ترك برس

بدأ الأتراك، الأسبوع الماضي، بإحياء الذكرى الـ 107 لمعركة "صاري قامش" التي شهدت مواجهة بين القوات العثمانية ونظيرتها الروسية، حيث كان النصر حليف أبناء الأناضول في البداية، قبل أن تنال الثلوج منهم في جبال "الله أكبر" المرتفعة عن سطح البحر أكثر من 3 آلاف متر.

ونشبت معركة صاري قامش، بين الجيشين العثماني والروسي شرقي الأناضول عام 1915 من أجل استعادة الأراضي التي فقدها العثمانيون لصالح الروس، وتعتبر من الملاحم البطولية التي لم يتصدَّ خلالها الأتراك للغزو والاحتلال الروسي وحسب، بل واجهوا البرد القارس والثلوج أيضاً.

ونتيجة الأخطاء العسكرية التكتيكية بجانب درجات الحرارة المنخفضة جداً وغير المتوقعة، انتهت الحملة العسكرية نهاية تراجيدية، إذ توفي خلالها عشرات آلاف الجنود العثمانيين من شدة البرد، كما أُسِر آلاف آخرون ليلقوا حتفهم فيما بعد في منافيهم بسيبيريا وأوكرانيا، بحسب تقرير "TRT عربي."

وفي أعقاب حرب "93" التي وقعت بين عامي 1877 و1878 بين الإمبراطوريتين العثمانية والروسية، تمكن الجيش الروسي من احتلال أراضٍ عثمانية على حدود الإمبراطورية الشرقية، مثل باتومي وقارص وأردهان، بالإضافة لصاري قامش.

ولأجل تحرير هذه الأراضي وإعادتها تحت مظلة الحكم العثماني، صدرت الأوامر إبان الحرب العالمية الأولى بتجهيز جيش يقوده أنور باشا من أجل هذه الغاية.

وعلى الرغم من تحذير القادة العسكريين في الجيش العثماني من خطورة شنّ هجوم بسبب الشتاء القارس الذي يضرب المنطقة في ذلك الوقت من العام، إلا أن أنور باشا تمسّك بموقفه، وقال كلمته الشهيرة: "لا يمكن تحقيق النصر دون اقتحام المخاطر".

يُذكر أن الهجوم الذي شنه الروس يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1914 وما نتج عنه من احتلال مزيد من الأراضي العثمانية، كان بمثابة الدافع لأنور باشا إلى مواصلة التقدم وإشعال المعارك من ثلاثة محاور مختلفة من أجل استعادة محافظتي أرداهان وقارص.

إبان الحرب العالمية الأولى، وفي منطقة صاري قامش التابعة حالياً لوﻻية قارص، اندلعت المواجهة الأولى بين الجيشين العثماني والروسي شرقي الأناضول، واستمرت في الفترة من 22 ديسمبر/كانون الأول 1914، إلى 17 يناير/كانون الثاني 1915.

وغيّر الهجوم الذي مر بنجاح في اليومين الأولين، مساره بسبب الظروف الجوية السيئة بجانب الهجوم الروسي العنيف. فقد اشتد الشتاء في ليلتي 3 و4 يناير/كانون الثاني 1915، وسد الثلج الذي سقط مع العاصفة الطرق ودمر الخيام، الأمر الذي حول التقدم العثماني إلى مأساة كاملة خلال الأيام القليلة اللاحقة.

فإلى جانب انضمام فرقتان أرمينيتان من سكان المنطقة إلى الجيش الروسي، هاجمت البحرية الروسية السفن العثمانية القادمة من إسطنبول، والتي كانت تحمل الإمدادات العسكرية والغذاء والملابس الشتوية، وأغرقتها في مياه البحر الأسود، ما أثر سلباً على إمكانية صمود العثمانيين في الحرب ضد الروس.

انتهت الحملة العسكرية نهاية مأساوية بالنسبة للأتراك، إذ بلغ عدد الشهداء في صفوف الجيش العثماني حوالي 78 ألفاً، 60 ألفاً منهم تجمدوا حتى الموت في جبال "الله اكبر" بالقرب من صاري قامش. فيما مات ما لا يقل عن 32 ألف جندي روسي.

وكان أنور باشا يهدف إلى ضرب الروس بقوة كبيرة من مكان غير متوقع، عبر عبور جبال "الله أكبر" التي يبلغ ارتفاعها 3 آلاف متر في بعض الأماكن، لكنه تجاهل أن معظم الجنود المشاركين في الحملة كانوا قد جاءوا من الصحراء ويرتدون الزي الصيفي. وما أن هبت العاصفة الثلجية وانخفضت درجة الحرارة إلى 30 درجة تحت الصفر، حتى قضى ما لا يقل عن 37 ألف جندي عثماني بسبب قضمة الصقيع والتيفوئيد في الأيام الأولى.

لم تقف خسائر العثمانيين على حد الشهداء وحسب، فقد استطاع الروس أسر 7 آلاف جندي وقرابة 200 ضابط، ومن ثم اقتادوهم إلى سيبيريا وأوكرانيا. فيما تشير المصادر التاريخية إلى أنهم أودعوا في مزارع للخنازير ليلقوا حتفهم جميعاً بسبب الجوع والعطش والبرد.

وتجدر الإشارة إلى أن صاري قامش وقارص قد استعيدت في مارس/آذار 1918 بموجب معاهدة بريست ليتوفسك، ولكنهما فقدتا مجدداً في شهر أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام بعد أن أعيدت الحدود القديمة وفقاً لمعاهد موندروس. وبقي الحال هكذا إلى أن استعيدت بشكل نهائي رفقة أردهان خلال حروب التحرير والاستقلال التركية بين عامي 1919 و1923 بقيادة مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

ويحيي الأتراك سنوياً، ذكرى "صاري قامش" بفعاليات مختلفة تستمر من نهايات ديسمبر/كانون الأول إلى منتصف يناير/كانون الثاني، ويتخللها بالعادة صنع تماثيل من الثلج لشهداء الملحمة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!