ترك برس

في مشهد يجسّد مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، أكد تقرير بريطاني أن الأزمة القائمة بين روسيا وأوكرانيا، حسّنت من علاقة تركيا بحلف شمال الأطلسي "ناتو"، بعد أن كان التوتر يسودها طيلة السنوات الماضية لعدد من الأسباب.

وحشدت روسيا مؤخرًا عشرات الآلاف من القوات بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، ما أثار مخاوف من أن الكرملين يخطط لهجوم عسكري آخر ضد جارته السوفيتية السابقة.

ونفت موسكو أي استعدادات للهجوم على أوكرانيا، وقالت إن قواتها موجودة هناك لإجراء تدريبات.

وأكد تركيا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، في أكثر من مناسبة، استعدادها للتوسط بين موسكو وكييف واستضافة زعيمي البلدين في أنقرة، لإيجاد حلّ للأزمة، الأمر الذي استقبلته روسيا وأوكرانيا بالترحيب.

تقرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني والذي حمل توقيع لشون ماثيوز، أفاد بأن موقف تركيا من التوتر الحاصل بين روسيا وأوكرانيا، ألقى بظلاله بشكل إيجابي على علاقة تركيا مع أعضاء "ناتو".

وأشار التقرير إلى أنه و"على مدى سنين، هيمن التوتر على العلاقات بين تركيا والدول الأعضاء في الناتو، ولكن مع التهديد الروسي بغزو أوكرانيا، وجدت أنقرة نفسها مؤخراً في وضع أكثر تماسكاً وانسجاماً مع شركائها في التحالف"، بحسب ما ترجمه موقع "عربي 21."

وأضاف: "ومثلها مثل البلدان الأخرى في المنطقة، تراقب تركيا بعناية فائقة الأزمة على امتداد حدودها مع جارتها الواقعة على سواحل البحر الأسود."

وفيما يلي النص الكامل للتقرير:

لقد حاول أردوغان في الأسبوع الماضي إقناع الروس بعدم القيام بالغزو قائلاً: "أوكرانيا ليست بلداً عادياً، بل أوكرانيا بلد قوي". ثم عرض التوسط بين كييف وموسكو، وقال إنه يخطط لزيارة أوكرانيا في الثالث من فبراير/ شباط.

وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال مسؤول أوروبي في الناتو، مشترطاً عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: "تقدم تركيا نفسها {أثناء هذه الأزمة} باعتبارها حليفا مهما ومحل ثقة".

وكان النقاد قد أشاروا إلى أن تركيا في عهد أردوغان، ورغم أنها تملك ثاني أكبر جيش في ناتو، ما فتئت تبتعد شيئاً فشيئاً عن التحالف، وربما بشكل لا يمكن التراجع عنه.

وكانت تركيا قد تعرضت للنقد الشديد في الغرب؛ بسبب قيامها بغزو سوريا، ناهيك عن اشتباكها بشكل علني في شرقي المتوسط مع حلفاء الناتو اليونان وفرنسا. ثم تعرضت للنقد ثانية؛ بسبب قمعها للمخالفين داخل البلاد.

ثم تفاقم الشقاق بسبب تقارب أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية إس-400، وهو التحرك الذي نجم عنه إخراج تركيا من برنامج تصنيع المقاتلات الأمريكية من طراز إف-35.

وكان أردوغان قد أعرب عن شعوره بالأسى بعد إعلان الولايات المتحدة عن ذلك الإجراء في العام الماضي قائلاً: "تفرض على بلدنا العقوبات، ونحن عضو في الناتو. أي نوع من التحالف هذا؟"

شغل في الصميم من ناتو

ما وراء الخلافات المتقدة برزت أنقرة، تحفزها على ذلك المخاوف المتعلقة بأمنها هي، كنصير مهم للحكومة الموالية للغرب في كييف.

لقد التقى أردوغان بنظيره الأوكراني فلودومير زلنسكي على الأقل خمس مرات منذ عام 2019، ولم يلتق زلنسكي خلال نفس الفترة بأي زعيم آخر مثل هذا العدد من المرات. كما تعهد أردوغان على الملأ بالحفاظ على سلامة أراضي أوكرانيا، وقاوم المناشدات الروسية بأن تعترف تركيا بشرعية ضم شبه جزيرة القرم.

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال ستيفن فلانغان، كبير الباحثين السياسيين في مؤسسة راند: "لم يتراجع الأتراك عن دعمهم الثابت لأوكرانيا، وذلك بالرغم من أن روسيا غير سعيدة بذلك. ولم تزل تركيا من بين أكثر الدول دعماً لأوكرانيا".

وفي عام 2019، وفي تحرك أسخط الروس، بدأت تركيا ببيع الطائرات المسيرة المسلحة لأوكرانيا. ثم ما لبث البلد أن استخدمها لشن هجمات موجهة بعناية فائقة ضد الانفصاليين المدعومين روسياً في شهر أكتوبر/ تشرين الأول. ويتم حالياً العمل على تنفيذ خطط لإنشاء مصنع لإنتاج الطائرات المسيرة من طراز بيرقدار تي بي 2 داخل أوكرانيا.

يقول جيمز جيفري، السفير الأمريكي السابق لدى تركيا، والذي يعمل حالياً مع مركز ويلسون للبحث والتفكير في واشنطن العاصمة، إن البيت الأبيض ما فتئ يعمل بهدوء مع تركيا على مستوى العلاقات الثنائية وعلى مستوى الناتو.

ويضيف: "واشنطن والناتو كلاهما يعترف بالدور الهام الذي تلعبه تركيا في الأزمة الأوكرانية، إلا أن الخوف من تقلب أردوغان المفاجئ يحول دون تتويج ذلك بإقرار علني".

يبدو أن أكبر تحد حتى الآن يواجه جهود الناتو لإظهار جبهة موحدة يأتي من الغرب وليس من الشرق.

فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي تشاجر مع أردوغان مراراً وتكراراً، كان من المفروض أن يتصل هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة. ولقد أرقت تصريحاته حول ضرورة أن تنتهج أوروبا سياسة منفصلة تجاه روسيا أعضاء الناتو الآخرين المقربين من أوكرانيا.

في نفس الوقت، تم انتقاد ألمانيا؛ لأنها لم تتخذ موقفاً واضحاً تجاه خط أنابيب نورد ستريم 2، والذي من المقرر أن ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا ويتفادى أوكرانيا. كما تخاصمت مع أعضاء أخرين في الناتو؛ لرفضها تصدير الأسلحة الفتاكة إلى كييف.

وعن ذلك قال المسؤول في الناتو: "بإمكانك أن ترى بعض عناصر التوتر بين البلدان في أوروبا (حول أوكرانيا)، إلا أن تركيا لم تكن واحدة منها."

وأضاف: "بينما لا تراها تتردد في الحديث علانية عن الخلافات التي قد تطرأ بينها وبين أعضاء التحالف الآخرين، عندما يتعلق الأمر بأعمال تتعلق بصميم الناتو، فإن تركيا لم تكن يوماً عقبة في طريق ذلك".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!