مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

رفعت لافتة تضامنية مع سوريا الجريحة في تجمع رياضي بمدينة مراكش المغربية تحمل هذا المعنى: "الثورة السورية فجّرها الطفل حمزة الخطيب عام 2011، ولم ينتبه العالم لها إلا بجثة الطفل إيلان الكردي عام 2015، ثورة أهل الشام ثورة الأطفال الرجال"، غايتي التنبيه على أن المجتمع الدولي هو من تسبب في أزمة اللاجئين السوريين بسكوته على جرائم بشار وزبانيته طيلة أكثر من أربع سنوات، كانت مضادات الطيران أو المنطقة الآمنة في شمال سوريا أو في أي منطقة محظورة الطيران في سوريا كفيلة بمنع نزوح 12 مليون سوري، من لم يمت منهم بالبراميل المتفجرة أو السلاح الكيماوي، مات بالتجويع والبرد أو احتضنته مقبرة البحر المتوسط.

من خصائص الثورة السورية العظيمة أنها ثورة الأطفال الرجال الذين لم ينتظروا حتى يدخلوا فترة الشباب والرجولة لتغيير واقع الظلم والاستبداد والإقصاء والعبودية الذي فرضه الهالك حافظ بشار وحلفائه الإقليميون والدوليون طيلة 40 عاما على سوريا والسوريين.

ولأنني غير مقتنع بأن جثة إيلان الكردي وحدها هي التي جعلت كثير من دول العالم وخصوصا الأوروبية منها تغير قناعتها تجاه اللاجئين السوريين، فالموقف الأوروبي كان متشبثًا بإيواء اللاجئين بدول الجوار تركيا والأردن ولبنان مع دعم مالي وإغاثي بخيل، واستقبال أعداد قليلة منهم حسب الكفاءة أو الانتساب لدين معين.

وفجأة تَعدُ ألمانيا بقبول 800 ألف لاجئ خلال العام الجاري، وقبل شهرين تقريبا كانت المستشارة ميركل تعلم للطّفلة الفلسطينية اللاجئة "ريم" سياستها بلادها تجاه اللاجئين والتي تكون أحيانا قاسية وأن القانون اللجوء الألماني يمنع قبول أعداد كبيرة من اللاجئين وأنها تحترم هذا القانون، تعرضت حينها المستشارة لانتقادات كثيرة فوصفها الإعلام الألماني بـ"ملكة الثلج الباردة اليد" وانتقد كثير من الألمان التعامل اللا إنساني لميركل مع الطفلة ريم، فردت المستشارة ميركل في حديث تلفزيوني: "مبادرة مواساة الطفلة الباكية ريم كانت مبادرة إنسانية وغير سياسية... من واجبي الاستماع إلى شكواها وشرح قوانين الإقامة... كنت أشرح لها أن الحديث إلى المستشارة لا يعني بالضرورة الحصول على حقّ الإقامة، من واجبي الاستماع إلى شكواها لكن ليس من حقي تعديل القوانين"، هذا حال ألمانيا قبل شهرين والتي أصرت على قبول اللاجئين ببرنامج: "التوزيع العادل بين دول الاتحاد الأوروبي" فقط، تحت ضغط المحافظين في حزب ميركل لاتخاذ موقف أكثر تشددا تجاه ملف اللاجئين، وهذه الحادثة جعلت كثير من السياسيين الألمان يتسألون:

- هل فعلا كانت حادثة بكاء الطفلة عفوية أم تدخلت فيها لمسات حاشية ميركل من أجل تحسين صورتها الإنسانية؟

- هل يحقّ للسياسي مخالفة قوانين اللجوء الألمانية وتعديلها تعاطفًا مع حالة معينة؟

- هل يحق للمستشارة الألمانية التصرّف بأموال دافعي الضرائب بطريقة شخصية ومن دون العودة للبرلمان؟

أما اليوم فألمانيا تتخلى عن برنامج التوزيع العادل للاجئين وتسعى لتغيير قانون اللجوء القديم الموضوع منذ 1945 والذي يُعاب عليه أنه مُقيّد بمفهوم معين للاجئ والمضطهد السياسي، وتحت ضغط هذه الحالة أعلنت الوزيرة الألمانية إيدان أوزغوس تعديل القانون من أجل حالات مثل حالة ريم، ولكي يكون للشباب المندمج مستقبل أفضل في ألمانيا.

الواقع أن ألمانيا بحاجة للهجرة من أجل مستقبلها الديمغرافي، يُعد تقدم السّكان في العمر وانخفاض معدل الخصوبة نقطة ضعف ألمانيا التي تشهد معدل خصوبة هو من بين الأدنى في العالم ومتوسط عمر هو من بين الأكثر ارتفاعًا، حيث حذرت عدة تقارير من أن كثيرًا من المدن الألمانية الصغيرة والقرى ستصبح دون سكان، فتعداد سكان ألمانيا يفوق 80 مليون نسمة، وفي عام 2060 قد ينخفض عدد السكان في ألمانيا إلى نحو 70 مليون نسمة، بحسب مكتب الإحصاءات "ديستاتيس"، كما أن نسبة 30 بالمائة منهم ستفوق أعمارهم ستين عاما، مما يعني اتجاه المجتمع الألماني إلى الشيخوخة كأكثر المجتمعات الأوروبية عُرضَة للنقص في الفئات الشابة واليد العاملة، وخصوصا أن الاقتصاد الألماني يحتاج 200 ألف عامل مؤهل سنويا، هذا الأمر تدركه المستشارة ميركل وحكومتها جيدا، فاللاجئون والمهاجرون وخصوصا "السوريون" منهم قيمة مضافة وعامل إيجابي في صالح الاقتصاد الألماني.

ألمانيا تستقبل اللاجئين السوريين لمصالحها الاقتصادية والديمغرافية، سوريا من أكثر البلدان التي تحتوي على نسب عالية من الشباب، شباب طموح مولع بالعمل والمعرفة والإنتاج، اختياره ألمانيا لم يأتي لرغبة كمالية، بل لأنه رأى أن ألمانيا تحتوي أسباب النجاح والإبداع، وأرضية ملائمة لتحقيق طموحاته وأهدافه، وكثير منهم كان جوابه عن سؤال: لماذا تختار ألمانيا دون غيرها؟:

- لأن فيها تعليم متطور وتكوين ممتاز مع فرص عمل جيدة.

- لأنها تمنح حق الإقامة ثم الجنسية لمن أثبت ذاته وكان فاعلًا في المجتمع الألماني.

- وجود أقارب ومواطنين سوريين بها.

هذا لا يتناقض مع حاجات ألمانيا والتي أصدرت في نهاية العام 2014 قانونا جديدا حول الهجرة واللجوء يقضي بالموافقة على حقّ اللاجئ بالبقاء الدائم على الأراضي الألمانية في حال إثباته جدارته وقدرته على العمل والإنتاج والاندماج في المجتمع الألماني، هذا يؤكده  تصريح المسؤولة بدائرة الهجرة واللجوء الألمانية: "إن السياسة الألمانية تجاه اللاجئين والمهاجرين تسعى لكسبهم وعدم إبعادهم والتخلص منهم لأنهم في نظر ألمانيا قوة وإضافة لصالح ألمانيا".

إن حقيقة أن أوروبا تتعامل مع المهاجرين واللاجئين بدافع إنساني ليست صحيحة، فالسياسة الغربية سياسة براغماتية تضع مصالحها فوق كل اعتبار، إن توافقت سياستها مع المطالب الإنسانية والحقوقية فبها ونعمت وإلا فلا شيء يعلو على المصالح ولو كان ذلك على حساب شعب قُتِّل وشُرِّد وهُجِّر طيلة أربع سنوات، حيث كان بإمكان الغرب تفادي كل هذه الأزمات بمساعدة المعارضة والثوار على إسقاط النظام الهمجي، لكن المجتمع الدولي أراد أن يحقق رغبة بشار المجرم حينما قال: "أبي تولى حُكم سوريا و بها 7 ملايين سوري، وأنا مستعد لتركها وبها العدد نفسه".

وطبعا أوروبا وخصوصا ألمانيا أرادت من الباقي عن القتل والمحتفظ به في سوريا، أفضل اللاجئين وأكفأهم وأنفعهم لاقتصادها، ورَفضُ تركيا المقترح الألماني باختيار الكفاءات من اللاجئين عندها ونقلهم لألمانيا من أدلة ذلك.

لقد انقلبت الأدوار فأصبحت ألمانيا تأخذ دروس التعامل الإنساني وحماية حقوق الإنسان من تركيا، رغم الضغوط الخارجية والداخلية لتترك السوريين لمصيرهم، قال رئيس وزراء تركيا أحمد أوغلو في قمة العشرين والشباب: "عشرات الآلاف من الطلبة السوريين يتعلمون الآن في الجامعات التركية، ونحن لا نجهزهم من أجل مستقبل تركيا، وإنما نحضرهم من أجل مستقبل سوريا".

أنا لا أشك بأن المستشارة الألمانية المحترمة فرحة بأن شبابًا من أُمة عُرفت بصناعة الحضارات وإبداعها حلّوا ببلادها، رافعين شعار "اليد العُليا خير من اليد السفلى"، فأهل الشام أفضل من يملك ثقافة التعامل مع اللاجئين على مدار 60 عاما وأكثر، وحين تشاء الأقدار أن يكون لاجئًا لحكمة ما، فهو سيبدع لاجئا كما أبدع مضيفا كريما.

افرحي ألمانيا فقد جاءك "أهل الشام" أصحاب البصمة القوية في "حضارة الأندلس" منبع الأنوار يوما كانت أوروبا مظلمة.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس