إسماعيل ياشا - عربي21

أشارت نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا في تركيا، إلى ارتفاع في شعبية رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، ما بين 3 و5 بالمائة، في ظل اجتماع أحزاب المعارضة لإسقاطه في الانتخابات الرئاسية المقبلة المزمع إجرؤها في صيف 2023.

الظروف التي خلقتها جائحة كورونا والإغلاقات أدَّت إلى ارتفاع الأسعار والتضخم، وأثقلت كاهل المواطن، ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد الطين بلة. وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي أسباب ارتفاع شعبية أردوغان في هذه الظروف المعيشية القاسية التي يفترض أن تجعل المواطن غاضبا على الحكومة؟

هناك عوامل وتطورات عديدة يمكن عدها كأسباب لهذا الارتفاع، ولعل أهمها موقف أنقرة من الغزو الروسي لأوكرانيا والجهود الدبلوماسية التي تبذلها لإنهاء الحرب. ومن المؤكد أن نجاح تركيا في تحقيق التوازن بين علاقاتها مع كل من روسيا وأوكرانيا، وجمع الطرفين المتقاتلين في أنطاليا وإسطنبول، لعب دورا في ارتفاع شعبية رئيس الجمهورية التركي. وهذا ما أشار إليه الإعلامي المعارض خولقي جويز أوغلو، بقوله: إن أردوغان أظهر أمام العالم تجربته الواسعة في الزعامة، وضمن الفوز في الانتخابات الرئاسية بمبادراته الأخيرة في مجالات الدبلوماسية والطاقة.

معظم الأتراك لا يريدون أن تتورط بلادهم في صراعات الآخرين، ويقدرون حفاظ أنقرة على علاقاتها مع موسكو لحماية مصالح تركيا، وعدم الإصغاء إلى مطالبة المعارضة بفرض عقوبات على روسيا. كما ترى نسبة منهم ليست بقليلة أن تركيا أخطأت حين فتحت حدودها أمام اللاجئين السوريين، ودفعت ثمن ذلك غاليا. وينتظر هؤلاء من الحكومة أن تعطي الأولوية للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها ومصالحها القومية، بالإضافة إلى الانشغال بهموم المواطنين وحل المشاكل الاقتصادية. وتجبر هذه الرغبة الشعبية الحكومة على الاستماع إلى صوت الشارع، ومراجعة حساباتها، وتبني سياسة "تركيا أولاً"، لكسب ود الناخبين وأصواتهم في الانتخابات القادمة التي يرى كثير من المحللين أنها مصيرية.

اتجاه أنظار العالم نحو تركيا بسبب الجهود الدبلوماسية التي تبذلها أنقرة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية يشكَّل عاملا آخر يؤدي إلى ارتفاع شعبية أردوغان، حيث يرى الأتراك زيارات مسؤولين أجانب كبار لبلادهم، ويشاهدون ارتفاع مكانة تركيا الاستراتيجية في التوازنات الدولية والإقليمية، ويسمعون ثناء هؤلاء المسؤولين على دور الوسيط الذي تلعبه تركيا من أجل إحلال السلام في أوكرانيا، كما أنهم يقرؤون ما يكتبه الإعلام العالمي حول النجاح الذي تحققه المسيرات التركية في ميدان المعركة ضد القوات الروسية، ويستمعون إلى "أغاني بيرقدار" التي يتغنى بها الأوكرانيون. وأعرب كثير من المعارضين للحكومة عن افتخارهم بالمشهد الذي أظهر وقوف أعضاء الوفدين الروسي والأوكراني أمام رئيس الجمهورية التركي ويصفقون لكلمته التي ألقاها في مستهل مباحثات الوفدين بإسطنبول.

ومن العوامل التي أدَّت إلى ارتفاع شعبية أردوغان فشل المعارضة في إقناع الشارع التركي بأنها ستحل مشاكل البلاد، وستقدم إلى الشعب التركي خدمات ومشاريع أفضل من تلك التي قدمها أردوغان خلال عقدين. وعلى الرغم من تحالف ستة أحزاب معارضة لإسقاط رئيس الجمهورية عبر صناديق الاقتراع، إلا أن الرأي العام التركي يرى أن ما يجمع كل تلك الأحزاب التي تتبنى آراء وسياسات مختلفة هو كره أردوغان فقط، كما أن التحالف المعارض الذي لم ينجح حتى الآن في تحديد مرشحه لرئاسة الجمهورية، يعاني من مشاكل داخلية، في ظل اشتداد التنافس بين رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش.

الصحفي التركي المقرب من حزب الشعب الجمهوري، جان أتاكلي، لفت إلى خلافات تهدد وحدة التحالف المعارض، ونقل عن مصادر سماها مطلعة على ما يجري في اجتماعات الأحزاب الستة، أن رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو طالب بأن تكون جميع الأحزاب متساوية داخل التحالف في التمثيل والثقل واتخاذ القرار، دون النظر إلى شعبيتها، إلا أن رئيس حزب السعادة، تمل قراموللا أوغلو رفض ذلك قائلا: إن الأحزاب الصغيرة، بما فيها حزبه، يجب أن تعرف حجمها وحدودها، كما أن رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان، طلب من التحالف أن يتعهد مسبقا بتعيينه نائب رئيس الجمهورية، في حال فاز مرشح التحالف برئاسة الجمهورية، إلا أن قراموللا أوغلو رفض أيضا هذا الطلب.

أحزاب المعارضة تسعى إلى إظهار التحالف أمام الرأي العام منسجما في داخله، إلا أن تلك المساعي تتحول إلى مسلسل كوميدي على غرار مسلسل "الاختيار ـ 3" المصري الذي يزيف التاريخ القريب، لأن الشعب التركي شاهد على حقائق ما جرى بالأمس في البلاد.

وفي محاولة للتودد إلى مؤيدي حزب الشعب الجمهوري، لبس داود أوغلو قبعة تحمل توقيع أتاتورك وتشبه القبعة التي كان يلبسها مؤسس الجمهورية، إلا أن مؤيدي حزب الشعب الجمهوري سخروا منه وقالوا في تعليقاتهم على تلك الصورة إن مثل هذه الحركات لن تنطلي عليهم. كما أن كيليتشدار أوغلو بدأ في الآونة الأخيرة يثني على رئيس الوزراء الأسبق، نجم الدين أربكان، للحصول على أصوات محبيه، إلا أن الشعب التركي ما زال يذكر أن قادة حزب الشعب الجمهوري ونوابه، بمن فيهم كيليتشدار أوغلو نفسه، كانوا بالأمس قد تقدموا إلى المحكمة الدستورية بطلب إلغاء التعديلات القانونية التي أنقذت أربكان من دخول السجن، وكانوا يلحون على معاقبته بالسجن، رغم كبر سنه، نكاية به وانتقاما من نضاله السياسي.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس