ترك برس

مع حلول ذكرى فتح القسطنطينية كل عام، يتم تسليط الضوء على تفاصيل الفتح وأهميته وعلى شخصية الفاتح العثماني لها، وسط ندرة المواد التي تتحدث عن التحضيرات التي سبقت الحدث التاريخي الذي غيّر مجرى التاريخ، لا سيما وأن هذه التحضيرات شهدت خطوات كادت توصف بالمعجزة في تلك العصور، مثل نقل السفن من على قمة الجبل.

والسبت، احتفل الأتراك خاصة والمسلمون عامة، بالذكرى الـ568 لفتح القسطنطينية، إسطنبول حالياً، الذي تم على يد السلطان محمد الفاتح في 29 مايو/أيار 1453م الموافق لـ20 جمادى الأولى سنة 857هـ.

فتح القسطنطينية وتحريرها من الإمبراطورية البيزنطية، جاء بعد أن ظلت المدينة التاريخية عصية على الفتوحات الإسلامية لعدة قرون، ليغدو هذا الحدث من أعظم الأحداث التاريخية في حياة المسلمين والغرب معاً.

فبذلك الفتح تحقق حلم المسلمين من عهد النبوة الذي سعى لنيل شرفه كثير من القادة العظام، كما يعد أحد أبرز التحولات المهمة بتاريخ الغرب لأنه كان إعلاناً بانتهاء الإمبراطورية البيزنطية، حتى إن بعض المؤرخين الأوروبيين يؤرخون بهذا الفتح لبداية العصر الحديث، بحسب تقرير لـ "TRT عربي."

تحضيرات السلطان العثماني لفتح القسطنطينية، بدأت منذ تسلُّمه للسلطنة، حيث أعد محمد الفاتح جيشاً كبيراً بلغ نحو مئتين وخمسين ألف مقاتل وشرع بتجهيز الحصون والقلاع على أطراف القسطنطينية، ولم تفلح محاولات الإمبراطور البيزنطي في ثنيه بالأموال ومعاهدات الصلح، وبنى الفاتح قلعة "روملي حصار" على البوسفور من الطرف الأوروبي مقابل قلعة عثمانية شيدت على البر الآسيوي زمن السلطان بايزيد الثاني.

كانت القسطنطينية محاطة بالمياه البحرية في ثلاث جبهات هي مضيق البسفور وبحر مرمرة والقرن الذهبي الذي كان محمياً بسلسلة ضخمة جداً تتحكم في دخول السفن إليه، بالإضافة إلى ذلك فإن خطين من الأسوار كانا يحيطان بها من الناحية البرية من شاطئ بحر مرمرة إلى القرن الذهبي.

انتهج محمد الفاتح المنهج الذي سار عليه أجداده في الفتوحات، ولقد برز بعد تولِّيه السلطة بإعادته تنظيم إدارات الدولة المختلفة، واهتم كثيراً بالأمور المالية فعمل على تحديد موارد الدولة وطرق الصرف منها بشكل يمنع الإسراف والبذخ أو الترف. وكذلك ركَّز على تطوير كتائب الجيش وأعاد تنظيمها ووضع سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوافرة في ذلك العصر.

شجع العلماء مثل أحمد بن إسماعيل الكوراني "معلم الفاتح" وآق شمس الدين "الملهم الروحي للفتح" السلطان على مضاعفة حركة الجهاد والإيحاء إليه بأنه الأمير المقصود بحديث النبي الكريم.

ونقل التقرير عن المؤرخ الليبي، علي الصلابي، قوله إن محمد الفاتح "اعتني بجمع الأسلحة اللازمة لدك حصون المدينة، واعتمد على مهندسين لتطوير صناعة المدافع المتطورة، كما طور الأسطول العثماني وزاد في تسليحه حتى وصل إلى قرابة 400 سفينة حربية ليكون مؤهلاً لأداء دوره في الهجوم على القسطنطينية".

وكانت مدينة القسطنطينية محصنة جداً من الناحية العسكرية بسبب ما تملكه من قلاع وأبراج وأسوار عالية، إذ استعصت على عشرات المحاولات العسكرية لاقتحامها، فيما كان السلطان الفاتح يجري زيارات استطلاعية يشاهد فيها تحصيناتها وأسوارها ويجهز الخرائط اللازمة لحصارها، وقد عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لتكون صالحة لجر المدافع الكبيرة.

وتحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية في مدة شهرين تحت حماية الجيش العثماني الذي كان يقوده الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس 6 أبريل/نيسان 1453م الموافق 26 ربيع الأول 857هـ.

من ناحية أخرى وقَّع السلطان الفاتح قبيل هجومه على القسطنطينية معاهدات وهادن أعداءه المختلفين ليتفرغ لعدو واحد، فعقد معاهدة مع إمارة (غلطة) المجاورة للقسطنطينية من الشرق ويفصل بينهما مضيق القرن الذهبي، كما عقد معاهدات مع (المجد) و(البندقية) وهما من الإمارات الأوروبية المجاورة، ولكن هذه المعاهدات لم تصمد حينما بدأ الهجوم الفعلي على القسطنطينية.

وبعد إتمام كافة هذه التحضيرات، وفي تمام الساعة الواحدة صباحاً من يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى سنة 857هـ الموافق 29 مايو/أيار 1453م بدأ الهجوم العام على المدينة بعد أن أُصدرت الأوامر للمجاهدين الذين علت أصواتهم بالتكبير وانطلقوا نحو الأسوار، وخاف البيزنطيون خوفاً عظيماً وشرعوا بدق نواقيس الكنائس والتجأ إليها كثير من النصارى وكان الهجوم النهائي متزامناً برياً وبحرياً، وكان الهجوم موزعاً على كثير من المناطق، ومع استبسال البيزنطيين وشجاعة العثمانيين كان الضحايا من الطرفين يسقطون بأعداد كبيرة، بحسب ما يذكره الصلابي.

بعد دخول قلب المدينة توجه محمد الفاتح إلى كنيسة آيا صوفيا وقد اجتمع فيها خلق كبير من الناس ومعهم القسس والرهبان الذين كانوا يتلون عليهم صلواتهم وأدعيتهم، وعندما اقترب من أبوابها خاف النصارى داخلها خوفاً عظيماً، وفتح أحد الرهبان الأبواب له فطلب من الراهب تهدئة الناس وطمأنتهم والعودة إلى بيوتهم بأمان، فاطمأن الناس وكان بعض الرهبان مختبئين في سراديب الكنيسة فلما رأوا تسامح الفاتح وعفوه خرجوا وأعلنوا إسلامهم.

وأمر الفاتح بعد ذلك بتحويل الكنيسة إلى مسجد وأن يعد لهذا الأمر حتى تقام بها أول جمعة قادمة. وقد أعطى السلطان للنصارى حرية إقامة الشعائر الدينية واختيار رؤسائهم الدينيين الذين لهم حق الحكم في القضايا المدنية، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخرى ولكنه في الوقت نفسه فرض الجزية على الجميع.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!