاريها. ولأول مرة يدخل سياسي كردي بهويته الكردية وهويته السياسية انتخابات أعلى منصب بالدولة.

ولذلك سجّل تاريخ 10 آب/أغسطس تاريخ انتصار الديمقراطية ونجاح السياسة المدنية. وأعتقد أنه أفضل تاريخ لإعلان تركيا الجديدة، فليكن تاريخ العاشر من آب تاريخ ميلاد تركيا الجديدة.

أصبحت تركيا دولةً يُحتذى بها في إيجاد حلول ديمقراطية للمشاكل، خصوصاً في الشرق الأوسط الذي يشتعل بالمشاكل العرقية والمذهبية، وتحت هذا النجاح يوجد توقيع أردوغان بدون أدنى شك. ولايخفى الدور الذي لعبه أوجلان في هذا النّصر، والذي لايقل عن دور أردوغان أبداً وعلينا ألا ننكر ذلك.

عن الكاتب

كورتولوش تاييز

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس