ترك برس

قال الكاتب والباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج، إن هناك مؤشرات على انزعاج روسيا من التقارب التركي الأخير مع الولايات المتحدة وغيرها من بلدان المعسكر الغربي.

وأشار في مقال له على "الجزيرة نت"، إلى تعديل أنقرة مؤخراً، بوصلتها بتقارب أكثر مع الولايات المتحدة والغرب وعلى مسافة أوضح من روسيا، مبيناً أن قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" الأخيرة، وخصوصًا اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي الأميركي جو بايدن، شكلت مؤشرًا إضافيًّا على ذلك.

وعقب تسليطه الضوء على ماهية العلاقات التركية الروسية، والمبادئ التي قام عليه التقارب بين أنقرة وموسكو خلال السنوات الأخيرة، أكد الكاتب على أن هذا التقارب قائم على أساس إدارة الاختلاف لا التوافق.

وأضاف: "بالنظر إلى أن صفقة إس 400 الروسية تبدو العقبة الأكبر أمام تطوير علاقاتها مع واشنطن أخيرًا، وبعد أن كانت تركيا تتحدث عن احتمال إقبالها على صفقة ثانية من المنظومة نفسها، فقد أبدت مرونة كبيرة في هذا الملف، بدءًا من تأجيل تفعيلها وليس انتهاء بإبداء الاستعداد لمشاهد بديلة يمكن التوافق بخصوصها مع واشنطن التي ما زالت ترفض ذلك."

ولفت إلى أن تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بخصوص المنظومة والمتزامنة مع قمة الناتو، كانت لافتة في هذا الصدد. فقد قال أكار إن "الحلول المعقولة والمنطقية ممكنة دائمًا"، مشيرًا إلى أن "مساهمة تركيا في الناتو وتعاونها معه أعمق وأشمل بكثير من منظومة S400 ومقاتلات F35.

وشدد الحاج على أن كل هذه التوجهات والسياسات والتصريحات لم تمر على روسيا مرور الكرام، إذ يوحي عدد من التطورات حديثا بفتور في العلاقات ورسائل ضغط روسية على أنقرة.

وتابع قائلاً:

ذلك أنه فضلا عن تراجع وتيرة اللقاءات والتواصل بين بوتين وأردوغان في المرحلة الأخيرة على عكس السنوات القليلة الماضية، قررت موسكو في مايو/أيار الماضي وقف الرحلات السياحية إلى تركيا بدعوى جائحة كورونا، وهو أمر فهم منه رسالة سياسية بخصوص أوكرانيا تحديدًا، لا سيما أن روسيا هي الدولة الأكثر إرسالًا للسياح إلى تركيا، وكون السياحة ذات أهمية استثنائية للاقتصاد التركي، بخاصة في ظل الظروف الحالية.

كذلك فإن تزايد وتيرة الهجمات والقصف في الشمال السوري في الأسابيع القليلة الماضية، إن كان من قبل النظام أو المقاتلات الروسية أو قوات سوريا الديمقراطية التي ما زالت تحظى بغطاء روسي في تل رفعت، يمكن وضعه في سياق الرسائل الروسية تجاه تركيا. كما أن التعنت الروسي بخصوص تجديد استخدام معبر باب الهوى لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة السورية في الشمال يمكن تفسيره في بعض جوانبه بالطريقة نفسها.

أكثر من ذلك، ثمة تخوفات بأن تعمد روسيا -وأطراف أخرى- لتسخين الأوضاع في ليبيا لمزيد من الضغط على تركيا. وقد تواترت بعض المؤشرات على احتمال التصعيد في ليبيا قبيل عقد النسخة الثانية من مؤتمر برلين في الـ23 من يونيو/حزيران الجاري، ومن ذلك تصريحات لمعسكر حفتر واستعراضات عسكرية وقرار إغلاق الحدود مع الجزائر وغيرها.

وفي الخلاصة، لا تبدو العلاقات التركية-الروسية أخيرا بالدفء نفسه الذي عُرفت به خلال السنوات القليلة الماضية. وقد أسهمت قمة الناتو الأخيرة، بما تخللها من قرارات وتصريحات وإيحاءات، بزيادة الفجوة بين أنقرة وموسكو، رغم أنهما حريصتان على الإبقاء على المسار الإيجابي لهذه العلاقات لما تحققه من مكاسب كبيرة لكليهما وعلى تجنب الصدام المباشر.

بيد أن الضغوط الأميركية المتزايدة على أنقرة بخصوص العلاقات مع موسكو تجعل خيارات تركيا محدودة أكثر من السابق، ما قد يثير هواجس لدى روسيا ويدفعها لإيصال رسائلها بوسائل لا تفضّلها أنقرة، وهو أمر من شأنه توسيع الهوة أكثر فأكثر بين الجارَتيْن اللدودَتيْن أكثر من ذي قبل.

كما أشار الكاتب في مقاله إلى أن الفجوة بين أنقرة وموسكو كانت موجودة قبل قمة الناتو، غير أن روسيا سترسخها وتعمقها في ما يبدو.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!