ترك برس

تشهد مدينة جنيف السويسرية هذه الأيام، انعقاد اجتماعات مجموعة "5+1" غير الرسمية حول قبرص، برعاية الأمم المتحدة، في محاولة إيجاد حل لقضية تعود جذورها إلى الحقبة العثمانية.

نظراً لموقعها المميز بين قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، كانت جزيرة قبرص محط اهتمام كثير من الدول التي ظهرت في المنطقة منذ عهود ما قبل الميلاد، وحتى فتحها وانضمامها إلى الإمبراطورية العثمانية عام 1571 ميلادياً.

وعلى مدار 307 أعوام، شهدت الجزيرة أمناً وهدوءاً تحت الحكم العثماني، وعاش سكانها من الأتراك والروم في سلام، حتى سنة 1878 عندما انتقلت إدارتها إلى بريطانيا مع بقاء حق الدولة العثمانية في السيادة على الجزيرة. ومع الخلافات التي طرأت بين بريطانيا والدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى، ضمت بريطانيا الجزيرة إلى سيادتها بشكل أحادي في 1914، ومع توقيع اتفاقية لوزان عام 1923، اعترفت تركيا بالسيادة البريطانية على الجزيرة.

وحتى بداية القرن الثامن عشر كان عدد القبارصة الأتراك في الجزيرة أكثر من نظرائهم الروم، كما كانت مساحة الأراضي المملوكة للقبارصة الأتراك أكبر من تلك المملوكة لشركائهم الروم بالجزيرة، غير أنه بداية من عام 1931 شرعت عدد من المجموعات الرومية في إثارة نزعات عرقية واضطرابات من أجل ضم قبرص إلى اليونان، ومع مرور السنين، تزايدت أعمال العنف ضد القبارصة الأتراك، وتم استهداف منازلهم وحرق قراهم.

بيد أن كل هذه المحاولات فشلت في فرض الهيمنة اليونانية على قبرص، ومن أجل الوصول إلى تسوية بين شعبي الجزيرة، بدأت مفاوضات بين أنقرة وأثينا في فبراير/شباط 1959 بمدينة زيورخ السويسرية، ثم لاحقاً في لندن، وأسفرت هذه الجهود في عام 1960 عن تأسيس "جمهورية قبرص"، التي تقوم على مبدأ الشراكة بين شعبي الجزيرة من الأتراك والروم، بحسب تقرير للكاتب إبراهيم صباحي على موقع "TRT عربي."

بيد أن أجواء الاستقرار لم تدم طويلاً، إذ بدأ القبارصة الروم بزعامة رئيس الجزيرة مكاريوس الثالث في عام 1963، بإثارة توترات لتعديل دستور البلاد من أجل زيادة نفوذهم، رغم رفض شركائهم في الجزيرة الأتراك بقيادة نائب رئيس الجزيرة فاضل كوتشوك.

ومع إبعاد القبارصة الأتراك عن الشراكة في حكم الجزيرة واستهداف وجودهم من أجل طردهم منها أو تقليل عددهم، بدأت تطرأ بعض الخلافات بين القبارصة الروم أنفسهم، حتى وقع انقلاب عسكري في 15 يوليو/تموز 1974 ضد الرئيس القبرصي مكاريوس بدعم من الانقلابيين المسيطرين على حكم اليونان آنذاك، من أجل ضم الجزيرة عنوة إلى سيادة أثينا، الأمر الذي أجبر تركيا بعد خمسة أيام فقط على إطلاق "عملية السلام" العسكرية لوضع حد للاعتداءات المسلحة ضد القبارصة الأتراك ومنع ضم الجزيرة إلى اليونان، وقد رسمت هذه العملية الحدود الحالية بين الشطرين التركي في الشمال والرومي جنوبي الجزيرة.

ومباشرة بعد عملية السلام العسكرية، أعلن القبارصة الأتراك تأسيس الإدارة القبرصية التركية ذاتية الحكم، وتم طرح دستورها للتصويت في 8 يونيو/ حزيران 1975، وانتخب رؤوف دنكتاش، رئيساً للدولة الوليدة في أول انتخابات عامة في 1976.

