سعيد الحاج - TRT عربي

أجرت تركيا في الرابع عشر من أيار/مايو الجاري انتخاباتها الرئاسية والتشريعية المرتقبة والتي حظيت باهتمام ومتابعة غير مسبوقين داخلياً وخارجياً ووصفت بالمفصلية والمصيرية و”انتخابات القرن”.

في النتائج الأولية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات تقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائمة المرشحين الرئاسيين بما يزيد على 27 مليون صوت ويعادل نسبة %49.5، يتلوه مرشح تحالف الشعب المعارض كمال كليجدارأوغلو بـ 24.5 مليون صوت ونسبة %44.8، ثم مرشح تحالف الأجداد سينان أوغان بـ 2.8 مليون صوت ونسبة %5.1. ما يعني أن الحسم في الانتخابات الرئاسية قد ترك لجولة إعادة ستجرى يوم الثامن والعشرين من الشهر الجاري بين المتنافسَيْن الأول والثاني، أردوغان وكليجدارأوغلو.

أما في الانتخابات البرلمانية، فقد حافظ تحالف الجمهور الحاكم المكون من أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والرفاه مجدداً والاتحاد الكبير على أغلبية مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) بنسبة %49.6 من الأصوات وواقع 322 مقعداً. تلاه تحالف الشعب المشكّل من أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطية والتقدم والمستقبل والديمقراطي بنسبة %35 و213 مقعداً، ثم تحالف العمل والحرية المكون من حزبَي اليسار الأخضر (الشعوب الديمقراطي) والعمل التركي بنسبة %10.5 و65 مقعداً برلمانياً.

مدة قصيرة جداً إذن تفصلنا عن انتخابات الإعادة، فما هي العوامل المؤثرة في فرص المتنافسين؟

لا شك أن انتخابات الإعادة هي انتخابات تجرى من الصفر، وبالتالي فإن كل النتائج ممكنة من ناحية نظرية ولا يمكن الجزم تماماً بتوجهات الناخبين، بيد أن التقدير العملي يحيل على العوامل المؤثرة في اتجاهات التصويت بما يمكن أن يساعد على استشراف المسار والنتائج.

بالنظر إلى أن ما تبقى من مدة زمنية حتى الانتخابات لا يتيح تنظيم حملة انتخابية متكاملة وفاعلة، يمكن القول إن العوامل المؤثرة في سياق الجولة الأولى من الانتخابات تبقى قادرة على التأثير إلى حد كبير، لكن ثمة عوامل مستجدة لها تأثير ملموس على النتائج المتوقعة.

ففي المقام الأول تقدم أردوغان على كليجدارأوغلو بأكثر من مليونين ونصف المليون صوت بواقع %5 تقريباً من الأصوات، وهي نسبة كبيرة جداً من الصعب جسرها في مدة زمنية قصيرة.

من جهة ثانية فهي المرة الأولى التي ستنتخب فيها تركيا رئيسها بعد أن يكون البرلمان قد تشكّل، ما يدفع للبحث في أثر الانتخابات التشريعية وشكل البرلمان المقبل على انتخابات الإعادة.

هنا، يدفع حصول تحالف الجمهور على أغلبية أعضاء البرلمان الكثيرين للبحث عن “تصويت التناغم”، أي التصويت للمرشح الذي ينتمي للأغلبية البرلمانية، سعياً لأفضل تعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أو الرئاسة والبرلمان، وتجنباً لأي أزمات أو انسداد سياسي في حال كانا من تيارين أو تحالفين مختلفين. ولعل تقدم الرئيس التركي في انتخابات الرئاسة بفارق مريح يشير إلى أنه غلب على المصوتين فكرة الاستقرار، ما يدعم تقديراً من هذا القبيل.

من جهة ثانية، فقد ألهبت النتائج وتحديداً الفوز بأغلبية البرلمان مشاعر التحالف الحاكم بمختلف مكوناته، وشاهدنا الرئيس التركي وهو يغني في حضرة المحتشدين أمام مقر حزبه خلال “خطاب الشرفة” التقليدي بعد صدور النتائج، فضلاً عن تصريحات لعدة قيادات في حزب العدالة والتنمية والحكومة تؤكد على عدم القلق من نتائج جولة الإعادة.

في المقابل، فقد أحبطت النتيجة معنويات تحالف الشعب وخصوصاً حزب الشعب الجمهوري، لا سيما وأنهم كانوا يروجون لأغلبية مريحة في البرلمان وفوز من الجولة الأولى بالرئاسة. وبالتالي، من المتوقع أن ينعكس ذلك سلباً على حماسة كوادر أحزاب المعارضة في الحملة الانتخابية المرتقبة.

من جهة ثانية، من المتوقع أن تكون نسبة المشاركة في جولة الإعادة أقل من الجولة الأولى الاعتيادية، وأن يكون جزء من أسباب ذلك نتيجة البرلمان وتقدم تحالف الجمهور فيه.

كما أن نتيجة البرلمان مع عدم الفوز بالرئاسة ستذكي بعض الخلافات الهادئة حالياً بين أطراف المعارضة وداخل بعض أحزابها. فقد كانت الطاولة السداسية (تحالف الشعب) شهدت عدة خلافات بين مكوناتها، أبرزها انسحاب رئيسة الحزب الجيد ميرال أكشنار من الطاولة ومهاجمتها كليجدارأوغلو وباقي رؤساء الأحزاب أعضاء الطاولة، قبل أن تعود لها بعد أيام.

وقد بدأت بعض إشارات هذه الارتدادات، كاعتراض الكثيرين من حزب الشعب الجمهوري على وسائل التواصل على نشر رئيس حزب المستقبل أحمد داودأوغلو صورة له مع نواب حزبه الذين دخلوا البرلمان – على قوائم الشعب الجمهوري – مما اضطره لحذف الصورة والتغريدة. كما استقال مساعد رئيس حزب الشعب الجمهوري المسؤول عن المعلومات وتقنيات التواصل أنورصال أديغوزال من منصبه، بعد التخبط الذي حصل بخصوص متابعة النتائج ليلة فرز الصناديق.

أكثر من ذلك، ولعله الأهم، فإن حصول تحالف الجمهور على أغلبية البرلمان يضرب المشروع الأهم لكليجدارأوغلو وتحالف الشعب وهو إعادة البلاد للنظام البرلماني والذي كان يتطلب حصول الأخير على أغلبية مريحة في البرلمان، وهو ما لم يحصل، وبالتالي تأجل نقاش النظام السياسي في البلاد لخمس سنوات على الأقل.

كما أن كليجدار أوغلو لن يستطيع الاستمرار في خطاب تغيير النظام وذهاب العدالة والتنمية والحلول مكانه بالكامل، بل سيضطر بداهةً لاستخدام لغة أكثر تصالحية إذ بافتراض فوزه بالرئاسة سيكون عليه التعامل والتعاون مع البرلمان المكون من أغلبية لتحالف الجمهور. هذا التبديل في الرؤية والخطاب ليس أمراً سهلاً ومقدوراً عليه خلال فترة وجيزة أولاً، وقد يأتي بنتائج عكسية إن حصل، هذا بافتراض أن المرشح الرئاسي سيعمد له.

في الخلاصة، تواجه البلاد لأول مرة سيناريو اكتمال الانتخابات التشريعية وتركيبة البرلمان قبل اختيار الرئيس والحاجة لجولة إعادة لذلك. وعليه، حتى وقت انتخابات الإعادة سيكون البرلمان الجديد قد عقد جلساته الأولى وقطع عدة محطات قد يكون من بينها اختيار رئيسه ورؤساء لجانه، والتي سيكون معظمها بطبيعة الحال من تحالف الجمهور.

وبالنظر لتبعات نتائج البرلمان، وتحديداً تناقض النتائج مع طموح تحالف الشعب المعارض وادعاءاته، يمكن القول إن الأغلبية التي أحرزها تحالف الجمهور الحاكم في البرلمان ستعزز من فرص مرشحه أردوغان في انتخابات الإعادة، من زاويا سياسية ومعنوية ولوجستية عدة.

ويبدو أن التحالف قد التقط هذه الأفكار، فتبدت في تصريحات الرئيس أردوغان والناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين والناطق باسم الحزب عمر جيليك إشارات على الثقة بنتائج جولة الإعادة والإحالة في ذلك على نتيجة البرلمان بشكل واضح.

 

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس