محمود عثمان - خاص ترك برس

بعد انتهاء ماراثون اللقاءات والمباحثات بهدف تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، قدمت الهيئات المكلفة بإنجاز تلك المباحثات تقريرها لرئيس حزبها مفصلة فيه نقاط التوافق ونقاط الخلاف والنقاط الإشكالية، تاركة حلها وتخطي عقبتها لزعيمي الحزبين الذين سيلتقيان بداية الأسبوع يوم الإثنين المقبل.

ما رشح عن تلك التقارير يفيد بأن الهوة واسعة بين الطرفين في مواضيع رئيسية تأتي السياسة الخارجية على رأسها، يتبعها التعليم والاقتصاد، إذ يتمسك كل طرف بأحقيته في إدارة هذه الوزارات الحساسة حيث الخلاف الأيدولوجي بين الطرفين في أوجه.

رغم نقاط الخلاف الرئيسية إلا أن زعيمي الحزبين أحمد داود أوغلو وكمال كلجدار أوغلو سيعقدان اجتماعا يوم الإثنين المقبل - كما هو مقرر مسبقا - كآخر فرصة لتذليل الصعوبات وتخطي العقبات والبحث عن حلول وسط في المواضيع المصيرية الحساسة وخصوصا وزارة الخارجية والتعليم والاقتصاد حيث من غير المنتظر أن يتراجع حزب العدالة والتنمية خطوة للوراء في هذه الملفات الحساسية. إذ أن تسليم هذه الحقائب السيادية لحزب الشعب الجمهوري يعني هدم ما تم تأسيسه خلال اثني عشر عامًا.

كما هو معلوم فإن نتائج انتخابات السابع من حزيران/ يونيو الماضي قد أفرزت حالة سياسية بالغة التعقيد، حيث تعتقد جميع الأحزاب السياسية أنها الفائز الأول في الانتخابات، وأن على الأطراف الأخرى وخصوصا حزب العدالة والتنمية تقديم تنازلات، بل ذهبت جميع أحزاب المعارضة دون استثناء إلى وضع خطوط حمراء حيال استحقاق المشاركة في تشكيل الحكومة الائتلافية.

حزب العدالة والتنمية كان الحزب الوحيد الذي لم يضع أية عراقيل أو حواجز أو خطوطًا حمراء، بل كان منفتحًا على الجميع دون استثناء، حيث قام رئيسه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بزيارة جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان دون استثناء بما فيها حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) مصطحبًا معه هيئات من كبار قيادات الحزب، ومد غصن الزيتون للجميع داعيا الفرقاء السياسيين لتحمل مسؤولياتهم واحترام إرادة الناخب، وترجيح مصلحة الوطن العليا على الحسابات الحزبية الضيقة.

حزب العدالة والتنمية قام بعملية مراجعة وإعادة تقييم شاملة لنتائج الانتخابات شاركت فيها جميع مؤسسات الحزب بالإضافة إلى مؤسسات اختصاصية احترافية من خارجه إضافة إلى بعض الشخصيات ذات الخبرة الطويلة والكفاءة العالية في مضمار السياسة وسلوكيات الناخب التركي في الانتخابات، من أجل استخراج الدروس والعبر اللازمة بغية تطوير استراتيجية انتخابية جديدة تقوم على الاستفادة من دروس الماضي وعدم تكرار الأخطاء نفسها في المستقبل، والأهم من ذلك كله البقاء في وضعية الاستعداد والاستنفار لانتخابات قريبة تلوح دلائلها في الأفق.

مقابل ذلك أعلن حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) أنه لن يشترك في أي تشكيلة حكومية يشارك فيها حزب العدالة والتنمية , كما أعلن حزب الحركة القومي بأن لن ينضم إلى أن عملية سياسية يكون حزب الشعوب الديمقراطي طرفا فيها، بينما وضع حزب الشعب الجمهوري أربع عشر مادة قال إنه لن يتنازل عن أي واحدة منها!.

من خلال هذا المشهد السياسي المعقد للغاية يبدو خيار الانتخابات المبكرة خيارا وحيدا يدرك الجميع حقيقته  لكن لا أحد يجرؤ على التصريح به مخافة العقوبة من الناخب الذي سيتم الرجوع إليه في المستقبل القريب. لأن أي طرف يبدو معطلا أو معوقًا أو مخربًا للعملية السياسية ستتم معاقبته من قبل الشعب التركي الذي أعطى قراره في السابع من حزيران الذي يتوجب على المؤسسة السياسية تطبيقه على أرض الواقع لا أن تتهرب من استحقاقاته.

سيناريوهات المرحلة القادمة

من المرجح أن تنتهي محاولة تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري بالفشل، ومن المنتظر أن يعيد أحمد داود أوغلو كتاب التكليف لرئيس الجمهورية معلنا عدم قدرته على تشكيل حكومة ائتلافية، وهذا معناه ومؤداه أن الانتخابات المبكرة على الأبواب. وهنا يأتي السؤال الملح: من الذي سيقود تركيا في مرحلة الانتخابات المقبلة؟

أولا: حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة والتنمية

لعل أكثر السيناريوهات واقعية هو حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة والتنمية ويدعمها حزب الحركة القومية من الخارج دون المشاركة فيها. يؤيد ذلك ويعضده تصريح سميح يالجن نائب رئيس الحزب وأحد أهم قياداته بأن حزبه على استعداد لدعم حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة والتنمية بشرط تحديد موعد الانتخابات في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام. لكن هذا التصريح الذي لم تنفيه مصادر الحزب ولم تكذبه يتعارض مع بيانات وتصريحات رئيس الحزب دولت بهجلي – وغيره من قيادات الحزب - الذي سبق أن صرح ولأكثر من مرة بأنهم لن يدعموا حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة والتنمية!.. فكيف سيتم الخروج من هذه الإشكالية؟.

ثانيا: حكومة برلمان مؤقتة

تشير بعض المصادر المطلعة إلى أن حزب الحركة القومي سيضطر إلى تقديم الدعم لحكومة الأقلية، لأن السيناريو الآخر يقضي تشكيل حكومة مؤقتة يتم تعيين وزرائها من نواب البرلمان بحيث يشارك كل حزب بعدد وزراء يتناسب مع حجم تمثيله في البرلمان، وهذا يعني دخول حزب الشعوب الديمقراطي الحكومة بأربعة وزراء على الأقل، كما يعني مشاركة هذا الحزب مع حزب الحركة القومي في حكومة واحدة الأمر الذي يرفضه الأخير رفضًا باتًا قاطعا ويعتبره خطًا أحمرًا، ولذلك فهو مضطر لدعم حكومة حزب العدالة والتنمية لكن ربما يشترط استمرار الحكومة الحالية في مهامها - مع بعض التعديلات البسيطة –  دون تشكيل حكومة أقلية جديدة، كما أن بعض الاحتمالات تشير إلى إمكانية كسب هذه الحكومة ثقة البرلمان عن طريق وقوف حزب الحركة القومي على الحياد بعدم حضوره جلسة التصويت على الثقة، كما فعل قبل فترة وجيزة حيث لم يحضر الجولة الرابعة لدى انتخاب رئيس البرلمان الحالي، الأمر الذي أدى إلى انتخاب مرشح حزب العدالة والتنمية عصمت يلماز، وبذلك يكون قد خرج من الإشكال والإحراج.

واضح أن الأيام القليلة القادمة حبلى بحراك سياسي عالي الوتيرة، ومفتوحة على سيناريوهات عدة متنوعة، منها ما هو مرتبط برئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، ومنها ما بإمكان البرلمان القيام به بنفسه، حيث يمكنه تشكيل حكومة مؤقتة من أعضائه تدير شؤون البلاد إلى حين إجراء الانتخابات المبكرة، ولا يشترط لهذة الحكومة البرلمانية نيل الثقة من أحد.

أيا كانت تلك الاحتمالات والسيناريوهات فإن خيارات الحل السياسي في النظم الديمقراطية لا تنتهي، كما أن سبله تبقى مفتوحة على الدوام.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس