سعيد الحاج - الجزيرة

يتخطى الاهتمام بالانتخابات التركية المقبلة الداخل التركي، إذ تتابع الحدث وتترقب نتائجه أطراف خارجية عدة في مقدمتها دول المنطقة وشعوبها. لكن الفئة الأكثر اهتماماً هم العرب المقيمون على الأراضي التركية لما للانتخابات من تأثير مباشر عليهم، ولا سيما من يحمل منهم الجنسية التركية.

 

ملف انتخابي

على جدول الانتخابات المقبلة في تركيا عدة عوامل تبدو مؤثرة في تصويت الناخبين، مثل الأوضاع الاقتصادية والزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد قبل شهور، والتحالفات الانتخابية، وقوائم المرشحين للبرلمان، والسياسة الخارجية وغيرها. بيد أن هناك ملفا إضافياً على كل ما سبق هو ملف اللاجئين أو المقيمين الأجانب على الأراضي التركية، ولا سيما السوريين منهم.

فقد كان أحد أهم وعود المعارضة التقليدية في تركيا على مدى السنوات الماضية، وتحديداً حزب الشعب الجمهوري، إعادة السوريين إلى بلادهم خلال سنتين فقط في حال الفوز بالانتخابات. لاحقاً، تلقفت الأمر تيارات وشخصيات عنصرية تزعمها لاحقاً حزب “النصر” برئاسة القيادي السابق في حزب الحركة القومية – ثم الحزب الجيد – أوميت أوزداغ، والذي بنى رؤية الحزب وخطابه وأهدافه بشكل شبه كامل على ملف الأجانب واللاجئين.

ساد تقدير لدى حزب العدالة والتنمية أن ملف اللاجئين وخصوصاً السوريين كان ضمن أسباب خسارته بلدية إسطنبول على وجه التحديد في الانتخابات البلدية عام 2019 وأنه قد يؤثر على فرصه في الانتخابات المقبلة، ولذلك فقد سعت الحكومة لسحب هذه الذريعة من المعارضة وتخفيف ثقل الملف في المسار الانتخابي. فقد عمدت الحكومة لتقديم معلومات وإحصاءات تتعلق بالأجانب في تركيا لتفنيد بعض الشائعات، ثم عملت على تأطير وتحديد الوجود الأجنبي على الأراضي التركية من حيث أذون الإقامة في المدن الكبيرة وبعض الأمور الإجرائية الأخرى. وقد ساهم ذلك في تخفيف حدة التداول الإعلامي للملف خصوصاً وأن الزلزال والأوضاع الاقتصادية باتا مؤخراً أهم وأثقل في الميزان الانتخابي، لكن السجال لم ينته تماماً.

ومع بداية الحملة الانتخابية واتضاح المرشحين الرئاسيين، عاد الحديث عن الأجانب في البلاد من زاوية “أمن الانتخابات”، حيث بالغت بعض الأطراف في المعارضة في تقدير أعداد الأجانب المجنسين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات المقبلة، ووضعوا الأمر في إطار المخاطر والتهديدات المحيقة بعملية الاقتراع.

فالمرشح اليميني سينان أوغان، مثلاً، ادعى أن هناك ما يقرب من مليون  ناخب أعلى من المعدل الطبيعي المتوقع لعدد الناخبين في عموم تركيا، وأن أغلبهم قد يكونون من الأجانب، محذراً من تأثير ذلك على عملية الاقتراع. وقد شاركه المخاوف بخصوص “أمن الانتخابات” المرشح محرم إينجة، رغم أن أوساط حزب الشعب الجمهوري ومرشحه كمال كليجدار أوغلو تحدثت عن أرقام أقل من ذلك بكثير مهوّنة من تأثير ذلك على الانتخابات ونتائجها.

وما زال تحالف “أتا” أو الأجداد اليميني بقيادة حزب النصر المتطرف تجاه اللاجئين مركزاً بشكل حصري على ملف اللاجئين والسورييين منهم على وجه التحديد، حتى في حملته الانتخابية وجولاته الميدانية.

 

الواجب والمحذور

وعليه، اختصاراً، يجد الأجانب وفي مقدمتهم العرب والسوريون أنفسهم في قلب المسار الانتخابي، بل أحد أهم ملفاته وبنود حملاته الانتخابية، هذه المرة على غير رغبة منهم، بعد أن كانوا في معظمهم من المهتمين بالانتخابات وتفاصيلها ونتائجها المحتملة اختياراً.

أكثر من ذلك، فقد لاقت مساعي بعض الأحزاب، وخصوصاً حزب العدالة والتنمية، للتواصل مع المجنسين من الأجانب والسوريين منهم على وجه التحديد بخصوص الانتخابات بعض الانتقادات، رغم أن الطبيعي أن هؤلاء باتوا يحملون الجنسية التركية ويتمتعون بالحقوق والواجبات التي تقع على كاهل المواطنين الأتراك كافة بما فيها التصويت، ومن البديهي أن تسعى الأحزاب السياسية والمرشحون الرئاسيون لكسب ودهم وتأييدهم وأصواتهم كما تفعل مع باقي شرائح الشعب التركي. ورغم كل ذلك، تسير هذه المساعي بشكل غير معلن ولا فج، تجنباً فيما يبدو للجدل المحتمل والضجيج المفتعل والحملات الإعلامية وخطاب التمييز.

ولذلك، وفي ظل هذا الاستهداف لهم والمبالغات في تصوير أعدادهم وتأثيرهم في الانتخابات، فضلاً عن تجاوز فكرة انهم مواطنون ولهم بالتالي كامل الحق بالمشاركة في العملية الانتخابية، وفي ظل حالة الاستقطاب الكبيرة في البلاد، يقع على كاهل الأجانب وفي مقدمتهم العرب مسؤوليات مرتبطة بالانتخابات تجنباً لأي احتكاك أو تحريض فضلاً عما هو أكبر وأخطر من ذلك.

ففي المقام الأول، ينبغي تجنب الدعوات العلنية المباشرة وعبر وسائل التواصل لدعم أحد أطراف العملية الانتخابية، لا سيما من غير حاملي الجنسية التركية إذ قد يعد ذلك من قبل كثيرين كتدخل غير مقبول.

كما أن التجمعات العلنية كبيرة العدد غير محبذة خلال الحملات الانتخابية وعلى وجه الخصوص يوم الاقتراع، فضلاً عن أي احتكاكات أو أفعال قد تصنف من قبل البعض على أنها استفزازية. بمعنى أن المطلوب تجنب منح الذريعة لبعض الجهات العنصرية لشن حملات تحريض يمكن أن تعرّض كلاً من الأجانب والسِّلْم الأهلي في البلاد للخطر، حتى ولو كانت تقع تحت الإطار القانوني المسموح به والذي هو حق للجميع.

لكن كل ذلك لا يعني الاستسلام للتيارات العنصرية، قليلة العدد والتأثير كثير الصخب والجدل، والتخلي بالتالي عن الحقوق المكتسبة. فالمشاركة في الانتخابات لمن حصل على الجنسية التركية حق قانوني وسياسي لا يمارى فيه ولا ينتزع من صاحبه، بل لعله يصل حد الواجب كما هو حال أي مواطن آخر، لا سيما وأن الانتخابات التركية تشهد في العادة إقبالاً كبيراً ونسبة مشاركة مرتفعة.

في هذه الحالة، لم يعد العربي مجرد متابع للانتخابات بدافع الفضول و/أو التأييد ولا متأثرٍ بنتائجها كما هو حال بعض دول وشعوب المنطقة وحسب، ولكنه بات مواطناً تركياً يتأثر بشكل مباشر بنتيجة الانتخابات وعليه مسؤولية المشاركة في صياغتها. أكثر من ذلك، من حق هذا المواطن الجديد الانضمام للأحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي والمجتمعي بكل أشكاله ما دام تحت سقف القانون، بل ومن حقه الترشح للانتخابات إن أراد ذلك وتوافرت فيه الشروط.

لكن مبدئياً، وبخصوص الانتخابات المقبلة، من حق حاملي الجنسية التركية ومن واجبهم المشاركة في التصويت، بما يشمل ضرورة معرفة الخطوات القانونية في المسار الانتخابي مثل مكان الاقتراع وكيفية التصويت وشروطه ومبطلاته وما إلى ذلك، وهي أمور باتت متاحة مؤخراً في مختلف وسائل الإعلام العربية المهتمة بالشأن التركي وبالترجمة من مصادر تركية موثوقة.

وفي حالة الاستقطاب القائمة في تركيا والفروق في الوعود والرؤية والمشاريع بين مختلف التحالفات ومرشحيها للرئاسة، تصبح المشاركة في التصويت ألزم ويكون الزهد فيها مستهجناً ومُضِرَّاً. وعليه، يفضّل الاطلاع على منظومة التحالفات القائمة، ومرشحي الرئاسة، والخلفيات السياسية، والسير الذاتية، والتاريخ، والإنجازات، والبرامج الانتخابية والوعود …الخ، وصولاً لقرار التصويت. فهؤلاء الذين حصلوا على الجنسية التركية باتوا جزءاً من نسيج الشعب التركي كما سبقهم لذلك أبناء البلقان والعراقيون وغيرهم كثر، ولا ينبغي أن يشعروا أنهم ما زالوا أجانب أو غرباء عن البلد، بل ينبغي أن يمارسوا حقهم وواجبهم الوطني بالمساهمة في اختيار من يرأس البلاد ومن يمثلهم في البرلمان.

 

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس