محمود علوش - الجزيرة

أحدثت الصفقة غير المُعلنة التي أبرمها المرشح الرئاسي للتحالف السداسي المعارض في تركيا كمال كليجدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي هزّة في المشهد السياسي التركي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستُجرى في 14 مايو/أيار المقبل. ويُعول كليجدار أوغلو بشكل رئيسي على دعم الحزب الكردي له لتعزيز فرصه في هزيمة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية.

ومع أن الفوائد التي يتطلع إليها كليجدار أوغلو من هذه الصفقة لا تزال غير مؤكدة تماما، خاصة أن الارتدادات السلبية المحتملة لها على قاعدته التصويتية بين القوميين لم تتضح بشكل كامل بعد، وعلى وحدة التحالف السداسي؛ فإنها سلّطت الضوء على أحد أكثر التحولات أهمية في الحالة السياسية التركية، وهي أن حزب الشعوب أصبح عنصرا مهما في المعادلة السياسية الداخلية بعدما كان على الهامش في السنوات الماضية. ومن المرجح أن يكون تأثيره بارزا في تحديد مستقبل تركيا بعد هذه الانتخابات في حال وصلت المعارضة إلى السلطة.

أهمية حزب الشعوب الديمقراطي في المنافسة الانتخابية الراهنة لا تتعلق بكونه حزبًا سياسيًّا عاديًا كأي حزب تركي آخر، بل بكونه يُعبر عن الحالة السياسية الكردية التي تتطلع إلى إعادة إحياء النقاش في تركيا بشأن القضية الكردية وتحقيق الحكم المحلي الذاتي في المناطق ذات الأغلبية الكردية.

لذلك، فإن تأثير دوره في المنافسة الانتخابية يتجاوز في الواقع النتائج التي ستُفرزها صناديق الاقتراع في 14 مايو/أيار، ويصل إلى حد التأثير على مستقبل الجمهورية في مئويتها الثانية، وعلى الدور السياسي المستقبلي للحالة الكردية. إن هذه الانتخابات لا تتعلق فقط بصراع على السلطة بين أردوغان وخصومه، بل ستُحدد مستقبل النظام السياسي برمته، وتجعل من حزب الشعوب فاعلا مهما في التأثير على مستقبل تركيا ونظرتها إلى الحالة السياسية الكردية ومقاربتها المستقبلية لصراعها مع حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًّا؛ لأن الحزب من وجهة نظر الرئيس رجب طيب أردوغان وحلفائه القوميين وجزئيا حزب "الجيد" القومي المعارض في التحالف السداسي هو الواجهة السياسية لحزب العمال؛ ومن ثم فإن انخراطه في ديناميكية التحالفات الحزبية التركية يجلب حزب العمال بصورة غير مباشرة إلى المنافسة الانتخابية.

ورغم أن حزب الشعوب ينفي باستمرار أي صلة له بحزب العمال الكردستاني، فإن الأهداف الرئيسية -التي يتبناها على الأقل- تلتقي مع أهداف حزب العمال في ما يتعلق بمطالب الحكم الذاتي ووقف العمليات العسكرية التركية ضد التنظيم وفرعه السوري وحدات حماية الشعب الكردية من منظور أن استخدام القوة أثبت أنه لا يُنهي الصراع التركي مع حزب العمال الكردستاني.

هذا المنظور، وإن كان أقرب إلى الواقعية في الشكل فإنه مخادع أيضا لسببين: فلا يزال حزب العمال يتبنى نهج العنف الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف مدني تركي خلال عقود طويلة من الصراع، كما أن انقلاب التنظيم على عملية السلام مع تركيا عام 2015 أثبت أنه غير جاد في تحقيق السلام بمُجرد أنه رأى في العودة إلى العنف مُجددًا طريقًا لتحقيق طموحاته الانفصالية.

عمليا، لم يستطع حزب الشعوب أن ينأى بنفسه أبدأ عن حزب العمال الكردستاني. كانت أحداث العنف التي اندلعت في جنوب شرقي تركيا عام 2014 أشبه بتمرد قاده حزب الشعوب بتحريض من حزب العمال لاعتقاده بأن صعود المشروع الكردي الانفصالي في سوريا في تلك الفترة يُساعده في تحقيق مشروعه الانفصالي في تركيا. لذا، فإن تحول حزب الشعوب إلى شريك في الطاولة السداسية يضفي بعدا أكثر حساسية على دوره الجديد في السياسة التركية. بهذا المعنى، فإن التحالف بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب منح حزب العمال تأثيرًا نادرًا في التحكم بديناميكية المشهد السياسي التركي، أقلّه في الظرف الانتخابي الراهن.

يُمكن القول إن العداء المشترك لأردوغان أسهم بشكل رئيسي في إيجاد نقطة مشتركة بين التحالف السداسي وحزب الشعوب الديمقراطي، لكنّ الأمر يُمكن أن يبقى في إطار المنافع المتبادلة للطرفين لولا أن حزب الشعوب ومن خلفه حزب العمال الكردستاني يضعان توقعات عالية من هذه الانتخابات تتجاوز هدف إنهاء حكم أردوغان.

وهناك مساران يقودان إلى محاولة تكوين صورة واضحة عن هذه التوقعات:

أولا: وعد التحالف السداسي

هو الوعد الموجود في وثيقة السياسات المشتركة التي أعلنت في وقت سابق بمنع إغلاق حزب الشعوب الذي يواجه قضية قضائية أمام المحكمة العليا تُطالب بإغلاقه بسبب اتهامات له بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، كما تعهد التحالف بالتخلي عن نظام الوصي على البلديات التي عُزل رؤساؤها بسبب اتهامات لهم بالارتباط بحزب العمال.

كما وعد كليجدار أوغلو بشكل صريح بإعادة نقاش المسألة الكردية تحت قبة البرلمان؛ هذه الوعود تلتقي مع أهداف حزب الشعوب الديمقراطي، لكنّ توقّعاته تتجاوزها. ويتضمن البيان الانتخابي لتحالف العمل والحرية الذي يقوده حزب الشعوب العمل على تأمين نظام حكم يُتيح للشعب الكردي إدارة شؤونهم بشكل ذاتي، وإنهاء سجن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. مع أن هذه المطالب لم ترد بشكل صريح في خطاب كليجدار أوغلو، إلا أن الافتراض السائد أن دعم حزب الشعوب لكليجدار أوغلو لن يكون من دون ثمن كبير.

ثانيا: المسار الآخر للصفقة

تقودنا إلى ذلك التوقعات التي وضعها صراحة حزب العمال الكردستاني في هذه الانتخابات، ويُمكن عدّها الشق الأكثر حساسية في الصفقة. عند النظر إلى حقيقة أن حزب العدالة والتنمية كان الحزب التركي الحاكم الوحيد الذي قدّم للأكراد حقوقا ثقافية، وأبرمت تركيا في عهده عملية سلام مع حزب العمال لم تدم طويلا، بينما حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه كليجدار أوغلو نفى على مدى عقود وجود لغة وثقافة كردية منفصلة؛ فإن ذلك يُثير تساؤلا مهما حول السبب الذي يدعو حزب العمال إلى دعم كليجدار أوغلو بدلا من أردوغان. في الواقع، هناك إجابتان على هذا السؤال:

أولا- يُشير تبني قادة حزب الشعوب وحزب العمال كليجدار أوغلو إلى تأثير صدام أردوغان مع الحالة السياسية الكردية بعد انهيار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني.

ثانيا- يُراهن حزب العمال على أن إقرار كليجدار أوغلو بالحاجة إلى تبني خطاب تصالحي مع المكون الكردي سيدفع بأي نظام جديد قد تفرزه الانتخابات المقبلة إلى تبني سياسات مختلفة عن سياسات أردوغان تجاه الحالة الكردية السياسية والمسلحة على حد سواء.

بمعزل عما إذا كان كليجدار أوغلو قادرا بالفعل على إحداث مثل هذا التحول، فإن الافتراض السائد لدى حزب العمال الكردستاني أن الإطاحة بحكم الرئيس رجب طيب أردوغان سيسهم في تقليل تأثير البُعد القومي في سياسة الدولة التركية تجاه المسألة الكردية.

يبدو ذلك واقعيا بشكل جزئي، لا سيما أن التأثير القومي في تحالف المعارضة يبدو ضعيفا مقارنة بالتأثير القومي في التحالف الحاكم. ومع ذلك، فإن الخطاب التصالحي لكليجدار أوغلو مع الحالة الكردية وتجاه المحافظين يبدو تكتيكا ظرفيا لتوسيع قاعدة الدعم له من أجل الوصول إلى السلطة، لكن ذلك لا يُقلل من أهمية التحولات التي طرأت على خطاب كليجدار أوغلو تجاه الحالة الكردية في السنوات التي تولى فيها زعامة حزب الشعب الجمهوري.

في الواقع، شكّل التفاهم الجديد بين كليجدار أوغلو والحزب ذروة العلاقات التي تنامت بين الطرفين على مدى سنوات، لكنها ارتكزت بشكل أساسي على تحقيق منفعة مشتركة؛ وهي توحيد أحزاب المعارضة على اختلاف توجهاتها ضد حكم أردوغان.

عن الكاتب

محمود علوش

صحفي لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس