أحمد البرعي - خاص ترك برس

قبيل بدء الانتخابات التركية دأبت المعارضة على اتهام حزب العدالة والتنمية بشكل عام ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بشكل خاص باللجوء إلى استحضار الشعور بالاضطهاد والظلم الذي تعرضوا له لاستعطاف الجماهير والناخبين وذلك بتصوير أنفسهم كضحايا ومضطهدين وهو ما من شأنه أن يمنحهم تعاطف الناس ذوي الانطباعات التدينية والطبقة المتوسطة والعاملة في المجتمع.

برز ذلك بشكل ملحوظ بعد الحكم على الرئيس المصري محمد مرسي بالإعدام فقامت إحدى جرائد المعارضة "Hurriyet" بنشر صورة للرئيس التركي أردوغان كتب تحتها رئيس حصل على نسبة 52% من الأصوات، وهي تقريباً نفس النسبة التي حصل عليها الرئيس التركي الطيب أردوغان، ومع ذلك فقد حكم عليه بالإعدام، مشيرة بذلك إلى أن أردوغان قد يواجه نفس المصير الذي سيواجهه مرسي.

وفي نفس السياق شن زعماء المعارضة حملة شعواء تصور أردوغان بالمخادع الذي يتظاهر بتعرضه للظلم والاضطهاد والمؤامرات الداخلية والخارجية وأنه يوظف ذلك عمداً ليكسب تعاطف الشعب ويدغدغ عواطفهم الدينية التي تكره الظلم وتناصر المظلومين. ففي معظم خطاباته الجماهرية، يهاجم رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو أكبر حزب معارضة أتاتوركي، يهاجم أردوغان قائلاً "يخرج علينا رئيس الجمهورية كل يوم ويقول إنه خرج إلى هذه الطريق لابساً كفنه، ومستعد للموت وأنا أقول له ما الذي حدث هل نشبت الحرب؟ هل أنت خارج للمعركة؟".

من المعروف أن من عادة أردوغان في خطاباته أن يذكر الناس بتركيا قبل مجيء حزب العدالة والتنمية وكيف أنه كان يقف في طابور المستشفى بالساعات ليحجز دوراً لأمه المريضة، وكيف كان الناس لا يجدون الدواء ولا الماء، وكيف حرمت بناته من دخول الجامعات التركية بسبب الحجاب واضطره ذلك أن يرسلهم إلى الجامعات الأمريكية، وكيف تعرض هو للسجن بسبب أبيات من الشعر مسطرة في الكتب التركية، وكيف كان يتعرض للإهانة والسباب على مدار أربعين سنة من مشاركته في الحياة السياسية، وكيف ادعت المعارضة أنه ليس أهلاً لأن يصبح مختار بلدة، ولن يصبح رئيس وزراء ومستحيل أن يصبح رئيس الجمهورية وكل هذا غيض من فيض مما كان يتعرض له الإسلاميون وعموم الشعب تحت حكم العسكر التركي والأحزاب العلمانية الأخرى خلال العقود الماضية.

ولعلها لم تحدث في التاريخ أن يمنع الآذان باللغة العربية وينادى للصلاة من مآذن المساجد باللغة التركية إمعاناً في تغريب الشعب التركي عن عمقه الإسلامي ومحاولة صبغه بحضارة غربية طارئة عليه. فهل هذا كله استحضار للمظلومية واستعطاف للمشاعر كما تدعي المعارضة أم هو حق لمن ظلم أن يصدح بما تعرض له ويأصل للناس حتى لا ينسوا؟ أليس من الحكمة عرض الوقائع وتذكير الناس بالظلم والحقبة السوداء في حق الديمقراطية وحقوق الإنسان التي عاشتها تركيا تحت سهام العسكر؟ كما أليس الخطر حقيقة محدق بالإسلاميين وبرنامجهم أليست المؤامرات تحاك لهم من كل القوى الداخلية والخارجية؟ أم هو تهويل لاستثارة عواطف الناس باعادة انتخابهم لمنع العودة للظلم والقهر وأيضاً للحفاظ على الاستقرار التي تعيشة البلد؟

في أحداث جيزي بارك، تكالبت القنوات الإعلامية الدولية بشكل فج وصارخ للترويج لحملة تشوية للحكومة التركية ولشخص رئيس الوزراء التركي آنذاك الطيب أردوغان وأفردت الساعات من البث المباشر للأحداث التي حدثت في ميدان التقسيم في حينها. كما وتعود الآن، وبين يدي الانتخابات المقبلة، تعود جريدة نيويورك تايمز لحملة من التشوية، كما يصرح أردوغان في خطاباته، ضد الحكومة وضد شخصه وتستقوي بأمريكا والناتو ضد تركيا.

أقبل بعض زعماء المعارضة مرغماً الاعتراف ببعض الظلم الذي وقع على بعض الفئات المتدينة والمحافظة من الشعب التركي وقد يدعي البعض منهم أنه أيضا كافح وناضل من أجل حقوق هذه الفئات المهمشة والمضطهدة كما فعل صلاح الدين ديمرطاش، رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، حين قال إن أخته محجبه وأنه قد ناضل من أجل حقوق البنات المحجبات في الالتحاق بالتعليم. ولكنهم وفي الوقت ذاته يواجهون استراتيجية المظلومية في حملاتهم الانتخابية بالادعاء بأن حزب العدالة والتنمية الآن حزب قوي، عنده إمكانيات جبارة وماكنة إعلامية وسياسية وجماهرية هي الأقوى والأكثر تأثيراً فلماذا يحرص دائماً على الظهور بمظهر المظلوم المضطهد وتصوير نفسه على أنه لا يزال يعاني من ويلات وسياط الظلام والمستبدين؟!

هذا هو عين النفاق الليبرالي والعلماني الذي يطالب الإسلاميين بالطوباوية ويستحضر دابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويطالبهم بعدم الشكوى والصبر والمسامحة وعدم بث روح الفرقة والعض على الجراح ونسيان الماضي في الوقت الذي لا يرون في نموذجهم الذي يقدمونه إلا كل جميل ما يدفع أحدهم للدعاء بالمغفرة للجنرال المنقلب الذي وافته المنية قبل أيام وفي الوقت ذاته يدعي أنه ناضل وقدم الكثير من أجل الحريات وحقوق الإنسان ويبقى السؤال هل كتب على المظلوم أن يتعرض للظلم ولا يتحضره حتى لا يتهم بأنه يعيش على المظلومية واستجلاب تعاطف الناس؟!!

عن الكاتب

د.أحمد البرعي

باحث ومحاضر في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس