
حسناء جوخدار - ترك برس
تصاعدت التفاعلات السياسية في تركيا مؤخرًا بعد تصريحات رسمية بشأن عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني (PKK)، وسط تساؤلات متزايدة عن مستقبل زعيم التنظيم عبد الله أوجلان، المسجون منذ عام 1999 في جزيرة إيمرالي قبالة سواحل إسطنبول.
وفي خطاب أعلن فيه إطلاق مرحلة جديدة من عملية نزع السلاح، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان:
"انتصرت تركيا.. وانتصر مواطنونا الأتراك والأكراد والعرب معًا. وسنواصل المسير مع حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، لمتابعة عملية نزع سلاح التنظيم الإرهابي PKK".
من التعايش العثماني إلى التهميش الجمهوري
لم يُنظر إلى الأكراد في العهد العثماني كمشكلة أو تهديد، بل عاشوا إلى جانب القوميات الأخرى ضمن بنية الدولة متعددة الأعراق، يتحدثون لغتهم بحرية، وينشرون صحفهم، ويمارسون أنشطتهم الثقافية دون قيود.
لكن تغيّر المشهد مع تأسيس الجمهورية التركية الحديثة عام 1923، حيث بدأت سياسة قمع ممنهجة تجاه الأكراد. فقد حُظر استخدام اللغة الكردية في الحياة العامة، ولم يُعترف بوجود الأكراد كقومية مستقلة، بل أُطلق عليهم اسم "أتراك الجبال" في الخطاب الرسمي حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ورغم أن بعض الإصلاحات بدأت في هذا الملف لاحقًا، إلا أن المواقف الرسمية بقيت لفترة طويلة تتعامل مع القضية الكردية بوصفها تهديدًا أمنيًا.
أردوغان: "القضية الكردية قضيتي"
شهد عام 2005 تحولًا مهمًا في اللهجة السياسية تجاه الأكراد، حين قال رجب طيب أردوغان، وكان رئيسًا للوزراء حينها:
"القضية الكردية هي قضيتي قبل أن تكون قضية أي شخص آخر"، متعهدًا بالعمل على حلها سلميًا. ورغم تقلبات هذا المسار، إلا أن العملية السياسية مع الأكراد دخلت في مراحل تفاوضية في فترات متعددة، كان أبرزها في العقد الأول من الألفية الجديدة.
أربكان: لا أكراد ولا أتراك.. بل إخوة
قبل أردوغان، كان أستاذه السياسي ومؤسس حزب الرفاه، نجم الدين أربكان، من أبرز الشخصيات التي تناولت المسألة الكردية بمنظور وحدوي وإسلامي.
رفض أربكان التمييز بين الأتراك والأكراد، ودافع عن حقوق الأكراد بشكل صريح، لكنه حذّر في الوقت ذاته من محاولات خارجية، خصوصًا إسرائيلية، لاستغلال التوترات الداخلية لتقسيم دول المنطقة.
وفي خطاب أمام البرلمان التركي عام 1992، قال أربكان:
"إذا فرقتم بين الأكراد والأتراك، فلن يبقى تركي ولا كردي. وإذا وحّدتموهم، كما في جناق قلعة، فلن يبقى إنجليزي ولا فرنسي."
أربكان انتقد أيضًا النمط القومي المفروض في المدارس، حيث كان الأطفال يُجبرون على ترديد:
"أنا تركي، أنا صادق، أنا مجتهد"، مؤكدًا أنه في هذا الحالة سيكون من حق الطفل الكردي أن يردد بدوره:
"أنا كردي، وأنا أكثر صدقًا، وأكثر اجتهادًا".
لكن هذه التصريحات كلّفته كثيرًا، إذ حُكم عليه بالسجن عامًا كاملًا بتهمة "الانفصالية" من قبل محكمة ديار بكر العسكرية، في وقت كان يُعد فيه الدفاع عن الأكراد خروجًا عن الإجماع القومي. وفي عام 2013 تم إلغاء هذا الشعار في المدارس بفضل جهود حكومة أردوغان.
المفاوضات الأولى مع أوجلان بدأت في عهد أربكان
أظهرت الوثائق أن أولى خطوات التواصل بين الدولة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان بدأت في عام 1996، خلال ولاية نجم الدين أربكان رئيسًا للوزراء، في محاولة لاحتواء النزاع المسلح الممتد منذ الثمانينيات.
لكن الضغوط العسكرية على حزب الرفاه تزايدت، ما أدى إلى استقالة الحكومة في سياق ما يُعرف بانقلاب 28 فبراير/شباط 1997، لتتوقف بذلك هذه المبادرة مبكرًا.
بين الموقف الشعبي والسياسة الرسمية
اليوم، ومع عودة الحديث عن نزع السلاح وفتح قنوات الحل، تبقى القضية الكردية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في تركيا الحديثة، إذ تتداخل فيها الأبعاد القومية، والسياسية، والدينية، والإقليمية، في وقت يتواصل فيه الجدل حول مدى تمثيل حزب العمال الكردستاني للأكراد في تركيا.
لكن خطاب أربكان، بما حمله من رؤية وحدوية وأخوية، لا يزال يُستشهد به حتى اليوم كموقف مبدئي كان سابقًا لعصره، في مواجهة سياسات التجاهل أو القمع التي سادت لعقود طويلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!