لاحقاً، بدأت المفاوضات الأولى بين شطري الجزيرة التركي والرومي، في العاصمة اللبنانية بيروت في يونيو 1968، أعقبتها جولات عديدة في عدة عواصم حول العالم بحث فيها الجانبان مواضيع تتعلق بالحوكمة وتقاسم السلطة والاقتصاد والممتلكات والأمن والضمانات والترتيبات الإقليمية، غير أن النهج المتطرف للجانب الرومي، والإصرار على عدم تقاسم الإدارة والثروات مع القبارصة الأتراك حالت دون قيام شراكة محتملة.

ولتوضيح ذلك، يمكن الإشارة إلى المبادرة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق كوفي عنان عام 2002، المعروفة باسم "خطة عنان"، التي سعت إلى جمع الطرفين على تسوية مشتركة يستند إلى حل فيدرالي ثنائي لمنطقتين ومجتمعين تقوم العلاقة بينهما على المساواة السياسية، ونصت على أن تكون الشراكة في الجزيرة ذات جانبين، يعترف فيها كل جانب بهوية الآخر المميزة ويستقل كل جانب في قراره الداخلي ويمارس سلطاته على أراضيه الإقليمية، دون تدخل الحكومة الفيدرالية في سلطاتهما. وقدّمت الخطة للاستفتاء من قبل مجتمعي الجزيرة في 24 أبريل/ نيسان 2004.

وبينما رفض 75.83% من القبارصة الروم خطة عنان، وافق 64.91% من القبارصة الأتراك على الخطة، مؤكّدين مرة أخرى رغبتهم في تحقيق حل دائم لقضية الجزيرة.

ومع ذلك، فمباشرة بعد الاستفتاء، حصلت الإدارة الرومية في 1 مايو/ أيار 2004 على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي تحت اسم "جمهورية قبرص"، متجاهلة الشريك الآخر في الجزيرة.

منذ انهيار آخر محادثات لإعادة توحيد قبرص التي جرت برعاية الأمم المتحدة في كرانس مونتانا بسويسرا خلال يوليو/تموز 2017، لم تجر أي مفاوضات مجدداً بوساطة أممية لتسوية النزاع في الجزيرة.

لكن مع انتخاب أرسين تتار رئيساً لجمهورية شمال قبرص التركية في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020، حدث تحول نوعي في المفاوضات القبرصية كونه يرى أن "النموذج الاتحادي" لم يعد يشكل أملاً في إنهاء الأزمة، ويدعم تسوية القضية استناداً إلى دولتين سيتم تأسيسهما على أساس المساواة في السيادة والعيش جنباً إلى جنب.

تركيا أيضاً، أعلنت في أكثر من مناسبة أن مقترح "النموذج الاتحادي" قد انهار تماماً، مشددة على ضرورة تناول خيارات أخرى أكثر واقعية لحل القضية القبرصية، نظراً لأن القبارصة الأتراك ضاقوا ذرعاً بالدخول في مفاوضات غير مثمرة وغير مجدية لا تفضي إلى نتائج ملموسة، لذلك لا بد من إعطاء الأولوية للخيارات الأخرى.

واستجابة لاقتراح تركي، تجري في الفترة بين 27 - 29 أبريل/نيسان الجاري، اجتماعات غير رسمية مع القبارصة الروم والأتراك برعاية الأمم المتحدة، إضافة إلى الدول الضامنة، تركيا واليونان وبريطانيا، من أجل "البحث عن حل وسط يستند إلى الحقائق الموجودة في الجزيرة"، وفق وزير خارجية جمهورية شمال قبرص التركية تحسين أرطغرل أوغلو.

ورحب أرطغرل أوغلو في مقابلة إعلامية قبيل انطلاق المحادثات في جنيف السويسرية، بدعوات الأمين العام للأمم المتحدة إلى "طرح أفكار إبداعية هذه المرة"، مجدداً مطالبته العالم وخاصة الأعضاء الخمس الدائمين بمجلس الأمن بوضع حد للظلم والتمييز الذي مورس ضد القبارصة الأتراك منذ عقود طويلة، وإظهار العزم على فتح صفحة جديدة بشأن قضية قبرص.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!