سعيد الحاج - عربي 21
منذ الانتخابات البلدية في تركيا عام 2019، يطرح اسم رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو كمرشح محتمل بل وقوي للانتخابات الرئاسية في 2023. ويأتي هذا الطرح من باب نجاحه في الفوز بالبلدية الأهم والأكبر في البلاد، والتي تضم زهاء خُمْس السكان، وبالتالي استحقت شعار "من يكسب إسطنبول يكسب تركيا، ومن يخسرها يخسر تركيا" كتعبير مجازي عن أهميتها.
كما أن الأمر يعود في جزء منه إلى استعادة سيرة أردوغان السياسية، حيث فاز برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى في تسعينات القرن الماضي قبل أن يؤسس حزب العدالة والتنمية ويحكم تركيا من خلاله، منذ عام 2002 وحتى اليوم.
طُرحَ اسم إمام أوغلو مؤخراً أكثر من مرة كمرشح محتمل للمعارضة في الرئاسيات المقبلة، لا سيما من قبل الحزب الجيد شريك الشعب الجمهوري في التحالف المعارض، حيث أن بعض مواصفات المرشح التوافقي للمعارضة متوفرة فيه إلى حد كبير. فهو عضو في الشعب الجمهوري، وليس من الشريحة العلمانية المتشددة فيه، وبالتالي لا يتناقض كثيراً مع الشريحة المحافظة من الشعب بل يتقصد أن يضع نفسه في قالب "ابن عائلة محافظة"، ويحظى بثقة الحزب الجيد، وله علاقات طيبة مع حزب الشعوب الديمقراطي ذي الميول القومية الكردية.
لكن، ورغم كل ذلك، هل أكرم إمام أوغلو هو المرشح النموذجي والأقوى لمنافسة أردوغان في الانتخابات المقبلة فضلاً عن أن يهزمه فيها؟
في المقام الأول، التاريخ لا يعيد نفسه. وإن كان أردوغان ولج إلى حكم تركيا من بوابة البلديات فهذا لا يعني أن ذلك أمر يمكن تكراره، فتلك مرحلة كان لها ظروفها وسياقاتها، فضلاً عن أن أردوغان كان سياسياً بل وقائداً بالفطرة وتدرج في العمل السياسي منذ صغره، وكانت البلدية مجرد محطة عابرة في مسيرته، ولم تكن لوحدها سبب نجاحه والتفاف الشعب حوله.
ثم إنه من المهم النظر إلى نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول عام 2019 على أنها خسارة للعدالة والتنمية أكثر من كونها فوزاً لإمام أوغلو. فتصويت سكان إسطنبول كان عقابياً للحزب الحاكم بشكل واضح، على إقالة رئيس البلدية الأسبق قدير طوباش، وعلى إدارة البلدية بعده، وعلى بعض السياسات الحكومية، وعلى المرشح بن علي يلدريم، وأخيراً على الإصرار على إعادة الاقتراع بذريعة أن المعارضة "سرقت أصواتنا".
ثالثاً، كان إمام أوغلو منذ البدايات رجلاً تنفيذياً نجح في بلدية فرعية في إسطنبول (حي بيليك دوزو) ولم يكن يعد بمستقبل سياسي باهر، لا سيما على مستوى رئاسة البلاد.
ثم إن أداء الرجل في رئاسة البلدية بعد سنتين ونصف من الانتخابات لا يشي بنجاح لافت ولا قدرات فائقة، بل إن العاصفة الثلجية الأخيرة أظهرته كرئيس فشل في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة العاصفة، ثم في معالجة آثارها والقيام بواجباته. أكثر من ذلك، بدا الرئيس مستهتراً حين اجتمع في وقت ذروة العاصفة ومعاناة المواطنين مع السفير البريطاني لثلاث ساعات متواصلة، ثم خرج ليبرر ذلك بأن "لقائي مع السفير لا يقل أهمية عن مكافحة آثار الأزمة"، مدعياً أن "كل شيء سار على ما يرام" ليلتها، وهو أمر لا يوافقه عليه كثيرون.
يحاجج إمام أوغلو بأنه يُحارب من قبل الرئيس وأن الحكومة لا تتعاون معه وأن الميزانيات لا تكفيه، وغير ذلك من الذرائع، ولكن - وبغض النظر عن ردود الحكومة على ذلك كما جاء على لسان اردوغان نفسه - إلا أن بعض الكتاب ذكّروه بأن أردوغان الذي يريد منافسته نجح ولمع اسمه في ظروف أصعب بكثير من ظروفه هو الحالية.
ولعل إحدى أهم العقبات أمام ترشح الرجل هو عدم موافقة حزبه، أو بالأحرى رئيس حزبه كمال كليتشدار أوغلو، حيث يملك الأخير هذا القرار وفق قانون الأحزاب والعرف السياسي في البلاد. وفق المعلن، لا يريد الأخير أن يخسر حزبه رئاسة بلدية إسطنبول لصالح العدالة والتنمية، حيث سيضطر إمام أوغلو للاستقالة منها للترشح للرئاسة، والعدالة والتنمية يملك الأغلبية في مجلس البلدية وبالتالي سيكون الرئيس المقبل منه، وقد لا يجد الحزب المعارض أفضل من إمام اوغلو لخوض الانتخابات البلدية التالية. أما وراء الكواليس، فقد لا يريد رئيس الحزب أن يترشح شخص غيره، حيث لمح أكثر من مرة لرغبته في خوض السباق الانتخابي، لا سيما وأن فرص المعارضة هذه المرة أفضل بكثير من المنافسات السابقة.
ثمة شيء أخير يرتبط بالدعم الخارجي، حيث لا تخفى محاولات تلميع الرجل وإظهاره كمرشح قوي قادر على منافسة أردوغان وهزيمته، رغم أن استطلاعات الرأي تعطي شخصيات مثل رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش والرئيس الأسبق عبد الله غل فرصاً أفضل منه. أحد تمظهرات هذا الدعم هو حرص رئيس البلدية على اللقاء بسفراء الدول الغربية، رغم أنه لا علاقة عمل مباشرة له معهم، وأهمها اجتماعه مع السفير البريطاني ثم الأمريكي الذي تسلم مهامه قبل أيام فقط.
ورغم ذلك، فإن من يعرف السياسة في تركيا ويدرك ديناميات الانتخابات يعلم أن العامل الخارجي هامشي جداً فيها، وليس عنصراً حاسماً ولا حتى مرجِّحاً. صحيح أنه قد يكون مؤثراً على قرار الحزب والمعارضة وتحديد اسم المرشح، لكن تأثيره على النتيجة النهائية محدود جداً، وقد ثبت ذلك في أكثر من استحقاق انتخابي في السنوات القليلة الماضية.
أخيراً، لا يعني كل ما سبق استحالة ترشح إمام أوغلو، لكنه يقول إنه خيار غير واقعي وفق المعطيات الحالية وإن حاول البعض فرض ذلك، وإنَّ فرصَهُ في الفوز إن ترشح ليست كبيرة كما يحاول البعض أن يوحي.
لكن من المهم الإشارة إلى أن الوقت ما زال باكراً جداً للجزم بخصوص الانتخابات، الأصعب على أردوغان والعدالة والتنمية منذ التأسيس، إذ أنه من الصعب التوقع والاستشراف بدقة قبل تبلور التحالفات النهائية قبيل مشهد الانتخابات، والتي ستفرض بدورها اسم المرشح التوافقي للمعارضة، هذا إن استطاعت أحزاب المعارضة الرئيسة التوافق خلف مرشح واحد يمثلها جميعاً، وهو تحد صعب قد لا تنجح به وإن رغبت وسعت، كما فصّلت في مقال سابق لي حول الأمر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس