جلال سلمي - خاص ترك برس

بعد اختراع الآلة البخارية من قبل الإنجليزي جيمس واط عام 1763 وبعد اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789 ومن ثم اندلاع الحروب الضروس بين الدولة الثورية والدول المقوضة لها "المملكة البريطانية، روسيا البيضاء، المملكة النمساوية، القيصرية الروسية" لفترة طويلة انتهت عام 1815 بعد حرب واتيرلو بين هذه الدول ونابليون بونابرت عُقد مؤتمر فيينا الذي أرجع النظام الملكي إلى فرنسا والذي يُعد أول مؤتمر دبلوماسي عالمي في تاريخ العلاقات الدولية، وخلال هذا المؤتمر أيضًا تم طرح مصطلح "مشكلة الشرق".

و يعني هذا المصطلح حسب الجيوسياسي الفرنسي أم دا ليخيريتير مصطلح جيوسياسي طفا على السطح بعد ظهور الأطماع الأوروبية تجاه الدولة العثمانية المليئة بالخيرات والمواد الخام والتي أصبحت مثقلة بالضعف والترهل بعد التطور الصناعي الأوروبي، و نتجت الأطماع الأوروبية عن الحاجة للمواد الخام اللازمة للعملية الصناعية التي أصبحت العصب الاقتصادي للعديد من الدول الأوروبية بعد اكتشاف جيمس واط للألة البخارية، ومن أجل تسوية الخلافات التي نتجت بين الدول الأوروبية فيما يتعلق بالدولة العثمانية وما تحتويه من خيرات جمة في قارتي أسيا وأفريقيا تم إطلاق مصطلح "مشكلة الشرق" والذي كان الهدف الرئيسي منه هو تقسيم الدولة العثمانية وتحصيل أكبر قدر ممكن من الخيرات والمقدرات التي تتنعم بها.

ولتوضيح الأمر بشكل أكثر شمولية يمكن دراسة توجه الدولة الإمبرالية للدولة العثمانية ومن بعدها تركيا وأفريقيا يمكن توضيح الأسباب التي جعلت الدول الإمبريالية تتجه صوب الدولة العثمانية وأفريقيا بالشكل التالي:

أسباب سياسية اقتصادية

بعد تطور العملية الصناعية في أوروبا لم تكن المواد الخامة الموجودة في أوروبا كافية لتلبية الطلب الضخم للعملية الصناعية المتطورة بشكل سريع ونشط في ذلك العهد، ومن أجل تحقيق هذا الهدف بدأت هذه الدول تُحضر العديد من الخطط الاستعمارية لإضعاف الدولة العثمانية ومن ثم احتلال ونهب الدول التي تقع تحت إدارتها والسبب من هنا كان واضحاً للجميع وهو المواد الخام وبالفعل أضعفت هذه الدول الإمبريالية الدولة العثمانية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وبدؤوا باحتلال العديد من الدول الموجودة تحت قيادة الدولة العثمانية مثل مصر عام 1882 والمغرب 1912 والجزائر 1830 وليبيا والعراق وسوريا والأردن وغيرهم الكثير من الدول التي كانت تحت إمرة الدولة العثمانية.

عملت هذه الدول الأوروبية على احتلال هذه الدول ونهب خيرتها وكما استخدمت مواطنيها كأيدي عاملة رخيصة واستخدمت مواقعها وطرقها الجغرافية المميزة، ولكن الدول الإمبريالية هذه لم تهدأ لرؤيتها الدولة العثمانية قائمة على أصولها خاصة بعد خوض الدولة العثمانية العديد من المعارك الشرسة واستمرارها في المحافظة على بلاد الأناضول كدولة سياسية لها فعملوا على إعداد الكثير من الخطط الهجومية والاستعمارية والسياسية للقضاء على الدولة العثمانية بشكل كامل لتجنب ميلاد سلطان أو قائد جديد بها يعمل على طردهم من البلاد التي استعمروها ويرجعهم إلى بلادهم ويعاود الهجوم عليهم في عقر دارهم فقاموا باحتلال إسطنبول عام 1918 وهجمت فرنسا من جهة الجنوب والشرق فاحتلت مساحات واسعة من جنوب وجنوب شرق وشرق الأناضول وكما احتلت إيطاليا بعضًا من المدن الأناضولية وبدأت اليونان تستعد للهجوم على بلاد الأناضول ونفذت خططها الهجومية عام 1919 واستمرت في الحرب ضد الدولة العثمانية إلى عام 1921.

فعليًا نجحت هذه الدول في القضاء على الدولة العثمانية ولكن لم تستطع الحيلولة دون قيام شعب الأناضول بتأسيس دولة مستقلة باسم جمهورية تركيا. تأسست الدولة التركية المستقلة العضوة في حلف شمال الأطلسي "الناتو" وتأسس إلى جانبها العديد من الدول العربية والأفريقية المستقلة أيضًا ولكن على الرغم من إعطاء هذه الدول الإمبريالية الاستقلال والاعتراف القانوني الرسمي لهذه الدول إلا أنها مازالت تراها دول فرعية ضعيفة هزيلة سياسيًا وغنية اقتصاديًا وتقع على مواقع جغرافية استراتيجية ومميزة وهو مايجعلها دومًا بحاجة إلى مساعدة الدول الكبرى أي الدول الإمبريالية لتأسيس أنظمة سياسية قوية ولإدارة مواردها الاقتصادية ومواقعها الجغرافية التي لا تعرف ولا تدري كيف تديرها.

وتبين مجلة البوابة الإخبارية، في تقرير لها بعنوان "عودة تدخل القوى العظمى للشرق الأوسط" نُشر بتاريخ 1 شباط/ فبراير 2012، بأن "التدخل الذي تقوم به الدول الإمبريالية أو العظمى في يومنا الحالي في تركيا ودول الشرق الأوسط وأفريقيا من أفصح الأمثلة على سبب اختيار هذه الدول لتركيا ودول الشرق الأوسط وأفريقيا بكل إرادة وحزم فلم تستطع هذه الدول التجرد من أطماعها السياسية والاقتصادية التاريخية تجاه بلاد الأناضول والشرق الأوسط وبلاد أفريقيا الغنية بالموارد الاقتصادية والمواقع الجغرافية الجيوسياسية المتميزة".

أسباب دينية

يذكر الباحث السياسي التركي خالد دوروجان، في مقال سياسي تحليلي له نُشر على موقع "مقالة سياسية" التركي بتاريخ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، بأن "الأسباب الدينية لاختيار الدول الإمبريالية لتركيا وأفريقيا يعود إلى الجماعات الدينية التي تغلغلت بداخل أنظمة هذه الدول".

ويبين دوروجان بأن "هذه الجماعات هي جماعات يهودية ومسيحية مثل الجماعات الصهيونية والماسونية والتبشريين الذين يهدفون إلى نشر أفكارهم داخل المسلمين وجعلهم تابعين لهم متطبعين بأفكارهم وأهدافهم وهناك الكثير من القادة السياسيين والمفكرين والمواطنين المسلمين من العرب والأتراك والأفارقة المسلمين اليوم أصبحوا مؤيدين وبكل جرأة لهذه الأفكار الهدامة للمجتمع الإسلامي وهذا يثبت حقيقة الأهداف الفكرية التي تسعى الجماعات الدينية المتغلغلة داخل الأنظمة السياسية في الدول الإمبريالية التي تستعملها هذه الجماعات للاستعمار والغزو السياسي والفكري للمجتمعات الإسلامية وعلى رأسها تركيا التي تحاول ثلة مخلصة إحياء الفكر والعز الإسلامي بها من جديد".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!