ترك برس
يشير أكاديميون أتراك إلى دور الإعلام والسياسات الغربية في تعزيز كراهية الإسلام، معتبرين أن الظاهرة باتت أداة سياسية لخدمة أجندات اليمين المتطرف وإضفاء الشرعية على التدخلات في العالم الإسلامي.
وقبل سنوات أطلق تقرير الإسلاموفوبيا الأوروبي السنوي استجابة لحاجة ملحة لإظهار وجود الإسلاموفوبيا في مختلف أنحاء القارة الأوروبية في مجالات مختلفة مثل الإعلام والسياسة والتشريع والتوظيف وعلى الإنترنت، إذ شعر بعض الباحثين بأهمية الالتزام لإنتاج تقرير قوي على مستوى أوروبا يكشف عن جوانب القضية التي تمس حياة المجتمعات.
وهكذا على مدار قرابة 10 أعوام قدموا سنويا تقريبا عن الظاهرة في دول الاتحاد الأوروبي ودولا أخرى خارج الاتحاد مثل روسيا وألبانيا والبوسنة والهرسك وصربيا وكوسوفو ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود، بمشاركة عشرات الباحثين وخبراء ونشطاء المجتمع المدني من مختلف الدول الأوروبية المتخصصين في دراسات العنصرية والإسلاموفوبيا لتغطية قضايا مختلفة وتقديمات توصيات سياسية ملموسة للمجتمع المدني والساسة، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".
أحد الأمثلة البارزة على تطبيع الإسلاموفوبيا في أنحاء أوروبا، جاء عقب قرار لجنة نوبل للآداب بمنح الروائي النمساوي بيتر هاندكه الذي ينكر إبادة البوسنة جائزة نوبل في الأدب، ويقول بيرقلي إنه لا يمكن للمرء أن يتخيل أنه في العالم المعاصر يمكن لمنكر للمحرقة أن يتلقى أي جائزة كتلك، وكشف ذلك -بحسب بيرقلي- مدى عدم حساسية وجهل المؤسسات العالمية المهمة للتاريخ الطويل لأيديولوجية الإسلاموفوبيا.
ويرى الأكاديمي والباحث التركي أنس بيرقلي أن الإسلاموفوبيا تتحرك عبر بناء "هوية مسلمة متخيلة ثابتة"، توصم بمصطلحات سلبية وتعميمها على جميع المسلمين. في الوقت نفسه، تكون الصور الإسلاموفوبية متغيرة وتختلف في سياقات مختلفة، لأن الإسلاموفوبيا تخبرنا أكثر عن الشخص الإسلاموفوبي مما تخبرنا عن المسلمين والإسلام، كما يقول.
وحاولت المؤسسات الأوروبية والدولية تقييم العنصرية ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم مؤخرا، إذ حذرت استطلاعاتها وتقاريرها قادة العالم من المخاطر التي تهدد الديمقراطية والنظام العام التي تشكلها 3 جوانب رئيسية هي: الشبكات الدولية لليمين المتطرف التي تحرض على الهجمات الإرهابية الإسلاموفوبية، والعنصرية المؤسسية، أي الأشكال الهيكلية التي تميز ضد المواطنين المسلمين، وثالثها تأثير سياسات مكافحة الإرهاب على حقوق الإنسان والمسلمين.
وليس بعيدا عن المجتمعات الغربية، هل يمكن أن تكون ظاهرة رهاب الإسلام أو "الإسلاموفوبيا" شائعة في مجتمعات مسلمة؟ وكيف تختلف عن نظيرتها في المجتمعات التي يكون المسلمون فيها أقلية صغيرة؟
يعتقد ضيف هذا الحوار أن الظاهرتين (الإسلاموفوبيا في المجتمعات المسلمة والغربية) متشابهتين رغم انبعاثهما من خلفيات فكرية مختلفة ورغم اختلاف العوامل التاريخية والاجتماعية والديمغرافية والسياقات السياسية للمجتمعات المسلمة التي يعيش فيها المسلمون أقلية. مشيرا لما أسماه "الدور الحاسم الذي تلعبه القوى الاستعمارية حتى يومنا هذا، إذ يستخدم رهاب الإسلام لتعزيز قوة مجموعة مهيمنة من الناس الذين يطمحون للحفاظ على استقرارهم وتوسيع قوتهم".
وأنس بيرقلي هو أستاذ مشارك ورئيس قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة التركية الألمانية. حصل على البكالوريوس وأكمل دراساته العليا (الماجستير والدكتوراه) في العلوم السياسية من جامعة فيينا. قام بإجراء أبحاث لرسالته للدكتوراه في جامعة نوتنغهام في إنجلترا بين عامي 2009-2010.
شغل بيرقلي منصب خبير ومدير مساعد في المركز الثقافي التركي "يونس أمره" في لندن بين عامي 2011-2013. كما كان المدير المؤسس لمراكز "يونس أمره" الثقافية في بوخارست وكونستانتا خلال الفترة من أغسطس/آب إلى ديسمبر/كانون الأول 2012. منذ عام 2013، تتركز اهتمامات بيرقلي البحثية على ظاهرة الإسلاموفوبيا، وحركات اليمين المتطرف في أوروبا، والمنظمات الإرهابية، وتحليل السياسة الخارجية. منذ عام 2015، يشغل منصب رئيس تحرير التقرير السنوي للإسلاموفوبيا في أوروبا إلى جانب عمله كنائب رئيس مؤسسة الدراسات التركية.
تهدف أبحاثه إلى فهم وتحليل القوى السياسية والاجتماعية التي تشكل العلاقات الدولية والسياسات الداخلية للدول، مع التركيز على التحديات التي تواجه المسلمين في المجتمعات الغربية وتصاعد حركات اليمين المتطرف.
وفي هذا الحوار الذي أجرته "الجزيرة نت" مع الأكاديمي التركي، يفتح بيرقلي نافذة على عالم معقد من التصورات والسياسات المتعلقة بالإسلام والمسلمين في الغرب. يتناول التحولات الجيوسياسية التي أدت إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، ويسلط الضوء على التحديات التي تواجه المسلمين في المجتمعات الغربية والإسلامية على حد سواء، كاشفا عن الجذور العميقة للإسلاموفوبيا، سواء في سياق الاستعمار التاريخي أو في إطار التحولات الاجتماعية والسياسية المعاصرة، كما يناقش السياسات الحكومية المثيرة للجدل، خاصة في فرنسا، وتأثيرها على الحريات الدينية والثقافية للمسلمين.
ما تأثير تصوير الإعلام الغربي للإسلام والمسلمين، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، وكيف يمكن فهم هذا التوجه من خلال التحليل الجيوسياسي؟
عندما انتهت الحرب الباردة، بدأت المجتمعات الغربية والمثقفون الغربيون ينظرون إلى العالم وينظرون إلى الإسلام باعتباره عدوا محتملا.
ووصف هؤلاء الإسلام بأنه بديل محتمل للحضارة الغربية، وهذا ما فعله صمويل هنتنغتون مثلا في كتابه "صراع الحضارات"، إذ قام بتحليل كل الحاضرين والتصورات في تسعينيات القرن الـ20، وقال إن الإسلام قد يشكل تهديدا محتملا لألمانيا الغربية. ولهذا السبب نرى في السنوات الـ30 أو الـ40 الماضية تناميا لكراهية الإسلام من أجل تخويف الناس من الإسلام، وإضفاء الشرعية على سياسات التدخل العسكري أو التدخلات الأخرى في المجتمعات الإسلامية، وقد ازدهرت هذه الصناعة في السنوات الـ40 الماضية، أعتقد أن هذا هو الجانب الجيوسياسي للأمر.
كيف تسهم الإسلاموفوبيا في تصوير المسلمين كمشكلة ديموغرافية في أوروبا، وما الآثار الاجتماعية والثقافية لبروز المسلمين في المجتمعات الغربية؟
الإسلاموفوبيا تحاول تخويف الناس بأن المسلمين سوف يصبحون الأغلبية في أوروبا خلال الأعوام المائة القادمة. وهذا كله كذب وافتراء، فوفقا للتقديرات فإن نسبة المسلمين القصوى (المحتملة) سوف تصل إلى 20% فحسب في بعض الدول خلال الأعوام المائة القادمة.
ومع ذلك فإننا نرى أن أعداد المسلمين تتزايد، ولكن المسلمين أصبحوا أكثر وضوحا. وهذه واحدة من المشاكل الرئيسية، لأن الجيل الثاني من العمال الضيوف كانوا يعملون في وظائف بسيطة في الماضي. أصبح لديهم حاليا أطفال يربونهم وفق ثقافتهم ويتحدثون لغاتهم الأصلية. لقد تلقوا تعليمهم في الجامعات. ولديهم شهادات جامعية. إنهم يريدون أن يصبحوا أطباء ومعلمين. إنهم يريدون أن يكونوا نشطين في الحياة العامة. لذا فإنهم يصبحون مرئيين. وهذا الظهور يخلق مشاكل لأن المثقفين الغربيين، كما ناقشنا، يعتقدون أن الإسلام أو الدين مشكلة من الماضي. وليس له مكان في الحياة العامة في المجتمع الغربي.
ونحن نجد ذلك في المجتمعات الإسلامية. بطبيعة الحال، يقولون منذ 200 أو 300 سنة، لم تكن لدينا مشكلة مثل هذه. ولكن مع أيديولوجية التغريب والتنوير والوضعية، تم استيراد كل هذه الأفكار حول الدين والعلمانية نحو المجتمعات الإسلامية في مصر وتركيا والجزائر وفي جميع أنحاء البلدان الإسلامية. وهناك نوعان.
النوع الأول هو البلد الذي احتلته القوى الاستعمارية عسكريا ثم استعمرته وحكمته. لقد خلقت القوى الاستعمارية نخبا استعمارية، وقد تم تعليم هذه النخب الاستعمارية وفقا للقيم الغربية. وعندما ينظرون إلى الإسلام والمسلمين في جميع المجتمعات، فإنهم ينظرون بأعين المثقفين الغربيين. هذا ما نسميه الاستشراق الذاتي. لذا فإنهم يفكرون في أنفسهم مثل الرجل الأبيض الغربي. وهم يعتبرون المجتمعات شيئا يجب تعليمه، أو شيئا يجب تطويعه وإعادة بنائه وفقا للمعايير الغربية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!