د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

"حريم السلطان" دراما تركية تروي حقبة من حياة أحد أهم سلاطين الحكم العثماني سليمان القانوني، هذا المسلسل دشن قبل عقد الأعمال التلفزيونية التاريخية بهذا الحجم، لكنه لم يعجب الجناح المسلم في تركيا فتعرض لانتقادات حادة بسبب تغيير الحقائق والتلاعب بها وتحريفها لإرضاء المشاهد.

وربما هذا كان السبب الذي استفز قيادات "العدالة والتنمية" والأقلام المحسوبة على الحزب الحاكم للمطالبة بأعمال تلفزيونية تنقل الصورة الصحيحة للتاريخ التركي ولحياة السلاطين.

وهكذا كانت ولادة  مسلسلات ضخمة شهدت الرواج داخل تركيا وخارجها، وبدأت تنافس السينما العربية والغربية في أعمال مثل "أرطغرل" و"عثمان" و"السلطان عبد الحميد" و"السلاجقة"، الدور وصل هذه المرة إلى أسرة البحارة "بربروس" أبطال ورموز الهيمنة العثمانية على مياه البحر الأبيض المتوسط.

بدأت القناة الأولى في التلفزيون التركي الرسمي عرض هذا المسلسل الذي يروي قصة الإخوة الأربعة الذين صنعوا الملاحم والبطولات في المتوسط في عهد السلطانين سليم الأول وسليمان القانوني وحيث لاقت الحلقة الأولى من المسلسل التي بثت مساء الخميس المنصرم نسبة مشاهدة قياسية لا تقل عن غيرها من المسلسلات التاريخية التي دخلت ساحة المنافسة التلفزيونية في الأعوام الأخيرة .

أبرزت الحلقة قصة الإخوة أوروش وخضر وإسحاق وإلياس الذين تمكنوا من تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة عثمانية رغم كل التداخلات وصراعات النفوذ العربي والعثماني والأوروبي في المنطقة انطلاقا من مسقط رأسهم في جزيرة ميدللي في بحر إيجه التي أسهم والدهم في فتحها مع القوات العثمانية.

المسلسل سيتناول تحديدا الحقبة التاريخية التي عاشها أشهر بحارين في تاريخ الدولة العثمانية أوروش ريس وشقيقه هذر (خضر) خير الدين باشا اللذين حملا لقب "بربروسا " الكلمة اللاتينية التي تعني أصحاب الذقن الحمراء والتي اشتهرا بها إلى جانب العديد من الألقاب والتسميات التي أطلقت عليهما.

المسلسل من إخراج دوغان أوميت قراجة المشهور بإخراجه مجموعة من المسلسلات التركية، من بينها "وادي الذئاب" لبولات علم دار وحياة السلطان عبد الحميد. والبطولة هي للنجم التركي المعروف إنغين ألتان دوزياتان الذي لعب الدور الرئيسي في مسلسل "قيامة أرطغرل" هو هذه المرة يقوم بأداء شخصية البحار أوروش ريس.

لكن الشريك الآخر الذي ينافسه على البطولة أولاش تونا استابا وهو شقيقه الذي سيحمل لقب خير الدين باشا "بربروس" وهي التسمية التي أطلقت أولا على أوروش ثم احتفظ هو باللقب بعد وفاة شقيقه.

منذ عام تقريبا يواصل فريق العمل التحضير لهذا الإنتاج الضخم بموازنة قدرت بمئات الآلاف من  الدولارات وبمشاركة المئات من الممثلين والفنيين الذين تأخر عملهم بسبب تداعيات فيروس كورونا، وحيث تم التصوير على خط سواحل مدينة أنطاليا الجنوبية ومرمريس الغربية وإسطنبول حيث البلاتو الأساسي للعمل في بايكوز الساحلية.

مع إبداء الرغبة في تصوير أجزاء من المسلسل في عواصم عربية في شمال أفريقيا.

توقيت المسلسل لا يمكن فصله عن انطلاق الاصطفافات السياسية في شرق المتوسط واشتعال جبهات التنقيب عن الطاقة ورسم خرائط نقلها إلى أوروبا.

كما لا يمكن فصله عن المواجهة العلنية والحرب التي أعلنت في بعض العواصم العربية على المسلسلات التركية لأسباب سياسية وتجارية.

قال الرئيس التركي أردوغان وهو يتحدث عن مواجهات شرق المتوسط: "ها نحن بصدد اتخاذ خطوات جديدة ومختلفة في كل من ليبيا وشرق البحر المتوسط. ونأمل في أن يحقق جنودنا في شرق المتوسط ملاحم بطولية كتلك التي حققها خير الدين بربروس، وهم بالفعل سيواصلون كتابة تلك الملاحم ".

فهل من الممكن الفصل بين تطورات المشهد في المتوسط وإنتاج هذا العمل في هذه الفترة ؟

 

الكلام هذه المرة للمخرج المصري عادل أديب الذي يشرف على الأعمال الحربية والقتالية في المسلسل "استغرق التحضير لمشاهد الأكشن والمعارك البحرية في الحلقة الأولى فقط نحو شهرين من العمل. علينا أن نستعد جيدا وننجح في تجاوز الاختبار الأول والأهم في الانطلاقة ".

عندما كان الفنان المصري يشارك في العمل منذ أشهر كان يعرف جيدا أن هناك حملة أعلنت ضد المسلسلات التركية في القنوات العربية.

هو اختار السباحة في المسلسل بعكس التيار ونجح في كسب ترحيب مئات الآلاف من الأتراك بمهنية واحترافية وبعيدا عن السياسة.

"هناك 3 أنواع من البشر، هناك ملوك، والذين يخافون من الملوك، ومن يخيفون الملوك، ونحن من النوع الأخير" كما يقول أوروش ريس، وهذا ما فعله في رحلاته البحرية والفتوحات التي حققها والتي أرعبت ملوك وأباطرة العواصم والمدن الأوروبية المطلة على المتوسط بسبب عبقريته البحرية والحربية.

حمل السيناريو مع انطلاقة الحلقة الأولى الكثير من الإثارة والتشويق الذي تعود عليه عشاق المسلسلات التركية التاريخية.

أهميته الإضافية أنه يروي قصة الإخوة أوروش وخضر وإسحاق وإلياس، الذين قادوا عملية توحيد السفن الحربية العثمانية المشتتة في أكثر من مدينة ساحلية بين المتوسط وإيجه ومرمرة وتمكنوا من تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحر الدولة العثمانية مما جعلهم أشهر البحارة في  عام 1530 ومما جعل من حقبتهم تمثل العصر الذهبي في تاريخ البحرية العثمانية. يسعى القيمون على العمل لإشراك عواصم عربية ساحلية في شمال أفريقيا في أحداث الفيلم لما تحمله هذه المدن من أهمية كبيرة في حياة ملك البحار بربروس، الذي واجه الغزو الإسباني للجزائر في عامي 1516، و1517 وحيث خاض حروبا ضد الجيوش الأوروبية عندما طلب منه السلطان سليم الأول إنقاذ المسلمين من محاكم التفتيش الإسبانية وانتصر عليهم.

 وحيث إن رفاة أوروش هي في الجزائر ورفاة شقيقه خير الدين في إسطنبول .

بعد وفاة السلطان سليم الأول خلفه السلطان سليمان القانوني الذي أمر بمدّ بربروس بالسلاح والرجال. وعهد إليه بإعادة تنظيم الأسطول الحربي العثماني والإشراف على بناء سفن جديدة، ووكّل إليه مهمة ضم مدن ساحلية جديدة إلى الدولة العثمانية لأهمية موقعها.

أنقذ بربروس آلاف المسلمين في معاركه التي خاضها ضد الجيوش الإسبانية والبرتغالية والإيطالية وسفن القديس يوحنا، وقاد حملة الدفاع عن السواحل الفرنسية المطلة على المتوسط في مرسيليا كما يوجد على قمة بناء بلدية مدينة ليدن الهولندية تمثال لخير الدين بربروس، نتيجة دفاعه عن الهولنديين في وجه إحدى الحملات الإسبانية.

سنتابع في الحلقات المقبلة حتما ملاحم البطولة التي رسمها بربروس عام 1538 في معركة بريفيزا ضد بحرية التحالف الأوروبي بقيادة أندريا دوريا والتي غيرت مسار لعبة التوازنات البحرية في المتوسط لسنوات طويلة وحيث شهدت الإمبراطورية العثمانية ألمع أيامها خلال هذه الفترة بعدما قاد أوروش الأسطول التركي مع شقيقيه اللذين حولا المتوسط الى بحيرة تركية.

عندما قررت العودة إلى تركيا والاستقرار نهائيا فيها في أواخر الثمانينيات لم يكن هناك خيارات تلفزيونية كثيرة بين الحكومي والخاص، وكانت شقيقتي الكبرى تتابع من ماردين الحدودية المسلسلات البرازيلية المدبلجة والعربية في التلفزيون السوري. لا حاجة لسؤالها عما تتابعه اليوم على القنوات التركية لأن المشاهد العربي هو الذي سيجيب. لماذا تقرر شركة تلفزيونية إسبانية خاصة مؤخرا شراء حقوق نشر مسلسل "على مر الزمان" الذي تم إنتاجه قبل عقد مثلا؟

حلقت المسلسلات التركية عاليا في سماء الدراما العالمية، منتشرة بسرعة كبيرة في السنوات الأخيرة. يقول الرئيس أردوغان، في أحد خطاباته إن المسلسلات التركية باتت تحظى بمشاهدة 500 مليون شخص في 156 دولة.

هذه المرة تعرض شخصية أوروش ريس وشقيقه خضر بعيون تركية وكما هي في الأرشيف العثماني والعربي بعدما تعرضت للكثير من التحريف والافتراء والتشويه كان آخرها إبراز شخصية بربروسا في الغرب على أنه صاحب اللحية البرتقالية اللون والعين الواحدة والقدم الخشبية والقرصان الدموي.

 

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس