أورهان آقزاده - عربي بوست

في أجواء الانتخابات التركية التاريخية، قد نسمع عن مخاوف من عملية تزوير الانتخابات، لذلك سأتطرق لبعض النقاط المتعلقة بالعملية الانتخابية، وضمان أمنها وسلامتها، استناداً لمراقبة وتجربة شخصية من خلال عضويتي في لجان صناديق انتخابية.

إن الإشراف على تسيير العملية الانتخابية من بدايتها وحتى إصدار النتائج النهائية يتم من خلال الهيئة العليا للانتخابات، وفروعها المتوزعة على محافظات ومدن تركيا، وهي هيئة مستقلة وتضم أعضاء من المحكمة الإدارية، وأعضاء من محكمة التمييز، وأعضاء يمثلون الأحزاب التي لها كتل برلمانية بالنظر إلى نتيجة آخر انتخابات، حيث تقوم الأحزاب بتقديم من يمثلها في الهيئة "واحد أساسي وآخر احتياط".

بالتالي في هذه المرحلة لا يمكن أن يحدث أي تلاعب أو اتخاذ قرارات من شأنها الإضرار بالعملية الانتخابية، حيث إن الأعضاء يمثلون جميع الجهات ذات الصلة الإدارية والقضائية والسياسية، ولا توجد سطوة لجهة على أخرى.

بالنسبة للأوراق الانتخابية والظروف التي توضع فيها، فإن هذه المطبوعات تتم طباعتها في أكثر من مطبعة معتمدة، وتحت إشراف الهيئة العليا للانتخابات، ويتم نصب كاميرات مراقبة في المطابع حتى الانتهاء من عملية الطباعة وتسلم المطبوعات، بعد ذلك يتم إرسال هذه المطبوعات إلى فروع الهيئة في المحافظات والمدن، وهم بدورهم سيضعون أختامهم الخاصة على كل ورقة انتخابية وظرف، ثم يتم توزيع هذه الأوراق على رؤساء الصناديق المتوزعين في أنحاء المدينة.

أوراق الاقتراع توزع بأعداد مضبوطة وفقاً لأعداد الناخبين في كل صندوق، وبدورها هيئة "لجنة" الصندوق نفسها تقوم بوضع ختمها الخاص على كل ورقة انتخابية وظرف، ولا تقبل هيئة الصندوق أي ورقة انتخابية أو ظرف ما لم يكن ختم هيئة الانتخابات في المدينة موجوداً، وما لم يكن شعار (لوغو) الهيئة العليا للانتخابات موجوداً.

عند الحديث عن الناخبين، فإنه وقبل بدء العملية الانتخابية بفترة كافية يتم توجيه الناس لتثبيت عناوين سكنهم وعناوين إقامتهم، وبعد أن تنتهي المدة الممنوحة لتثبيت العناوين، يتم توزيع الناخبين كل على صندوقه المخصص، حيث يكون لدى كل صندوق قائمة فيها معلومات مفصلة عن الناخبين في هذا الصندوق "الاسم والعائلة، ومكان وتاريخ الولادة، واسم الأب والأم، والرقم الوطني، وعنوان السكن".

بالتالي لا يستطيع الناخب الإدلاء بصوته إلا في الصندوق المحدد ما لم يصدر استثناء واضح، وهذا الاستثناء يكون في حدود ضيقة جداً مثل أعضاء البرلمان، أو المرشحون للرئاسة، أو أعضاء الصندوق أنفسهم الذي يشرفون على الصندوق، ولا يقبل الإدلاء إلا بوثيقة رسمية عالية الموثوقية لا تقبل التزوير، وفيها صورة شخصية للناخب.

أما عن هيئات "لجان" الصناديق فإن كل هيئة صندوق انتخابي تتكون من 7 أعضاء بمن فيهم الرئيس، ويكون غالبية الأعضاء من ممثلي الأحزاب التي شاركت في الانتخابات البرلمانية السابقة، حيث تُقدِّم الأحزاب قائمة بالأسماء التي ستكون على الصناديق، ويكون فيها أساسيون واحتياط.

أضف لذلك يكون في كل صندوق مراقبون من الأحزاب، هؤلاء لا يتدخلون في تسيير العملية الانتخابية، فقط يراقبون سير العملية ومن حقهم الاعتراض في حال شعروا أن هناك خللاً ما، كذلك ربما يكون هناك مراقبون أجانب، وممثلون عن هيئات دولية ومحلية وهؤلاء مهمتهم لا تتعدى المراقبة والرصد وليس لهم حق الاعتراض أو التدخل.

تتم عملية التصويت في صناديق شفافة يتم فتحها أمام الجميع، ومن ثم إغلاقها وختمها بالشمع، ولا تفتح إلا عند انتهاء المدة المخصصة للتصويت.

بعد انتهاء العملية الانتخابية يتم عد الأوراق والظروف التي لم تستخدم، وإجراء مطابقة مع الأعداد التي تم تسلمها، وأعداد الذين أدلوا بأصواتهم من خلال قوائم الناخبين "كل ناخب يدلي بصوته يقوم بالتوقيع أمام اسمه بعد الانتهاء"، ثم يتم ربط هذه المطبوعات التي لم تستخدم، وختمها بالشمع ووضعها ضمن كيس مخصص لذلك.

من ثم تجري عملية فرز الظروف نفسها قبل فتحها، فمنها ما يكون مقبولاً ومنها غير مقبول "الظرف الذي لا يملك ختم هيئة الانتخابات في المدينة، أو عليه علامة تفيد بإشارة معينة، أو ممزق .. يُعد غير مقبول".

يتم فرز الظروف غير المقبولة وتشميعها وتحييدها دون فتحها بتاتاً، ثم تجري عملية فتح الظروف، وهنا تتم عملية فلترة أخرى، فكل ظرف يحتوي أشياء غير الأوراق الانتخابية يتم إخراجه من عملية الحساب.

كما يتم فرز الأوراق الانتخابية المتعلقة بالرئاسة والمتعلقة بالبرلمان كل على حدة، ثم تتم عملية فرز الأوراق الانتخابية لإخراج المقبول منها وغير المقبول، وهكذا حتى يتم الوصول للأوراق الانتخابية الصالحة فقط وهي التي يتم عدها وفرز الأصوات من خلالها؛ كل ما سبق يتم بصورة علنية أمام المراقبين ويمنع إغلاق الأبواب خلال هذه الإجراءات ويتم توثيق كل خطوة بمحضر رسمي يتم التوقيع عليه من جميع أعضاء لجنة الصندوق.

كما ذكرنا سابقاً أن ضمن لجنة الصندوق ممثلين للأحزاب؛ وخلال عملية عد الأصوات يتم تسجيل الأعداد من قبل عضوين من أعضاء اللجنة، وأيضاً المراقبون أنفسهم يسجلون كل صوت في جداول خاصة بهم، ويجب أن تكون في النهاية جميع الجداول متطابقة؛ وعليه حتى في هذه المرحلة فالتزوير والتلاعب مستحيل.

في النهاية يتم إنجاز المحضر النهائي وتجمع جميع الأوراق الانتخابية ويتم ترحيلها إلى هيئة الانتخابات في المدينة بمرافقة اثنين من المراقبين ممثلي الأحزاب السياسية، ومن ثم يتم ترحيل هذه الأوراق إلى الهيئة العليا للانتخابات في أنقرة بوجود مرافقة أيضاً؛ وبدورهم المراقبون يحصلون على نسخة من المحضر ويقومون بتزويد مسؤول عن المركز من أحزابهم بالمعلومات والمحضر، وهو بدوره يقوم بإدخال هذه البيانات ضمن نظام إلكتروني مركزي على مستوى البلاد، إضافة للتسجيل الورقي.

أليس من الممكن أن يتم شراء الأصوات؟ نعم ممكن، ولكن ما هي الضمانات أن يقوم من باع صوته بالتصويت لمن دفع له، حيث إن كل ورقة انتخابية أو ظرف فيه أي علامة أو إشارة يتم اعتباره ملغى.

لكن أليس ممكناً أن يقوم حزب ما بتوزيع أوراق انتخابية جاهزة عليه ختم "نعم" على شعاره، وعلى مرشحه للرئاسة، ثم يعطيها للناخب ليضعها في الصندوق، ويأتي له بالورقة الانتخابية والظرف الفارغين من داخل لجنة الصندوق، ويتسلم المبلغ المتفق عليه؟ 

هذه العملية ليست بهذه البساطة، لعدة أسباب، لا يمكن طباعة الأوراق الانتخابية خارج المطابع التي تم اعتمادها، وهناك نوعية معينة من الورق ومسؤولية كبيرة لا يتحملها أي شخص في دولة مثل تركيا، أضف لهذا كله لا بد من وجود ختم هيئة الانتخابات في المدينة وختم هيئة الصندوق على الورقة الانتخابية والظرف؛ جدلاً  لو تمت عملية كهذه لا يمكن تنفيذها إلا بسرية عالية جداً، ولا بد من تعاون بين ثلاث جهات هي الهيئة الانتخابية العليا، والهيئة الانتخابية في المدينة، وهيئة الصندوق، وهذا ما لن يكون.

الحل الوحيد لتزوير الأصوات، هو وجود خطة شيطانية خارج إطار المنطق والمعقول، كأن تكون الورقة سحرية؛ بحيث إنها بعد ساعة معينة تُظهر ختم "نعم" على مرشح أو حزب معين، وحذفه من آخر؛ أو أن هناك شبكة كاملة من عناصر في القضاء والدولة والأحزاب متعاونة ولديها إجماع فائق النظير على التزوير، والتضليل، ونسف العملية الانتخابية والديمقراطية في البلاد، وهذا لا يحدث إلا من خلال التفكير بعقلية المؤامرة.

نعم ممكن يحدث إثارة لبعض المشاكل بقصد التشويش على العملية الانتخابية، أو التشكيك في نزاهتها كما حدث منذ يومين حين تم إلقاء القبض على مسؤول في حزب الشعب الجمهوري في ولاية قونيا، ولديه أوراق انتخابية عددها 41 وعليها ختم "نعم" على مرشح الحزب وعلى الحزب نفسه، ليتبين أنه كان ينوي إلقاءها في القمامة بعد الانتخابات، وتصويرها ونشرها والترويج أنه تم إهدار أصواتهم والتلاعب بالنتائج.

خلاصة القول؛ إن عملية التزوير والتلاعب بالأصوات تصل لدرجة شبه المستحيل في الانتخابات التركية؛ ما لم يحدث شيء خارج السياق والعقل والمنطق.

عن الكاتب

أورهان آقزاده

كاتب تركي وحاصل على ماجستير في الإدارة الهندسية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس