نذير حسين الكاتب - خاص ترك برس

ولدت الجنجويد أو قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، من رحم قبائل عربية وأخرى افريقية مستعربة كانت متناحرة  فيما بينها, ونشأت على الغزو والاغارة تارة والرعي والترحال تارة أخرى في ولاية دارفور جنوب وجنوب غرب السودان، وبعد أن تدهورت الأوضاع الأمنية في ولاية دارفور وكثرت فيها حركات التمرد ضد الحكومة لم يجد الرئيس البشير المخلوع (شعبياً) بدأ من تشكيل مليشيات مسلحة أغلبها من قبائل الجنجويد المقربة من الحكومة آنداك بُغية السيطرة على الاوضاع في الولاية المضطربة.

هذه المليشيات المسلحة ذات الطابع القبلي استطاعت تصفية حركات التمرد ضد الحكومة والحد من خطورتها ونفوذها في المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية من السودان, ولكن تحركاتها لم تخلُ من انتهاكات فظيعة ضد بعض القبائل المنتشرة في تلك المناطق الغنية بثرواتها والتي تشكل تقريبا ربع مساحة البلاد، والتي بسبب هذه المليشيات أصدرت المحكمة الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس عمر البشير حينها, وما فتات حتى انخرطت هذه المليشيات القبلية ضمن استخبارات الجيش الرسمي للدولة سنة 2013 تحت مسمى قوات الدعم السريع ونُزِعَت عنها صفة القبلية بقيادة راعي الأبل حميدتي الذي أكتسب رتبة فريق ومن ثم جنرال في الجيش بقدرة قادر.

بعد سقوط نظام البشير بقيت هذه الحركة تتوسع وتنتشر حتى بلغ تعدادها المئة الف جندي مدرب ومسلح واصبحت تمتلك عشرات الاف العربات رباعية الدفع المسلحة بمدافع رشاشة ومضادات الطائرات، وقواعد عسكرية ومراكز تدريب نظامية قرب المناطق الاستراتيجية في عموم البلاد وخصوصا في العاصمة خرطوم وامدرمان. وصارت تتقاسم السلطة مع الجيش ككيان عسكري مستقل. وعمل حميدتي من وقتها على تقوية قواته تعبوياً وتقنياً من خلال فتح مقرات عسكرية في مختلف المناطق الاستراتيجية والحيوية في البلاد وكذلك الأعتماد على تقنيات عسكرية متطورة خصوصاً في مجال الاِتّصالات عبر الأقمار الصناعية وأستخدام تقنيات متطورة في مجال الأستخبارات الداخلية بحيث أصبح يمتلك معلومات دقيقة عن وضع الجيش الحكومي وجنرالاته ومراكز تموضعهم ومعسكراتهم ونقاط سيطرتهم الفعلية وقدراتهم العسكرية بشكل دقيق, وكل ذلك بفعل الأموال التي كان يحصل عليها حميدتي من خلال تجارة الذهب والمواشي.

في الآونة الآخيرة، وبعد ان كانت منبوذة من قبل الغرب وبعض الدول الاقليمية بدأت هذه الحركة التي سميت بقوات الدعم السريع تنال رضى ومقبولية لدى الكثير من القوى الدولية والإقليمية الفاعلة وذلك لأسباب واجندات سياسية وايديولوجية مختلفة، منها ان الدول العظمى ودول الغرب عموماً عولت عليهم في مقارعة الجهاديين التي نشطت في المنطقة بعد 2014، أما بعض الدول الاقليمية منها اثيوبيا والامارات وروسيا ودولة جنوب السودان واسرائيل دعمت هذه القوات لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية داخل السودان.

بعد هذه المقدمة المختصرة من المهم أن نذكر الاسباب المباشرة التي ادت الى حالة الاقتتال العسكري بين الجيش بقيادة البرهان والدعم السريع بقيادة حميدتي، بداية علينا أن نعلم ان الطرفين المسلحين كانت ولازالت لديهما طموح السيطرة على السلطة في البلاد منذ الإطاحة بحكومة البشير ومصادرة حقوق الشعب الثائر في الحرية والديمقراطية بعد ثورة عسيرة وصعبة دفع الشعب ثمنها من دماء ابنائه الأحرار.

ومن خلال جموح الطرفين الهستيري للسيطرة على السلطة، لعبت التدخلات والاجندات السياسية الاقليمية دوراً سلبياً فعالاً في زعزعة استقرار البلاد وتشنج العلاقة الملتهبة أصلاً بين الطرفين العسكريين.

في خضم هذا الصراع الخفي-الظاهر بين قيادة الجيش وقيادة الدعم السريع فقد حاول الجيش تقوية نفوذه السياسي السلطوي في البلاد من خلال عقد تحالفات إقليمية عسكرية قوية وخصوصاً تقوية علاقته مع حكم نظام العسكر المصري تحت مسميات سياسية تمثلت بمجابهة أثيوبيا الطامحة للسيطرة على مياه النيل بالقوة ببنائها سد النهضة على نهمر النيل وحرمان الشعبين المصري والسوداني من مصدر عيش حياتي لهم, ولهذا رأينا تواجد قوات عسكرية مصرية مع خمس طائرات ميغ مصرية على ارض مطار مَروِي والتي استولت عليها قوات حميدتي واسرت الجنود المصرين في المطار، فقد كانت مصر تتأهب لسيناريو محتمل لعمل عسكري ضد سد النهضة الأثيوبي في حال فشل المفاوضات السياسية حوله.. وربما استيلاء قوات الدعم السريع على المطار كانت الشرارة الأولى لاِندلاع حرب كسر العظام بين البرهان وحميدتي.

أما قوات الدعم السريع فقد وجدت لها حواضن خليجية غنية ولكن باهداف مختلفة, فمثلاً بالنسبة للتحالف الدولي كانت قوات الدعم بمثابة خزان بشري للقتال الى جانبها في اليمن, أما النظامين الأمارات والروسي فقد وجدا من نفوذ قوات الدعم في المناطق الغنية من السودان فرصة كبيرة للاستثمار فيها والحصول على الثروات الطبيعية التي تزخر بها المنطقة منها الذهب وتجارة المواشي, وكذلك استخدام هذه القوات كورقة ضغط أقليمية في المنطقة حسب الحاجة, ولا ننسى دور الامارات في فتح ساحة جنوب وجنوب غرب السودان امام روسيا وأثيوبيا وأسرائيل اللاعبة الخفية وراء دعم أنشاء سد النهضة للتغلل في الشأن الداخلي السوداني.

لهذا أرى من خلال قراءتي لأوضاع المنطقة انه من الضروري على الشعب السوداني الحرّ في هذه الاوضاع المصيرية العصيبة ان يلتف حول الجيش، كخيار أفضل الأسوئين, للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من كيان الدولة ووحدة المصير للشعب السوداني الشقيق.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس