ترك برس - تي آر تي عربي
يُحكى أن الشاب أوليا شلبي ذو الـ 19 ربيعاً قد رأى في منامه في ليلة عاشوراء من عام 1630 النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسط جمع كبير في جامع "أخي شلبي" في مدينة إسطنبول، وبدلاً من أن يطلب منه الشفاعة تلعثم لسانه وطلب "السياحة"، فكانت له.
عقب رؤياه بفترة قصيرة، غادر أوليا شلبي القصر على ظهر حصانه عام 1630 وبدء رحلته التي استمرت أكثر من نصف قرن زار خلالها 257 مدينة في 47 دولة داخل وخارج حدود الدولة العثمانية. وبينما قدم معلومات مفصلة عن البلدان التي زارها من ناحية المناخ والسكان والنظام الاقتصادي والعادات والتقاليد في كتابه "سياحت نامة"، خلد أيضاً كل شيء لاحظه على خريطة طولها نحو ستة أمتار.
وذاع صيت أوليا شلبي بين الأتراك بوصفة الراحلة العثماني الأشهر واعتبروه رمزاً لأدب الرحلات، حاله كحال نظرائه العرب والمسلمين، وبالأخص الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة. وسبق وأن احتفت به وبجهوده منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، واعتبره الاتحاد الأوروبي ضمن عشرين شخصية خدمت الثقافة الإنسانية.
المولد والنشأة
ولد محمد ظلي أفندي في إسطنبول يوم 25 مارس/آذار 1611 لعائلة من كوتاهية (وسط الأناضول) واستقرت في إسطنبول بعد فتحها على يد محمد الفاتح. كان جده حاملاً للواء السلطان محمد الثاني فاتح القسطنطينية، ووالده كان جواهري البلاط السلطاني وكان يصحب السلطان سليمان القانوني في حملاته العسكرية. أما أمه فكانت أُختاً للصدر الأعظم.
أما اسم أوليا فليس اسمه الشخصي، وإنما هو اسمه المستعار الذي اشتهر به، والذي اتخذه على اسم مرشده وإمامه في البلاط السلطاني "أوليا محمد أفندي"، تبجيلاً واحتراماً له.
وفي طفولته، درس أوليا 7 سنوات في مدرسة شيخ الإسلام حامد أفندي، وعمل على حفظ القرآن الكريم على يد أستاذه أوليا محمد أفندي، ثم درس العلوم الأخرى على يد حسين أفندي الجني، وتعلم من والده أيضاً حسن الخط وفنون الزخرفة والشعر، بالإضافة إلى العديد من الفنون الأخرى.
وفي أثناء دراسته في مسجد آيا صوفيا، تعرف أوليا شلبي على السلطان مراد الرابع الذي أُعجب بصوته في تلاوة القرآن فرفعه إلى قصره فعيّنه في مستودعات القصر السلطاني. وبعد أن عمل فيها 4 سنوات، انتقل إلى فرقة الفرسان، الأمر الذي ساعده على توسعة آفاقه ومعارفه وتنمية قدراته الأدبية والإدارية.
ارتحل أكثر من نصف قرن
سعياً وراء حلمه، ترك حياة القصور عام 1630 وانطلق في رحلة لرؤية العالم من حوله والاطلاع على عادات الناس وتقاليدهم من كثب. فبدأ رحلته من إسطنبول، ثم انتقل منها إلى مدن الأناضول القريبة، ومنها إلى العالم، حيث تجول في قارات العالم القديم الثلاث مسجلاً عنها معلومات موجزة في كتابه "سياحت نامة"، أحد أهم كتب الرحلات التاريخية.
استمرت رحلته نحو 51 عاماً زار خلالها معظم مناطق العالم الإسلامي وأوروبا. وخلال رحلاته رافق الجيوش العثمانية إلى الشرق والغرب، واستطاع أن يرى أكثر بلاد الأناضول والروم والقوقاز، ووصل إلى جزيرة كريت، وجال في إيران وفيينا وألمانيا والسويد، وهولندا وبولندا وروسيا وهنغاريا وبلغاريا واليونان والبوسنة وبلاد الشام والعراق والجزيرة العربية ومصر وغيرها.
وفي كتابه، دون أوليا شلبي تفاصيل رحلاته بشكل دقيق وموسع يحوي تفاصيل غزيرة لمشاهدات رحالة يقظ ذكي سدّت نقصاً كبيراً في المعلومات عن تلك البلاد، ما جعل منه محل اهتمام المؤرخين والمهتمين بالآثار، وبالأخص الإسلامية التي سجل جميع تفاصيلها بدقة غير مسبوقة.
"سياحت نامة"
بفضل كتابه "سياحت نامة"، أي كتاب السفر، المكون من عشرة مجلدات تحتوي على عشرة آلاف صفحة، فهو من أغزر المؤلفين العثمانيين إنتاجاً.
ولا يقتصر كتاب أوليا شلبي على وصف الأماكن التي زارها وحسب، بل يزود القارئ بمعطيات مهمة عن عادات الشعوب التي زارها وتجول بها، بالإضافة إلى سرد أحوالها الفكرية والاجتماعية ونظم حكوماتها، بجانب منشآتها وآثارها القديمة التي أولاها قدراً كبيراً من اهتمامه.
وإلى جانب الآثار، سجل شلبي أيضاً الحياة الاجتماعية والوصف الجغرافي، وحتى العادات والأمراض المنتشرة وطرق علاجها في الأماكن التي زارها طول 51 عاماً. ما جعل كتاب "سياحت نامة" يحظى باهتمام الأطباء، بالإضافة إلى المستشرقين والمؤرخين والجغرافيين والمختصين في علم الاجتماع.
ونظراً إلى أهميته، تُرجم كتاب أوليا شلبي إلى الألمانية والروسية والإنجليزية والفرنسية والمجرية والبلغارية والصربية واليونانية والأرمنية، إضافة إلى ترجمة عربية لبعض صفحاته.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!