سمير العركي - الجزيرة نت

"لقد وضعنا هدفين للحرب، وهما تصفية حماس من خلال تدمير قدراتها العسكرية والسلطوية، والقيام بكل ما يمكن لإعادة المختطفين".

هكذا حدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أهداف الاجتياح البري لقطاع غزة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، مؤكدًا أيضًا أن "كل عناصر حماس سيموتون فوق الأرض وتحت الأرض، داخل غزة وخارجها".

لكن نتنياهو عاد قبل أسبوع – بحسب ما نشرته سي إن إن – وأمسك بذراع بريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، عقب اجتماع للحكومة الإسرائيلية ليقول له: "نحن نريد هذه الصفقة".

ما بين التاريخين، جرى تحت الجسر – كما يقال- الكثير من مياه النهر، دفعت رئيس الوزراء "المتغطرس" للتقليل من توقعاته بشأن العدوان الوحشي، الذي يشنّه جيشه على قطاع غزة، والموافقة على قرار الهدنة المؤقتة الذي وصفه بـ "القرار الصعب".

أهم ما جاء في الاتفاق، يشمل الإفراج المتبادل عن أسيرات وأطفال، ووقف إطلاق النار من الطرفين مؤقتًا لمدة أربعة أيام، وإدخال مئات الشاحنات الإنسانية والإغاثية والطبية، وضمان حركة مواطني القطاع من الشمال إلى الجنوب.

هذا الاتفاق لم يكن ليكتب له النجاح لولا الجهود المضنية التي بذلتها الدبلوماسية القطرية على مدار أيام طويلة.

فكيف تمت هزيمة السردية الإسرائيلية على هذا النحو؟ حتى وإن لم يكن بشكل نهائي؛ نظرًا لعدم انتهاء الحرب بعد، إذ الحديث لا يزال عن وقف مؤقت للقتال.

وكيف تمثل صعودًا جديدًا للدبلوماسية القطرية في المنطقة؟.

السردية الإسرائيلية المهزومة منذ السابع من أكتوبر

تأسست الرؤية الإسرائيلية لأمنها القومي على ثلاث دعائم أساسية:

الأولى: التفوق المطلق للجيش الإسرائيلي.

الثانية: وحدة المجتمع الإسرائيلي.

الثالثة: العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة.

ما حدث يوم السابع من أكتوبر الماضي مثّل انهيارًا واضحًا، لدعامة تفوق الجيش الإسرائيلي، حيث نجحت تل أبيب في إعادة ترميم ما أصابها عقب حرب أكتوبر 1973، قبل أن تتلقى مجددًا الضربة الأشد تأثيرًا على يد كتائب القسام.

من أجل ذلك سارع نتنياهو وأعضاء حكومة الحرب- مدفوعين بتشجيع ودعم عسكري أميركي- إلى إعلان الحرب على قطاع غزة، لكن بالقيادات العسكرية نفسها، والإستراتيجيات الحربية، التي قادت إلى هزيمة السابع من أكتوبر.

اعتمدت إسرائيل نظرية الصدمة والرعب، التي انتهجها الجيش الأميركي، في عملياته في العراق، خاصة في مدينتي الفلوجة والموصل، فكان القصف الجوي العنيف، الذي استهدف المدنيين في المقام الأول، والذي خلّف آلاف القتلى والمصابين والمفقودين، معظمهم من النساء والأطفال.

لكن ومع تطوير العمليات العسكرية، والدخول في مرحلة الاجتياح البري، انكشف الأداء الضعيف للجيش الإسرائيلي "الذي لا يقهر" في مواجهة المقاومة الفلسطينية.

فرغم مرور قرابة شهر على العمليات البرية، فشلت القوات الإسرائيلية في تحرير أيّ من الرهائن، أو الوصول إلى قيادات القسام المؤثرين، أو تحجيم قدرات التنظيم العسكرية.

فمع تعاظم الخسائر البشرية، كان واضحًا أن الجيش الإسرائيلي، تغوص أقدامه في مستنقع القطاع أكثر وأكثر، يضاف إليه تدمير صورته الأخلاقية في العالم.

فالجيش الإسرائيلي ارتكب خلال عملياته كل ما يندرج تحت توصيف "جرائم الحرب" من استهداف المشافي والمدارس ودور العبادة ومنازل المدنيين، وقتل الأطفال والنساء، وقطع المياه والكهرباء والإنترنت عن القطاع.

وفي موازاة هذا الفشل العسكري، كان هناك فشلٌ إعلاميّ، في إقناع الرأي العام، فبيانات المتحدث العسكري، يعوزها الدقة. والصورُ المنشورة يفتقد كثير منها إلى المصداقية أو المعقولية، كما رأينا وتابعنا في تبرير استهداف مجمع الشفاء الطبي واحتلاله، أو غيره من مشافي قطاع غزة.

في موازاة ذلك الأداء المضطرب، نجحت المقاومة، من خلال إستراتيجيتها الإعلامية، في إقناع الرأي العام، وذلك بسبب المصداقية في نقل وقائع الحرب، مدعومة بالصوت والصورة، وسأكتفي هنا بمثال واحد فقط، وهو ما أعلنه مؤخرًا المتحدث باسم كتائب القسام، "أبو عبيدة"، من لجوء القوات الإسرائيلية إلى قتل جنودها حتى لا يقعوا في الأسر، الأمر الذي اضطرت معه تل أبيب إلى الاعتراف لاحقًا بفتح تحقيق بشأن استهداف جنود إسرائيليين عن طريق الخطأ!.

كما نجحت المقاومة في اللعب بورقة المحتجزين لديها، وتحويلها إلى أداة ضاغطة على أعصاب نتنياهو وحكومته.

فمنذ الأيام الأولى، والمقاومة تعلن استعدادها للإفراج عن المحتجزين المدنيين، وأخلت سبيل البعض منهم دون مقابل، الأمر الذي أدّى إلى تصاعد احتجاجات عوائل المحتجزين.

فعبر الأداء العسكري، والإعلامي، والسياسي، أجبرت المقاومة نتنياهو ومعه الإدارة الأميركية، على التخلّي عن الأهداف المعلنة للعملية العسكرية، والتفاوض على الأرضية التي أرادتها المقاومة منذ البداية، والتي أتوقع لها أن تتطور خلال المراحل المقبلة للحرب.

نجاح جديد للدبلوماسية القطرية

لم تكن هي المرة الأولى التي تنجح فيها الدوحة في لعب دور الوسيط، في العديد من ملفات المنطقة الشائكة، فقد لعبت دورًا مهمًا في المفاوضات بين الإدارة الأميركية وطالبان بشأن الانسحاب الأميركي من أفغانستان، كما ساهمت في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران، بشأن أزمة البرنامج النووي الإيراني، قبل تعثره الأخير.

وفي هذه الأزمة نجحت قطر في تحقيق المعادلة الصعبة، فدعمها للقضية الفلسطينية لا يحتاج إلى كثير إيضاح، كما أنها تحتفظ بعلاقات جيدة مع الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس، وأدانت العدوان الإسرائيلي بكل وضوح، وفي الوقت ذاته نجحت في كسب ثقة المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، باعتبارها قناة موثوقة للتفاوض مع حماس.

فبحسب تقرير لـ "سي إن إن" بعنوان: " المفاوضات المضنية بين إسرائيل وحماس والولايات المتحدة وقطر لتحرير 50 ​​رهينة" فإن الدوحة وعلى مسافة منها القاهرة، كانت قِبلة للمسؤولين الأميركيين، في رحلاتهم المكوكية، بينها وبين تل أبيب وواشنطن، من أجل التوصل إلى اتفاق واضح بشأن الرهائن.

تفاصيل كثيرة ومهمة تضمنها التقرير، تبرز دور الدبلوماسية في تذليل العقبات التي كانت تعترض المفاوضات، التي وصفها أحد المسؤولين الأميركيين بقوله: "كل خطوة من هذا تشبه قلع الأسنان".

كانت اللقاءات والمباحثات المباشرة أو الهاتفية لا تنقطع بين واشنطن والدوحة، بداية من المحادثات الهاتفية بين بايدن، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مرورًا باللقاءات الثنائية بين كبار المسؤولين القطريين والأميركيين.

لم يكن لقطر أن تلعب هذا الدور الدبلوماسي المهم والمطلوب، لولا ثقة طرفي الصراع بها، خاصة الجانب الفلسطيني، وحرص الدوحة على توفير استضافة آمنة لقادة حماس، خلافًا لعواصم عربية أخرى.

كما يعكس هذا الأداء نجاحًا مضافًا، في توظيف إمكانات وقدرات قطر، في خلق مكانة بارزة لها على الساحة الدوليّة.

عن الكاتب

سمير العركي

كاتب وصحفي مصري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس