ترك برس

أجرت قناة "TRT عربي" الرسمية في تركيا مقابلة مع السفير الفلسطيني لدى أنقرة الدكتور فائد مصطفى، حول آخر الأحداث والتطورات للحرب على قطاع غزة.

وقال مصطفى إنّ "الشعب الفلسطيني يخوض هذه الأيام معارك الشرف والبطولة دفاعاً عن حقه ودفاعاً عن مستقبله"، واصفاً العدوان الحالي على قطاع غزة بـ"العدوان الغاشم الذي يُشنّ على شعبنا بشكل عام، وعلى أهلنا في قطاع غزة بشكل خاص".

أهداف الاحتلال تتعدى الانتقام

ويرى السفير الفلسطيني أنّ هذا العدوان مختلف عن الاعتداءات التي تعرض لها القطاع على مدار السنوات الماضية، ويقول: "هذا الاختلاف يأتي من حيث قوة النيران المستخدمة فيه، وطبيعة الأسلحة التي يُقصف بها قطاع غزة على مدار الساعة، وهو أيضاً مختلف من حيث الأهداف، بحيث أنّ الأهداف من الواضح أنّها تتعدى قضية الانتقام مما حصل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، لتتجاوز ذلك إلى أهداف أخرى".

ويشير إلى أنّ هذه الأهداف تتعلق بتغير الواقع الجغرافي والواقع الديموغرافي في قطاع غزة، "نعلم جميعاً أنّ إسرائيل تعيش هاجس الديموغرافيا منذ سنوات طويلة، لذلك واضح أنهم استحضروا مخططات سابقة كانوا قد أعدّوها لذلك بهدف - مرة أخرى - الإخلال بالتوازن الديموغرافي".

ويستذكر الدكتور مصطفى النكبة الفلسطينية عام 1948، عندما هجّر الاحتلال نصف الشعب الفلسطيني، وقارن ما يحصل الآن بما حصل حينها، معتبراً أنّ "فكرة الترانسفير (التهجير) تعيش في أذهانهم، هذه الفكرة التي طبقوها في عام 1948 يريدون الآن أن يطبقوها ويعودوا مرة أخرى إلى تهجير اللاجئين المهجرين الذين يعيشون في قطاع غزة"، وفق قوله.

ويتابع: "هذه الأهداف توحي بأنّ الأمور تتجه إلى مزيد من التعقيد، إذا ما ذهبوا بعيداً في هذا المسار، هذا يعني بأنه أمامنا أيضاً أيام قاسية وأسابيع صعبة وقد تمتد إلى أشهر تتواصل وقد تتدحرج إلى ما هو أبعد من ذلك، وبالتالي على ضوء ما يصدر من تصريحات من قادتهم السياسيين والعسكريين هم يدقون طبول الحرب ولا شيء آخر في أذهانهم هذه المرحلة".

ويضيف أنّه "من الواضح أنّ هذه المعركة وهذا العدوان سوف يستمر، وسوف تستمر معها المعاناة الإنسانية التي يعيشها أهلنا في هذه الأيام في قطاع غزة"، محذراً من "كارثة إنسانية كبرى مقبلون عليها" إذا استمر هذا العدوان وإذا دخل مرحلة أخرى من خلال العمليات البرية التي يخطط لها الاحتلال الإسرائيلي.

7 أكتوبر.. امتداد لتاريخ صراع طويل

ويؤكد السفير الفلسطيني أنّ ما حصل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول هو امتداد لتاريخ طويل من النضال لأكثر من 75 عاماً وليس بداية الصراع كما يعتقد البعض، ولا يمكن فصله عن مسيرة النضال الفلسطينية.

ويُقسّم الدكتور مصطفى مسار مرحلة الصراع الحالية إلى مسارين، الأول هو المسار الميداني وذلك من خلال صمود الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية التي تتعرض أيضاً لعمليات استهداف وقمع وقهر بشكل يومي، "فمن المهم جداً تعزيز صمود شعبنا الفلسطيني على الأرض، وهذا ما تفعله السلطة الوطنية الفلسطينية وقواها الحية، حتى لا تنجح مخططاتهم في موضوع الترانسفير (التهجير)".

ويضيف بالقول: "أما المسار الثاني الذي تعمل عليه القيادة الفلسطينية هو المسار السياسي والدبلوماسي والقانوني، إذ من الواضح أنّ هذه القوى التي تحركت الآن وهذه الأساطيل والجيوش التي جاءت إلى البحر المتوسط من أجل مساعدة إسرائيل لم تأتِ من أجل الانتقام، إنّما جاءت من أجل نسف فكرة القضية الفلسطينية ومحوها، وهذا ما تفعله القيادة الفلسطينية في حراكها السياسي والدبلوماسي الآن، أولاً من أجل وقف هذا العدوان، ثانياً من أجل ملاحقة هذه الجرائم الإسرائيلية".

وفي سياق الحديث عن ملاحقة الجرائم الفلسطينية، انتقد الدكتور مصطفى النظام الدولي الحالي، ويقول: "على مدار سنوات طويلة لم تجرِ محاسبة إسرائيل على هذه الجرائم، ونحن نقول إنّ هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، لكن للأسف هذا هو النظام الدولي القائم والموجود والذي يقوم على المعايير المزدوجة، فهناك دول تجري محاسبتها على أخطاء صغيرة، وهناك دول ترتكب جرائم، لكن للأسف تجري حمايتها وتتوفر لها مظلة حماية ويجري اعتبارها دولة فوق القانون الدولي".

ويلفت السفير الفلسطيني في أنقرة، إلى أنّ "النظام الدولي الظالم لا يحبط الشعب الفلسطيني، ولكن علينا أن نتعاطى معه، وأن نقول إنّ هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم".

"الدول الكبرى على الجانب الخاطئ من التاريخ"

وفي أثناء حديثه يُعرب الدكتور مصطفى عن أسفه من وقوف بعض الدول إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّ "هناك كثيراً من الأوراق التي اختلطت في هذه المرحلة، وهناك دول وازنة للأسف، تماهت مع العدوان ووقفت إلى جانب دولة الاحتلال وتمدّها بالمال والعتاد والسلاح وجسور جوية وحاملات طائرات بمليارات الدولارات".

ويرى أنّ الدول الكبرى خضعت للتضليل الإسرائيلي، "وبالتالي هي الآن تقف في الجانب الخاطئ من التاريخ، وتلوم الضحية بدل من أن تلوم الجاني".

ويضيف: "نعلم هذه الصعوبات التي فرضت علينا سياسياً في ظل البروباغندا التي صنعتها إسرائيل، لكن نحن أيضاً لن نستسلم بهذا القدر ونواصل جهدنا وعملنا والتنسيق مع أشقائنا، سواءً في الدول الإسلامية أو في الدول العربية وأحرار هذا العالم، وندرك أنّ تغيير هذه الموجة العدائية من بعض الأطراف الوازنة في العالم يحتاج إلى جهد استثنائي ويحتاج إلى عمل دؤوب".

ويشير السفير خلال حديثه قائلاً: "لسنا متأكدين من قدرتنا على تغيير مواقف هذه الدول، ولكن بمساعدة الأشقاء بوقوف كل الأحرار معنا نحن ندافع عن قضية عادلة وعن مظلومية شعب يعاني منذ أكثر من 75 عاماً من قهر وظلم واحتلال، إذ لم تبقَ جريمة حرب وتطهير عرقي لم تُرتكب بحق شعبنا".

وحول الموقف الفلسطيني من الانحياز والدعم الأمريكي لإسرائيل، يوضح الدكتور مصطفى أنّ السلطة لم تعد تعوّل على أمريكا في حل هذا الصراع منذ سنوات، وبالتحديد وبشكل مفصلي عندما اعترفت الإدارة الأمريكية بالقدس كـ"عاصمة لإسرائيل" ونقلت مقر سفارتها إليها، وفق ما يشير.

كما يرفض السفير الفلسطيني قبول أن تكون الولايات المتحدة الراعي الوحيد والحصري لعملية السلام، وعن هذا يوضح بقوله: "قلنا إنّه يجب أن يُعاد ترتيب الأمور بحيث أن يكون هناك رعاية دولية، لأنّ الولايات المتحدة فقدت تماماً مصداقيتها، ولم تعد فقط طرفاً داعماً لإسرائيل، إنّما هي طرف في هذه الحرب، وما رأيناه من تصريحات الرئيس بايدن عندما جاء إلى إسرائيل وما قبل ذلك وما بعد ذلك، وهذا السخاء الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل كل هذا يثبت أنّ الولايات المتحدة باتت شريكة في العدوان الحالي على الشعب الفلسطيني".

ويؤكد أنّ بلاده لم تعد تعول على موقف الإدارة الأمريكية بسبب انحيازها تماماً لـ"المعتدي والظالم"، حسب وصفه، مضيفاً: "نحن نعلم عن هذه العلاقة المصلحية المرتبطة أو الرابطة ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وإسرائيل كما نعلم في هذه المنطقة وجدت لتخدم وظيفة معينة، وهي دولة وظيفية، والولايات المتحدة هي من أوليات الدول التي سعت من أجل إنشاء إسرائيل خدمةً لمصالحها الاستعمارية والإمبريالية، وهذا الدور لا تزال تلعبه إسرائيل وهذا يفسر هذه العلاقة الحميمة ما بين إسرائيل والولايات المتحدة"، وفق تعبيره.

مجزرة مستشفى المعمداني وموقف السلطة الفلسطينية

وقرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الثلاثاء الماضي، قطع زيارته إلى الأردن والعودة إلى رام الله، وعدم المشاركة في القمة الرباعية التي كان من المقرّر عقدها في عمّان بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ لبحث الأوضاع في قطاع غزة.

وجاء انسحاب عباس إثر الهجوم الذي شنته إسرائيل على مستشفى المعمداني في غزة، وأسفر عن استشهاد أكثر من 500 فلسطيني.

وفي هذا السياق يوضح السفير الفلسطيني الدكتور مصطفى، أنّه بعد تدمير المستشفى المعمداني تغيّر المزاج العام لما ارتكبته إسرائيل من جريمة حرب وإبادة عبر استهداف المستشفى، وأنّه لم يعد هناك أي مبررٍ للقاء من اللقاءات التي كان مخططاً لها في العاصمة الأردنية عمّان.

ويؤكد أنّ "هذه الجريمة بالتأكيد دفعت السيد الرئيس إلى أنْ يلغي مشاركته في هذه القمة وأن يعود فوراً إلى رام الله، من أجل عقد اجتماع للقيادة الفلسطينية حتى يجري تدارس الخطوات التي يجب أن تتخذها القيادة الفلسطينية على ضوء هذه الجريمة المروعة، لأنه في النهاية بايدن وإدارته كانوا قد تبنوا الرواية الإسرائيلية الكاملة حتى في موضوع قصف المستشفى وباتوا يدافعون عن إسرائيل".

وتساءل الدكتور مصطفى عن جدوى لقاء من هذا النوع يمكن أن يُعقد مع الرئيس بايدن، في الوقت الذي أصبح فيه موقفه والجانب الذي يقف فيه معروفاً، وسوف يستمر بالدفاع عن إسرائيل في كل الظروف وفي كل الأحوال، حسب قوله.

ويلفت إلى أنّه كان يمكن أن تساهم القمة في توضيح أمور، وأن تدفع باتجاه أن يكون الموقف الأمريكي أكثر إنصافاً وحيادية، وأن تسعى لعمل تسوية ما لهذه القضية، "لكن بعد هذه الجريمة، جرى التأكد من أنّه لم يعدّ هناك أي داع لمثل قمة كهذه، بخاصة بعد التصريحات التي صدرت عن الإدارة الأمريكية بتبني الرواية الإسرائيلية".

الحاجة إلى ردود فعل قوية

ويؤكد الدكتور مصطفى أنّ "السلطة الفلسطينية تتابع التصريحات والمواقف التي تصدر عن القادة العرب والدول العربية الشقيقة، كما تتابع أيضاً الحراك الشعبي الذي يجري في العديد من الدول العربية الشقيقة".

ويشير إلى أنّ الدول العربية ودول منظمة التعاون الإسلامي طالما أكدت أنّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، إذ عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً منذ أيام في القاهرة، وعقد وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي اجتماعاً في جدة منذ أيام عدّة، كما أنّ جميع الدول العربية والإسلامية تتابع ما الذي يجري على أرض فلسطين.

ويضيف أنّ "هذه الجرائم التي تُرتكب يومياً هي عمليات تطهير عرقي، ومواقف هذه الدول بشكل عام داعمة لفلسطين وتقف إلى جانبها، ولذلك نحن نقول إنّ هذه المعركة مختلفة، وهناك احتياجاً أن يكون الموقفان العربي والإسلامي أيضاً مختلفين بما يتناسب مع نوعية هذه المعركة، وبما يتناسب مع حجم هذا الدم الذي يسيل الآن في فلسطين".

ويشير إلى أنّ الأهالي في غزة يعانون من كل شيء، من القصف البري والبحري والجوي، وحرمان من الماء والغذاء والدواء والعلاج، فالقصف طال كل شيء، حيث لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة وسط قصف المدارس والمستشفيات ودور العبادة من الكنائس المساجد، وبالتالي ما يجري هو شيء كبير يحتاج إلى ردود كبيرة، وإلى ردود فعل غير تقليدية، "خصوصاً ونحن نشاهد حلفاء دولة الاحتلال كيف يقفون إلى جانبها وكيف يصطفون في طوابير من أجل زيارتها ومن أجل تقديم التعازي وإظهار التعاطف، وكيف حال الجسور الجوية التي تنشأ من أجل دعمهم".

وطالب السفير حلفاء الشعب الفلسطيني وأشقاءه بوجوب أن يقفوا معه بـ"قوة وبشكل غير طبيعي" في هذا الظرف، حتى يساعدوه على أن يستمر في صموده، مشدداً على أنّ "المخطط كبير، والهدف هو تصفية القضية الفلسطينية وليس مجرد الانتقام لما حصل يوم 7 أكتوبر".

ويوضح أنّ "إسرائيل تكذب عندما تقول إنّها تريد أن تدمر حماس في قطاع غزة، إنّما تريد أن تدمر القطاع عبر استهداف المدنيين والمباني السكنية ودور العبادة والمستشفيات والمدارس، وبالتالي هذا هدف وضعته إسرائيل من أجل التضليل، إذ يريدون أن يربطوا حماس بالإرهاب الإسلامي من أجل جلب مزيد من التعاطف الغربي".

ويردف الدكتور مصطفى بالقول: "يصفون حماس بأنّها داعش وذراع داعش في فلسطين، هذه كلها توصيفات بروباغندا ودعاية إسرائيلية، الهدف منها تضليل العالم من أجل الاستمرار بالوقوف إلى جانب إسرائيل".

ويؤكد السفير أنّ هذه الحرب ليست حرباً على حماس وليست حرباً على الجهاد الإسلامي، بل هي حرب على الشعب الفلسطيني كله، "لذلك الشعب الفلسطيني جميعه متوحد في معركة واحدة، يوجد اختلافات في الرؤى ما بين حماس وفتح والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، هذا واقع كما كل دولة أخرى فيها أحزاب متعددة، ولكن وقت الحرب ننسى كل ذلك ونتوحد جميعاً من أجل أن ندافع عن قضيتنا وعن حقوق شعبنا".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!