ياسين أقطاي - الجزيرة نت

في هذه الأيام التي دخلت فيها الانتخابات الرئاسية في تركيا عامها الأخير؛ ليس من الواضح حتى الآن من الذي سينافس ضد الرئيس رجب طيب أردوغان المعروف ترشحه منذ مدة طويلة، وسبق أن أشرنا إلى الصعوبات التي يواجهها تحالف المعارضة في هذا الصدد؛ حيث إنه لم تتم الموافقة على ترشيح أي من قادة الأحزاب الستة من قبل الأحزاب الأخرى.

فإما أن يكون كل منهم مرشحًا، وسيتفق الآخرون حينها على الشخص الذي سيحصد أكبر عدد من الأصوات في انتخابات الجولة الثانية. وفي الواقع، يعلم الجميع ماهية النتيجة في المرحلة الأولى من هذه اللعبة، حيث سيتأهل كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري -بصفته أكبر حزب معارض- إلى الجولة الثانية.

وفي حال تم الاتفاق على مثل هذا المبدأ، فإنه يبدو للوهلة الأولى أنه لن تبقى هناك أي مشكلة، لكن الأمر المثير للاهتمام هو أن أعضاء الطاولة الآخرين سيكونون في المحصلة قد رفضوا احتمال فوز أحد شركائهم بشكل صريح، ولكن -كذريعة لهذا الرفض- هم لا يصرحون بأنهم لا يريدونه، بل يتحدثون عن أنه لن يستطيع الحصول على أكثر من 50% من أصوات الشعب في الجولة الثانية ضد أردوغان.

في الواقع، يبدو هذا أيضًا اعترافا بأن قاعدة التصويت التي يدّعي تحالفهم تمثيلها، لن تخلق التحالف من تلقاء نفسها، وهذا الاعتراف هو اعتراف حقيقي، فالتسوية بين أطراف الطاولة لا تعني إضافة الأصوات التي يحصل عليها كل منهم إلى بعضها بعضا بشكل حسابي.

إلا أنه في الآونة الأخيرة، قد نزلت كلمات أحد نواب حزب الخير -أحد الشركاء على الطاولة- مثل القنبلة على ساحة المشهد الرئيسي؛ وذلك حول سبب عدم تمكن كليجدار أوغلو من الحصول على 50% من أصوات الشعب؛ حيث صرّح خليل إبراهيم أورال نائب حزب الخير في أنقرة -في برنامج تلفزيوني- بأن الغالبية السُّنية في البلاد لن تعطي صوتها لكمال كليجدار أوغلو نظرًا إلى كونه علويًّا، وهذا ما سيشكل سلبية كبيرة له منذ البداية في مواجهة أردوغان.

في الحقيقة، ربما كانت هذه الكلمات بمثابة اعتراف ناتج عن زلة لسان لما يفكر فيه أعضاء الطاولة ولم يقولوه. وفي الواقع، هذا هو أحد الأسباب التي تدور في أذهان شركاء التحالف حول عدم تمكن كليجدار أوغلو من الحصول على أصوات تحالف الأمة بأكملها، لكن لا أحد يستطيع الاعتراف بهذا. فإلى جانب وجود عقباتٍ قانونية في صنع سياسة مبنية على أساس الأصول العرقية أو الطائفية للناس في تركيا، هناك أيضًا الأعراف الاجتماعية التي تجعل من الصعب التحدث في هذا الموضوع، ولهذا السبب دخلت رئيسة حزب الخير ميرال أكشينار وشركاؤها الآخرون مباشرةً في السباق على تصحيح الخطأ والاعتذار عن هذه الكلمات التي تفوَّه بها أحد نوابهم، وقوله الحقيقة التي تمر في أذهانهم ولكنهم لم يستطيعوا قولها. وهم جميعًا في الواقع يعتبرون أن علوية كليجدار أوغلو تشكل عقبة أمام الحصول على دعم عدد كافٍ من الناس، وهو ما يعدُّونه أيضًا أحد مبررات الاعتراض على ترشحه للرئاسة.

المثير للاهتمام في هذا الموضوع، أنه لم يقم حتى الآن أي أحد من جانب حزب العدالة والتنمية بإثارة موضوع علوية كليجدار أوغلو أو أي سياسي آخر في انتقاداتهم السياسية له، بل على العكس من ذلك، فقد وضع حزب العدالة والتنمية أمر ضمان الهوية الذاتية للعلويين ومنحهم حرية التعبير في محور السياسات الافتتاحية منذ البداية، وربما كان الحزب حذِرًا بشأن منح بيوت الجُمَع الخاصة بالعلويين صفة "أماكن العبادة"، لكنه دعا أيضًا إلى منح العلويين جميع الحقوق الممنوحة للطوائف والمذاهب الأخرى، حتى يتمكنوا من ممارسة معتقداتهم الخاصة.

لم يُنظر أبدًا إلى عدم الاعتراف بأماكن العبادة على أنه تمييز ضد العلويين، بل على العكس من ذلك، إن تم منح بيوت الجُمع صفة دور العبادة، فسيُنظر إلى العلوية على أنها ديانة أخرى غير الإسلام، لأنه عندما يُذكر المعبد اليهودي والكنيسة والمسجد وبيت الجمع، سيُنظر إلى العلوية مباشرةً على أنها ديانة منفصلة. والحال، أن من أكبر شكاوى العلويين، هي كون السنة لا ينظرون إليهم على أنهم مسلمون.

ومن منطلق احترامه للعلويين الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين، يُعرِّف حزب العدالة والتنمية بيوت الجُمَع عندهم على أنها نُزل وليست معابد، ويَنظر إلى العلويين -مثل ما ينظر أغلب العلويين إلى أنفسهم- على أنهم مسلمون، وقد قرأ حزب العدالة والتنمية جيدًا نتائج الكثير من ورشات العمل العلوية التي عُقدت خلال فترة حكمه، وتم فيها الاستماع إلى جميع المتحدثين باسم العلويين.

ولم يتم التعامل مع العلويين من قبل الدولة على هذا النحو في أي وقت مضى من تاريخ العلويين، فلم يروا احترامًا كهذا من قبل، بينما تجاهل حزب الشعب الجمهوري هويتهم وقام بضمهم إليه؛ حتى أصبح حزب الشعب الجمهوري -الذي اضطهد جميع الطوائف والجماعات في الماضي- الحزب الأكثر ظلمًا للعلويين في تاريخهم.

وبينما كان يُنظر إلى علوية كليجدار أوغلو على أنها مشكلة حتى داخل حزبه وتحالفه، قام الرئيس أردوغان -على العكس من ذلك- بتأييده في هذه القضية، وأعلن أن لن يسمح أبدًا بأن يتعرض للتمييز في هذا الخصوص، وأوضح أردوغان بأنهم لن يسمحوا بتهميش أي شخص بناءً على هويته قائلًا: "إذا قام أحدهم بتهديدك بناءً على هويتك، فإن لهذا حلا. إن تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية هي بلد يضمن للجميع المواطنة المتساوية. لن نسمح بتهميش أي شخص في هذا البلد".

وأضاف أيضًا: "مثلما نقوم بحماية القانون وحقوق 85 مليون إنسان حتى على حساب حياتنا عند الضرورة، لن نسمح لثلاثة أو خمسة من الجهلة أن ينتهكوا حق زعيم حزب المعارضة الرئيسي، يكفي أن تكون شجاعًا، أن تكون طيبًا، أن تكون صادقًا، أن تكون صريحًا، ونحن سنقف إلى جانبك. لن نسمح بكبت أحلام أي من مواطنينا، يكفي أن تكون مرشحًا".

مشكلة كليجدار أوغلو ليست أنه علوي بل إنه من حزب الشعب الجمهوري

هكذا ذكَّر أردوغان بأن حزب العدالة والتنمية قد اتخذ خطوات في طريق نشر الديمقراطية على نطاق أوسع، وتحقيق مجتمع قائم على مبدأ المواطنة المتساوية وحرية المعتقد.

وبغض النظر عن هويتهم الدينية أو العرقية، فالجميع في تركيا هم مواطنون متساوون في بلد ديمقراطي، وينبغي أن يكون بمقدور الجميع الاستفادة من الحقوق التي يمنحها الدستور دون المساس بإيمانهم وهويتهم وشخصياتهم.

في الأساس اليوم، لا تشكل الهوية العلوية مطلقًا مشكلة أمام أن يصبح كليجدار أوغلو مرشحًا رئاسيًا. وإن كان لا بد من البحث عن مشكلة، فيجب البحث عنها في كونه رئيس حزب الشعب الجمهوري. فعلى سبيل المثال، إذا لم يكن رئيس حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو بصفته علويًا، وإنما شخص آخر -على سبيل المثال دينيز بايكال السُّنِّي- فهل سيكون ترشحه أكثر قبولًا؟ بالطبع لا.

لا تكمن المشكلة في علوية كليجدار أوغلو؛ وإنما -وقبل كل شيء- تتمثل في موقع الحزب الذي يرأسه في نظر المجتمع. ومشكلة أخرى؛ هي أن خطابه السياسي وملفه الشخصي لا يزالان غير قادرين على الاقتراب بما يكفي من أردوغان، أي أنه لا توجد قصة نجاح يمكن أن تقترب من أردوغان بطريقة أو بأخرى، ولا يُرى له ثقل يمكن أن ينافس به أردوغان.

خلاف ذلك، فإن الإصلاحات والمبادرات والتحولات الاجتماعية التي شهدناها خلال عهد حزب العدالة والتنمية، ينبغي أن تكون قد مكَّنتنا من التغلب على مشكلة العلوية.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس